الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وكان قد ضبط ناموس الملك إلى غاية لا مزيد عليها، فكان يلزم الأجناد بوظائف الخدمة، ولا يجلس عنده أمير من غير أن يأمره بالجلوس، إلا نجم الدين أيوب، وأما من عداه كأسد الدين شيركوه وغيره، فإنهم كانوا يقفون حتى يأمرهم بالجلوس. وكان مع ذلك إذا دخل عليه الفقير والصوفى والفقيه يقوم له ويجلسه إلى جانبه. وكان إذا أعطى أحدهم شيئا يقول إن هؤلاء لهم فى بيت المال حق، فإذا قنعوا منا ببعضه فلهم المنة علينا.
ولم يزل الناس معه فى غاية الأمن والخير والبركة والنمو والإحسان والعدل والبر وإظهار السنة وقمع البدعة إلى أن توفى إلى رحمة الله تعالى.
ذكر أخبار الملك الصالح اسماعيل ابن الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين أتابك زنكى بن أقسنقر
ملك بعد وفاة والده فى حادى عشر شوال سنة تسع وستين وخمسماية. وحلف له الأمراء وأطاعه الناس فى سائر البلاد وخطب له الملك الناصر صلاح الدين يوسف بالديار المصرية. ولم يكن الملك الصالح إذ داك قد بلغ الحلم. وتولى تربيته الأمير شمس الدين محمد بن المقدم. قال العماد الأصفهانى الكاتب: وورد كتاب صلاح الدين بالثال الفاضلى معزيا للملك الصالح وفى آخره:
«وأما العدو خذله الله تعالى فوراءه من الخادم من يطلبه طلب ليل لنهاره، وسيل لقراره، إلى أن يزعجه من مجاثمه، ويستوقفه عن مواقف مغانمه، وذلك من أقل فروض البيت الكريم، وأيسر
لوازمه. أصدر هذه الخدمة يوم الجمعة رابع عشر ذى القعدة وهو اليوم الذى أقيمت فيه الخطبة بالاسم الكريم، وصرح فيه بذكره فى الموقف العظيم، والجمع الذى لا لهو فيه ولا تأثيم، وأشبه يوم الخادم أمسه فى الخدمة، وفيما لزمه من حقوق النعمة، وجمع كلمة الإسلام عالما أن الجماعة رحمة» .
قال: ولما بلغ سيف الدين غازى بن قطب الدين مودود وفاة عمه، استبشر لذلك، ونادى بالموصل بالفسحة فى الشرب واللهو. وكان الخبر قد أتاه وهو سائر إلى خدمة عمه نور الدين، فإنه كان قد استدعاه بالجيوش، فعاد وهرب سعد الدين كمشتكين، على ما نذكره إن شاء الله تعالى فى أخبار سيف الدين غازى مبينا. قال: ولما اتفق ذلك منه لم يكتب الجماعة الذين فى خدمة الملك الصالح إلى صلاح الدين يوسف بالخبر، خوفا أنه إذا بلغه ذلك أقصدهم، واستولى على الملك الصالح وأبعدهم، فشق ذلك عليه وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.
قال: وأقام الملك الصالح بدمشق وجماعة الأمراء عنده لم يمكنوه من المسير إلى حلب، لئلا يغلبهم عليه شمس الدين بن الداية، ويختص بخدمته، فإنه كان من أكبر الأمراء النورية. ولما وصل كمشتكين من الموصل إلى حلب أحسن إليه الأمير شمس الدين بن الداية، وأكرمه، وجهزه إلى دمشق لإحضار الملك الصالح منها إلى حلب، وجهز معه العساكر. فلما قارب دمشق سير الأمير شمس الدين محمد بن المقدم عسكرا إليه، فهزموه. ونهبوا ما معه،
فعاد إلى حلب منهزما، فأخلف عليه ابن الداية عوض ما أخذ منه ثم نظر أمراء دمشق المصلحة، فعلموا أن مسيره إلى حلب أجود من مقامه بدمشق. فأرسلوا إلى ابن الداية يطلبون سعد الدين كمشتكين ليأخذ الملك الصالح، فجهزه إليهم، فسار إلى دمشق فى المحرم سنة سبعين وخمسماية، فأخذ الملك الصالح وعاد به إلى حلب.
فلما وصل إليها، قبض سعد الدين على ابن الداية وإخوته، وعلى الرئيس ابن الخشاب رئيس حلب، ومقدم الأحداث بها.
واستبد سعد الدين بتربية الملك الصالح، فخاف ابن المقدم وغيره من الأمراء بدمشق أن سعد الدين يسير إليهم ويفعل بهم كما فعل بابن الداية، فراسل سيف الدين غازى بن مودود فى الحضور من الموصل ليتسلم دمشق فخشى غازى أن تكون مكيدة فلم يحضر، فراسله سعد الدين، واتفق الحال على أن يستقر بيده ما استولى عليه من الأعمال الجزيرية. فقال أمراء دمشق: حيث صالح سيف الدين، لم يبق له مانع من المسير إلى دمشق. فراسلوا الملك الناصر صلاح الدين فى الحضور من مصر ليتسلمها. فوصل إليها، وتسلمها، وملك حمص وحماه وبعلبك. ولم يقطع خطبة الملك الصالح، وأظهر أنه إنما حضر لخدمته، واسترجاع ما استولى عليه سيف الدين غازى وغيره من الأعمال الجزيرية. ثم كان بينه وبين العسكر الحلبى من الحروب ما نذكره فى أخبار الدولة الأيوبية، إلى أن أحوجوه إلى الاستقلال بالأمر والخطبة لنفسه وملك البلاد.