الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار جنكزخان التمرجى وابتداء أمره وسبب ظهور ملكه
وجنكزخان التمرجى هو أصل هذه الدولة، والقائم بأمرها، والناشر لذكرها. وإليه يرجع ساير ملوكها الذين استولوا على أقاصى البلاد وأدانيها، ورقاب العباد ونواصيها من الصين إلى الفرات وما دانا ذلك وتخلله وجاوره من الممالك والمدن والحصون والقلاع والأقطار. وقد اختلف فى نسبة جنكزخان إلى التمرجى فقال قوم إنه كان حدادا والتمرجى بلغتهم هو الحداد، وقال قوم بل هى نسبة إلى قبيلة تعرف بالتمرجى، وأنهم سكان البرارى ببلاد الصين وجين الصين. وتسمى هذه البلاد بلغتهم جين «1» [وما جين]«2» بين الجيم والشين. ومسيرة أقطارها ستة أشهر، وبها جبال منيعة تحيط بها كالسور، بها الأنهار العذبة المتسعة، وقيل إنه يحوى ملك الصين سور واحد لا ينقطع إلا عند الجبال المنيعة والأنهار الوسيعة وكان ملك الصين ينقسم قديما إلى ستة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر يتولى أمره خان، والخان بلغتهم الملك، يحكم ذلك الخان على القوم القاطنين بذلك السقع، ومرجع هؤلاء الخانات الستة
إلى خان واحد هو ملكهم الأكبر، ومقامه بطوغاج بوسط أرض الصين، وله مصايف ومشاتى يصيّف فى هذه ويشتى فى الأخرى.....
وأما مبدأ أمر جنكزخان وسبب ملكه فقيل إنه تزهّد مدة طويلة وانقطع بالجبال. وكان سبب زهده أنه سأل بعض اليهود فقال له:
«بم أعطى موسى وعيسى ومحمد هذه المنزلة العظيمة، وشاع لهم هذا الذكر» ، فقال له اليهودى:«لأنهم أحبّوا الله وانقطعوا إليه فأعطاهم» ، فقال جنكزخان:«وأنا إذا أحببت الله وانقطعت إليه يعطينى؟» قال: «نعم، وأزيدك أن فى كتبنا أن لكم دولة ستظهر» فترك جنكزخان ما كان فيه من عمل الحديد أو غيره وتزهد، وفارق قومه وعشيرته، والتحق بالجبال وكان يأكل من المباحات، فشاع ذكره فكانت الطائفة من قبيلته تأتيه للزيارة فلا يكلمهم، ويشير إليهم أن يصفقوا بأكفهم، ويقولوا: يا الله يا الله يخشى در، فيفعلون ذلك ويوقعون له وهو يرقص، فكان هذا دأبه وطريقته مع من يقصده للزيارة، وهو مع ذلك لا يدين لديانة ولا يرجع إلى ملة بل مجرد محبة الله بزعمه، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث فهذه كانت بدايته.
وأما سبب ملكه فحكى شهاب الدين محمد المنشى وغيره فى سبب ملك جنكزخان أنه كان من جملة الستة خانات الذين يحكمون على مملكة الصين خان يسمى دوشى خان. وكان الخان الكبير الذى مرجع الستة إليه فى زمن ظهور جنكزخان التمرجى ملك اسمه الطون خان «1» فاتفقت وفاة دوشى خان أحد الخانات الستة ولم يخلف
ولدا، وله زوجة هى عمة جنكزخان التمرجى، فاختارت أن ترتبه مكان زوجها دوشى خان. وكان الخان الأكبر غائبا عن مدينة طوغاج «1» فلما قصدت ذلك أرسلت إلى اثنين من الخانات الستة يسمى أحدهما كشلوخان والآخر جنكزخان وهما متوليان على ما يتاخم ولاية زوجها دوشى خان، فأعلمتهما بوفاة زوجها، وأنه لم يخلف ولدا، وأنها تقصد ترتيب ابن أخيها مكانه. وسألتهما الإعانة والمساعدة على ذلك. فأجاباها إليه وأشارا أن تقيمه مقام زوجها، وضمنا لها أمر التون خان الأكبر. فأقامته ولقبته جنكزخان، وانضم إليه أقوام من عشيرته. فلما عاد التون خان إلى طوغاج حضر الخانات إلى خدمته وجاء كل منهم بما جرت به العادة من التقادم، وعرض عليه الحجاب الأمور التى اتفقت فى غيبته، وقدموا بين يديه التقادم إلى أن وصلوا إلى تقدمة جنكزخان التمرجى بحضور الخانين اللذين أشارا على عمته بتقدمته. فعجب التون خان من توليته فى غيبته.
وكونه ترشح لما لا يستحقه، فغضب من ذلك وخرج وأمر أن تقطع أذناب خيله وترد مطرودة. ففعل ذلك وشتمه الحجاب وشتموا صاحبيه كشلوخان وجنكزخان، وبالغوا فى وعيده ووعيدهما.
فلما خرجوا من بين يديه نزعوا أيديهم من الطاعة وانفردوا عن الخان الكبير التون خان، وخالفوه وانضم إليه خلق كثير، فكثرت جموعهم وأهم التون خان أمرهم، فكاتبهم يعدهم تارة ويتهددهم أخرى، على أن يرجعوا إلى الطاعة، فأبوا إلا الخلاف. فلما أيس
التون خان من رجوعهم إلى الطاعة جمع جموعه وخرج فالتقوا واقتتلوا فكسروه، وقتلوا من قبائل الترك الذين معه مقتلة عظيمة، وهرب التون خان بنفسه إلى وراء كنك «1» وأخلى البلاد، فتمكنوا منها وملكوها، وضعف أمر التون خان ووهى حتى راسلهم يطلب المهادنة وقنع بالسقع الذى انتهى هربه إليه، فأجابوه إلى ذلك.
واستمر الأمر بين الثلاثة: كشلوخان وجنكزخان الأكبر، وجنكزخان الأصغر تمرجى، هذا على المشاركة، فكانوا كذلك إلى أن مات جنكزخان الأكبر، وبقى كشلوخان، وجنكزخان تمرجى مشتركين فى الأمر، وامتدت أيديهما فى البلاد، وسارا إلى بلاساغون «2» فملكاها وما يتاخمها ويدانيها من البلاد. فاتفقت وفاة كشلوخان فقام ولده مقامه، ولقب كشلوخان بلقب أبيه، فلم ينصفه جنكزخان واستضعف جانبه لحداثة سنه، ولم يعامله بما كان يعامل به أباه من الاشتراك فى الأمر والنهى والتناصف فى قسمة الممالك. فجرى بينهما مراسلات ومعاتبات أفضت إلى مفارقة كشلوخان بن كشلوخان إلى قيالق «3» والمالق «4» ، فصالحه صاحبها ممدوخان بن أرسلان واتفقا وتعاضدا.
واتفق أن كورخان- خان الخانية ملك الخطا- كان بينه وبين
السلطان علاء الدين محمد بن تكش من الحروب ما ذكرناه فى أخباره، وكان السلطان علاء الدين لما هزم كورخان التجا إلى حدود كاشغر فقصده كشلوخان وممدوخان «1» وأرادا أنهما يجلسانه على تخت الملك لينضاف إليهما بسببه قبائل الترك، فنهضا إليه من قيالق وكبسا عليه وهو بحدود كاشغر وأخذاه وأجلساه على سرير الملك. وكان كشلوخان يقف بين يديه عند الإذن العام موقف الحجاب، فيشاوره فى سائر الأمور ولا يعمل منها إلا بما يختاره، فكانت واقعتهم هذه شبيهة بواقعة السلطان سنجرشاه السلجقى مع الغز لما أسروه، قال: واستوليا على خزانته وأمواله وذخائره، فبلغ السلطان علاء الدين محمد بن تكش ذلك، فأرسل إلى كشلوخان يطالبه بإرساله إليه ويتهدده إن أخره عنه، ويقول: إنه كان هادنه على أن يزوجه ابنته طوغاج خاتون ويزفها إليه بما فى خزانته من الجواهر النفيسة والأعلاق الثمينة، على أن يتركه فى أخريات بلاده؛ فما أجاب إلى ذلك، ودافعه عنه بالملاطفة والممالطة.
وفى أثناء ذلك بلغ جنكزخان تمرجى أن كشلوخان استولى على كاشغر وبلاساغون وأن ملك الخطا قد وقع بين يديه، فبعث إليه ولده دوشى خان «2» فى زهاء عشرين ألف فارس فأوقع بهم دوشى خان ابن جنكزخان، وغنم ما معهم وذلك فى سنة ثنتى عشرة وستمائة وكان السلطان علاء الدين قد عبر النهر لقصد كشلوخان وقتاله، فبلغه أن دوشى خان بن جنكزخان أوقع به، وجاءته رسالة دوشى خان