الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمه جيشا مقدمه جقر التركى، فهرب هندوخان عن خراسان، وسار إلى غياث الدين ملك غزنة يستنجده على عمه. فأكرمه وأحسن إليه وأقطعه أقطاعا، وأوعده النصرة، ودخل جقر مدينة مرو وبها والده هندوخان وأولاده، فأرسلهم، إلى خوارزم مكرمين، ثم راسل جقر غياث الدين صاحب غزنة فى الانضمام إليه ومفارقة الخوارزمية، فأطمعه ذلك فى البلاد، وجهز أخاه شهاب الدين لقصد خراسان، والاستيلاء على ما بها من بلاد خوارزم شاه. فسار فى جمادى الأولى سنة سبع وتسعين، وملك مرو وسلمها غياث الدين إلى هندوخان بن ملكشاه، وملك سرخس، وملك طوس، وملك نيسابور وبها على شاه أخو السلطان خوارزم شاه، فسلمه إلى أخيه شهاب الدين على ما قدمناه فى أخبار الدولة الغورية.
ذكر ملك خوارزم شاه وما كان الغورية قد ملكوه من بلاده
كان سبب ذلك أن شهاب الدين الغورى بعد أن ملك ما ملك من بلاد خوارزم شاه، توجه إلى الهند، بعد أن رتب فى كل بلد من نوابه من يحفظه ويقوم بمصالحه فلما توجه إلى الهند راسل خوارزم شاه غياث الدين وعاتبه، وقال فى جملة رسالته: إننى كنت أظن أنك تنصرنى على من يقصد التطرق إلى بلادى من ملوك الخطا وغيرهم، فحيث لم تفعل فلا أقل أن لا تؤذينى فى ملكى. وطلب منه إعادة ما أخذه من بلاده. وقال: ومتى لم تفعل انتصرت عليك بالخطا
وغيرهم من الأتراك، إن عجزت عن استرجاع بلادى، إلى غير ذلك من الكلام فأخذ غياث الدين يغالطه فى الجواب ويكرر الرسائل، وهو ينتظر خروج شهاب الدين من الهند، فإن غياث الدين كان يعجز عن ملاقاته لما به من النقرس، فجمع علاء الدين العساكر وسار فى منتصف ذى الحجة سنة سبع وتسعين وتوجه إلى مرو، فلما قاربها هرب منها ابن أخيه هندوخان بن ملكشاه وتوجه إلى غياث الدين، وملكها خوارزم شاه، وسار إلى نيسابور وبها علاء الدين محمد الغورى صهر غياث الدين، وهو الذى كان يلقب ضياء الدين، فقاتله قتالا شديدا. وطال مقام خوارزم شاه، فراسله غير مرة فى تسليم البلد وهو لا يجيب، رجاء أن يصله المدد من غياث الدين فلما طال عليه الحصار وأيس من وصول الأمداد إليه، راسل فى طلب الأمان لنفسه ولمن معه من الغورية، فأجابه إلى ذلك وتسلم البلد، وأحسن إلى علاء الدين ومن معه.
ثم سار خوارزم شاه إلى سرخس وبها الأمير زنكى فحصره أربعين يوما، فضاقت الميرة على أهل البلد، فراسله زنكى أن يتأخر عن باب البلد ليفارقها هو ومن معه، واعتذر أنه لا يمكنه الاجتماع به لقرب نسبه من غياث الدين، فتأخر خوارزم شاه عن المدينة وأبعد. فخرج زنكى، وأخذ من الغلات والأقوات والأحطاب التى كانت فى العسكر ما يحتاج إليه، وعاد إلى البلد وأخرج منه من كان ضاق به الأمر، فندم خوارزم شاه على موافقته، ورحل عن البلد، وترك عليه جماعة من أمرائه يحاصرونه. فلما سار خوارزم شاه
عن سرخس قصد نائب الغورية بالطالقان «1» أن يكبس العسكر الخوارزمى المحاصر لسرخس. وكتب بذلك إلى زنكى؛ فشعر الخوارزميون بذلك ففارقوا سرخس، فأدركهم نايب الطالقان، وأوقع بهم، وقتل أمير علمهم، وكسر كوساتهم «2» ، فانقطع صوتها عن العسكر، ولم يروا الأعلام، فانهزموا، ونال الغورية منهم منالا عظيما قتلا وأسرا.
فلما اتصل هذا الخبر بخوارزم شاه، عاد إلى خوارزم، وكتب إلى غياث الدين وراسله فى الصلح، فأجابه عن رسالته مع أمير كبير من الغورية يقال له الحسن بن محمد المرغنى، ومرغن من قرى العور، فقبض عليه خوارزم شاه، وكان أخوه عمر بن محمد المرغنى نائب الغورية بهراة. وسار خوارزم شاه إلى هراة بمكاتبة بعض أمرائها، فنمى خبر من كاتبه إلى المرغنى، فأمسكهم، وأقام خوارزم شاه يحاصر المدينة أربعين يوما، ثم رجع عنها لما بلغه عود شهاب الدين الغورى من الهند وذلك بعد مصالحة أميرها المرغنى على مال حمله إليه.
ولما عاد شهاب الدين من الهند بلغه ما فعله خوارزم شاه فى غيبته، وما ملكه من بلاد خراسان، فسار إلى خراسان، فانتهى إلى بلخ ثم إلى باميان وإلى مرو، عازما على حربه. فالتقت أوائل عسكريهما،
فاقتتلوا قتالا شديدا، وتوجه خوارزم شاه شبه المنهزم، وتوجه شهاب الدين إلى طوس فشتا «1» بها وهو على عزم المسير لمحاصرة خوارزم، فأتاه الخبر بوفاة أخيه غياث الدين، فعاد إلى هراة وجلس للعزاء واستخلف بطوس محمد بن جريك «2» ، فجهز خوارزم شاه من عساكره من حصر طوس فجرى بينهم وبين النايب بها حروب كثيرة، آخرها أن النايب بها سأل الأمان لنفسه فأمنه منغور «3» التركى- وهو مقدم العسكر الخوارزمى- فلما خرج إلى العسكر قتلوه، وأخذوا ما معه، وملكوا طوس. واتصل هذا الخبر بشهاب الدين الغورى فعظم عليه، وترددت الرسائل بينه وبين خوارزم شاه، فلم يحصل بينهما اتفاق.
ثم قصد شهاب الدين غزو الهند على عادته، فاستعمل على هراة ابن أخيه ألب غازى، وقلد الملك علاء الدين محمد بن على الغورى بمدينة فيروزكوه «4» وبلد الغور، وولاه حرب خراسان. وتوجه إلى الهند، فقصد خوارزم شاه مدينة هراة وحاصرها. وذلك فى شهر رجب سنة ستماية. واستمر إلى سلخ شعبان، وكثرت القتلى بين العسكرين، فراسل خوارزم شاه ألب غازى أن يخرج إليه ويخدمه خدمة سلطانية ليرحل عنه، فلم يجبه إلى ذلك ثم اتفق
مرض ألب غازى، واشتد به فخاف أن يشتغل بمرضه، فيملك البلد فأجاب إلى ذلك، واستحلفه على الصلح، وأهدى له هدية جليلة، وخرج من البلد ليخدمه، فسقط إلى الأرض، فمات ولم بشعر به أحد. وارتحل خوارزم شاه إلى سرخس فأقام بها.
قال: ولما اتصل الخبر بشهاب الدين عاد من الهند، وقصد خوارزم، فراسله خوارزم شاه فى العود، وتهدده إن لم يعد بحرب هراة، ومنها إلى غزنة، فعاد عليه جوابه أن خوارزم تجمعنا. وكان خوارزم شاه قد سار من سرخس إلى مرو، ونزل بظاهرها، فلما أتاه جواب شهاب الدين فرق عساكره وأحرق جميع ما معه من العلوفات ورحل يسابق شهاب الدين إلى خوارزم فسبقه إليها، وقطع الطريق التى تسلكها الغورية بإجراء المياه فيها، فتعذر على شهاب الدين سلوكها، وأقام فى إصلاحها أربعين يوما حتى أمكنه الوصول إلى خوارزم. والتقى العسكران بسوقرا، ومعناه الماء الأسود، وجرى بينهم قتال شديد، كثرت فيه القتلى من الطائفتين، فأرسل خوارزم شاه إلى الأتراك الخطا يستنجدهم على الغورية، وهم حينئذ ملوك ما وراء النهر، فاستعدوا وساروا إلى بلاد الغورية، فبلغ شهاب الدين خبر مسيرهم، فعاد عن خوارزم.
وكان من أمره مع الخطا وقتالهم وهزيمته منهم ما قدمناه فى أخباره وذلك فى صفر سنة إحدى وستماية، فلا فائدة فى إعادته فى هذا الموضع. ولم تطل مدة شهاب الدين بعد ذلك فإنه فتل فى أوائل شعبان سنة اثنتين وستماية، فاستولى خوارزم شاه حينئذ على ما نذكره بخراسان وغيرها