الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر القبض على شرف الملك وزير السلطان وقتله
قال المنشى: لما نبت الجفلة بالسلطان شرع شرف الملك فى تمهيد القواعد لنفسه، وكاتب الملك الأشرف وغيره من الملوك، وذكر رجوعه عن السلطان، ونعت جلال الدين بالمخذول، وكتب إلى نواب الأطراف فى ذلك وذكره فى كتبه إليهم بالظالم المخذول؛ وصدر منه من الأفعال ما يناسب ذلك، فظفر السلطان بشيئ من هذه الكتب وكتمها؛ لكنه كان يكتب إلى نواب الأطراف يحذرهم منه ومن امتثال أمره، ويغض منه فى كتبه. وكان شرف الملك قد استقر بقلعة حيزان «1» وعمرها وصادر أصحاب السلطان، وجاهر بالعداوة، فلما رجع السلطان من ماهان وقارب حيزان، راسله فى النزول إليها وتغافل عن جميع ما صدر منه، وأوهمه أنه باق على ما عهده. ونزل شرف الملك إليه فأكرمه بما لم يكن يعامله به قبل ذلك، فإنه أحضره فى مجلس شرابه وشرب معه، ولم تكن هذه عادتهم مع وزرائهم، فسر شرف الملك بذلك وظن أنه زاده تقريبا وتعظيما.
قال: وسار السلطان حتى قارب قلعة جاريبرد- وهى من مضافات أران- وعزم على أن يحبس شرف الملك بها، فركب إليها وصعد
لكشفها، وصعد شرف الملك معه، فأمر السلطان واليها سرا- واسمه سملان سلك بك وهو شيخ تركى ظالم شرير- أنه إذا نزل يمنع شرف الملك من النزول ويحبسه بالقلعة ويقيده. وكان يخشى منه أنه يفارقه إلى بعض الجهات فيثير فتنة، وعزم على حبسه إلى أن تخمد فتنة التتار، ثم يخرجه ويعيده إلى الوزارة من غير تقرير عشر البلاد، بل يقرر باسمه فى كل شهر ألف دينار أسوة بوزير الخليفة، ولا يطلق يده فى الإطلاقات، فحبس شرف الملك بالقلعة، ونزل إلى متولى القلعة بعد حبسه بأيام وقد جلس السلطان للمظالم، فكثرت الشكوى فى متولى القلعة والسلطان لا يجيب فى أمره بشيئ تألفا له. فخاف المتولى أن السلطان يعزله، فاتفق مع شرف الملك.
وكان السلطان لما اعتقل شرف الملك ضم مماليكه الذين أمّرهم إلى أوترخان وكان كبيرهم ناصر الدين قشتمر، فدخل يوما على أوترخان بخاتم شرف الملك وقال إن متولى القلعة سيره إليه يقول: إننى قد واطأت صاحبك على إطلاقه، وأننا نصالح الكرج، فمن رغب منكم فى خدمته فليأت القلعة. فلما سمع السلطان بذلك سقط فى يده وفت فى عضده. وكان ابن المتولى فى جملة بهلوانية السلطان وجماقداريته، فبعثه إلى أبيه يقبح عليه فعله ويذكره بإحسانه إليه وأنه ليس لجنايته موجب. فرجع الغلام وأخبر السلطان عن أبيه.
أنه على الطاعة إن وثق من السلطان أنه لا يعزله. فقال السلطان مصداق هذا القول أنه يبعث إليه برأس شرف الملك. ووجه صحبة ابن المتولى خمسة من السلحدارية. قال: فلما دخلوا عليه وعلم مقصدهم استمهلهم ريثما يتوضأ ويصلى ركعتين. فلما فرغ من صلاته أذن لهم فى
الدخول. فقالوا له: ماذا تختار: الخنق أم السيف؟ فاختار السيف فقالوا: إن الملوك لا تقتل بالسيف، والخنق أهون عليك، فقال: شأنكم وما تريدون. فخنقوه وخرجوا من عنده حتى يبرد ثم يدخلوا عليه فيقطعوا رأسه. فلما دخلوا عليه وجدوه قد أفاق وجلس، فضربوا عنقه. هذا ما نقله شهاب الدين المنشى فى سبب قتله.
وقال غيره من المؤرخين: إن سبب خلاف شرف الملك على السلطان وانضمام الناس إليه أن جلال الدين ظهر منه فى هذه السنة- وهى سنة ثمان وعشرين وستمائة- نقائص وأمور دلت على نقص عقله، وأوجبت انحراف وزيره وعساكره عنه. فمنها أنه كان له خادم خصى يسمى قلج، وكان جلال الدين يحبه، فمات فأظهر عليه من الهلع والجزع ما لم يسمع بمثله، ولا نقل عن مجنون ليلى ولا غيره من جهال العرب، الذين ضرب بهم المثل، وأمر الجند والأمراء أن يمشوا فى جنازته رجّاله. وكان موته بموضع بينه وبين تبريز عدة فراسخ فمشى الناس كما أمرهم، ومشى هو بعض الطريق راجلا، فألزمه وزيره وأمراؤه بالركوب، وأرسل إلى أهل تبريز أن يتلقوا الجنازة فتلقوها، فأنكر عليهم لتأخرهم وكونهم ما تقدموا الموضع الذى لقوها فيه، وكونهم لم يظهروا من الحزن والبكاء أكثر مما أظهروا، وقصد معاقبتهم على ذلك، فشفع فيهم الأمراء فتركهم ولم يدفن الخادم، وكان يستصحبه معه أين سار وهو يلطم ويبكى، وامتنع من الأكل والشرب. وكان إذا اقدم له طعام يقول: احملوا من هذا إلى قلج، فيحملونه ويعودون فيقولون: هو يقبل الأرض ويقول: إننى الآن أصلح مما كنت، ولا يتجاسر أحد يقول: إنه مات،