الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ملك عماد الدين بعلبك
وفى ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمسماية ملك [عماد الدين] زنكى مدينة بعلبك وهى لصاحب دمشق. وسبب ذلك أن شهاب الدين محمود صاحب دمشق قتله غلمانه فى هذه السنة كما ذكرنا، وملك بعده أخوه جمال الدين محمد. وكانت والدة محمود زوجة عماد الدين بحلب، فوجدت لذلك وجدا عظيما وحزنت حزنا شديدا وكتبت إلى أتابك زنكى وهو بالجزيرة تعرفه بالحادثة وتطلب أن يقصد دمشق ويطلب ثأر ولدها. فبادر إلى ذلك ولم يتوقف وعبر الفرات عازما على قصد دمشق. فبلغ ذلك صاحبها فاحتاط واستعد، وسار عماد الدين إلى بعلبك فوصل إليها فى العشرين من ذى القعدة، وضيق على أهلها ونصب عليها أربعة عشر منجنيقا ترمى ليلا ونهارا. فأشرف أهلها على الهلاك، فطلبوا الأمان فأمنهم وتسلم المدينة. وبقيت القلعة وبها جماعة من شجعان الأتراك، فلما أيسوا من نصرة معين الدين أتابك صاحب دمشق- وكانت بعلبك له- فطلبوا الأمان، فأمنهم وتسلم القلعة منهم. ثم غدر بهم وصلبهم ولم ينج منهم إلا القليل. فاستقبح الناس ذلك من فعله واستعظموه وحذروه ونفروا منه.
قال: ولما فتح بعلبك كان لمعين الدين بها جارية وكان يهواها، فأخذها زنكى وسيرها إلى حلب، فلم تزل بها إلى أن قتل زنكى، فسيرها نور الدين إلى معين الدين، فكانت أعظم أسباب المودة بينهما. قال:
ولما فرع عماد الدين من بعلبك سار إلى دمشق فى شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وخمسماية ونزل على داريا «1» ، فقاتله أهل دمشق فكسرهم وتقدم إلى المصلى «2» فقاتلوه مرة بعد أخرى.
كل ذلك والظفر له عليهم. وأرسل إلى صاحب دمشق يبذل له بعلبك وحمص وغيرها مما يختاره من البلاد، فمال إلى تسليمها، فحذره أصحابه وخوفوه عاقبة غدره، فامتنع من الإجابة فعاد عماد الدين القتال والزحف. واتفقت وفاة جمال الدين صاحب دمشق فى ثامن شعبان، وولى بعده ابنه مجير الدين أبق، فاشتد طمع عماد الدين وزحف زحفا شديدا، فلما رأى أنابك [أنر]«3» أن عماد الدين لا يندفع عنهم، راسل الفرنج واستنصر بهم، فاجتمعت الفرنج وعزموا على المسير لدفعه عن دمشق، فعلم عماد الدين بذلك فتوجه إلى حوران فى خامس «4» عشر رمضان عازما على لقاء الفرنج قبل أن يجتمعوا مع الدماشقة. فلما بلغ الفرنج خبره لم يتحركوا من بلادهم، فعاد إلى حصار دمشق ونزل بعذرا «5» شماليها فى سادس شوال، وأحرق عدة من قرى المرج والغوطة، ورحل إلى بلاده.
ثم وصل الفرنج إلى دمشق، وكان معين الدين قد بذل لهم أنه يحاصر بانياس ويسلمها إليهم، وكانت فى طاعة زنكى. ففعل