الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفاة عز الدين مسعود
كانت وفاته فى التاسع والعشرين من شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة. ودفن بالمدرسة التى أنشأها بالموصل مقابل دار المملكة وبقى فى مرضه ما يزيد على عشرة أيام لا ينطق إلا بالشهادتين وتلاوة القرآن والاستغفار. وكانت مدة ملكه ثلاثا وعشرين سنة وسبعة أشهر إلا أياما. وكان خيّر الطبع كثير الخير والإحسان وزيارة الصلحاء وبرهم. وكان حليما قليل المعاقبة كثير الحياء لا يكلم جلساءه إلا وهو مطرق. وما قال فى شيئ سئله «لا» ولبس خرفه التصوف «1» بمكة، وكان يلبسها فى كل ليلة، ويخرج إلى مسجد بناه فى داره فيصلى فيه نحو ثلث الليل، رحمه الله.
وملك بعده ولده نور الدين أرسلان شاه بن مسعود، وقام بتدبير دولته فى ابتدائها مجاهد الدين قايماز مدبر دولة والده، واستمر نور الدين أرسلان شاه فى الملك إلى سنة سبع وستماية، فتوفى فى أوائل شهر ربيع منها، ودفن فى مدرسته التى أنشأها مقابل داره بالموصل. وكانت علته قد طالت، وكانت مدة ملكه سبع عشرة «2» سنة وأحد عشر شهرا. وكان بينه وبين الملك
العادل بن أيوب مخالفة، ثم اتفاق ومصاهرة. وكان شهما شجاعا ذا سياسة للرعايا شديدا على أصحابه مانعا من تعدى بعضهم على بعض.
ولما مات ملك بعده ولده الملك القاهر عز الدين مسعود بن نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكى. وكان والده قد حلّف له العساكر وأعطى ولده الأصغر عماد الدين زنكى قلعة عقر الحميدية»
وقلعة سوس وأمر أن يتولى تدبير دولة القاهر فتاه بدر الدين لؤلؤ، فقام بتدبير الدولة والنظر فى مصالحهما. واستمر الملك القاهر فى الملك إلى سنة خمس عشرة وستماية، فتوفى فى ليلة الأثنين لثلاث بقين من شهر ربيع الأول منها، فكانت ولايته سبع سنين وتسعة أشهر. وكان كريما قليل الطمع فى أموال رعيته مقبلا على أمرائه. وملك بعده ولده نور الدين أرسلان شاه بن الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه ملك الموصل، بوصية من أبيه. وكان عمره يوم ذاك عشر سنين. وجعل الوصى عليه والمدبر لدولته بدر الدين لؤلؤ فقام أحسن قيام وراسل الملوك أصحاب الأطراف المجاورين له، وطلب منهم تجديد العهد لنور الدين على القاعدة التى كانت اتفقت بينهم وبين أبيه، فوافقوه. وكتب إلى الديوان العزيز، فجاءته الخلع والتقليد من الخليفة بولاية نور الدين. ونظر بدر الدين فى أمور الدولة فلم يلبث نور الدين إلى أن توفى فى هذه السنة.
ولما مات استحلف بدر الدين لؤلؤ العساكر لأخيه ناصر الدين محمود بن الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه، وله من العمر ثلاث سنين. واستمر بدر الدين لؤلؤ فى تدبير الدولة، فتجدد طمع عز الدين زنكى بن مسعود ومظفر الدين عمّيه فى ملك الموصل لصغر سنة، فجمعا الرجال وتجهزا للحركة، وقصدا أطراف الموصل بالنهب والفساد، فخرج إليهم بدر الدين لؤلؤ بعساكر الموصل، والتقوا، فكانت الهزيمة على العسكر البدرى، وعاد إلى الموصل وتبعه مظفر الدين، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك واستقر كل واحد على ما بيده. ثم ملك عماد الدين قلعة كواشى «1» وهى من أحسن قلاع الموصل.
ثم مات ناصر الدين محمود بعد مدة يسيرة، واستقر بدر الدين لؤلؤ بملك الموصل، وتلقب بالملك الرحيم ودامت أيامه إلى أن توفى فى سنة سبع وخمسين وستماية، فكانت مدة ملكه نحو أربعين سنة، وملك بعده أولاده، فكان الذى استقل بملك الموصل من أولاده الملك الصالح ركن الدين إسمعيل، قتله التتار فى سنة تسع وخمسين وستماية، وملك ولده الملك المجاهد سيف الدين إسحاق بلاد الجزيرة؛ وملك الملك المظفر علاء الدين على سنجار. ولما استولى التتار على هذه الممالك وصل هؤلاء إلى الديار المصرية المحروسة فى أيام السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، وجهزهم صحبة فى أيام السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، وجهزهم صحبة الخليفة المستنصر بالله؛ فكان من أمره وأمرهم ما ذكرناه ونذكره