الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أغلمش الأتابكى، وكان ينوب عن السلطان بالعراق، فركب يلتقى الحاج عند منصرفهم من الحج. قفز عليه باطنى فى زىّ حاج فقتله، وانقطعت حينئذ خطبة السلطان بالعراق فحركه ذلك إلى المسير لإعادتها.
ذكر مسيره الى العراق وما اتفق له
قال: ولما قتل أغلمش، وكان يقيم رسمى الخطبة والطاعة للسلطان بالعراق، طمع الأتابك أزبك بن محمد صاحب أران وأذربيجان، وسعد بن زنكى «1» صاحب فارس فيه فنهضا إليه لعلمهما ببعد السلطان، وأنه فى أعماق بلاد الترك. فرحل أزبك ودخل أصفهان بمواطأة من أهلها، وملك سعد الرى وقزوين وسمنان «2» وما تاخم ذلك وداناه. فانتهى الخبر إلى السلطان وهو بسمرقند، فاختار من العساكر ماية ألف، وترك معظم عساكره مع أمرائه بما وراء النهر وثغور الترك. فلما وصل إلى قومس اختار ممن استصحبه معه اختيارا ثانيا، ونهض فى اثنى عشر ألف فارس وسار مجدا فسبق خبره إلى جبل برزك وهى كورة من كور الرى، وسعد بظاهرها.
فلما رأى سعد أوائل الخيل قد أقبلت، ظن أنهم من الأزبكية «3»
المنازعين له فى ملك العراق، فركب بنفسه وعسكره وصدق القتال.
فلما شاهد السلطان جده أمر بنشر الجتر «1» . وكان ملفوفا فنشر، فحين تحقق أصحاب سعد أن الجيش جيش السلطان ولوا الأدبار ونزل سعد فقبل الأرض، فأخذ وكتف وأحضر بين يدى السلطان فأمر بالاحتياط عليه، وحمله على بعل حتى وصل إلى همذان، وقضى وطره من أزبك على ما سنذكره.
وأما الأتابك أزبك صاحب أران وأذربيجان فإنه لما سمع ماحل بسعد من الأسر والإهانة «2» ، ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم يبق له هوى العود إلى ملكه، وقنع من العنيمة بالإياب. فركب وأعد السير إلى أن قارب همذان، وهو يظن أن السلطان بالرى. فلما بقى على مرحلة من همذان، بلغه أن السلطان بها، فسقط فى يده، وتحير لا يعرف طريق الرى. فاستشار أصحابه، فأشار بعضهم بعوده إلى أصفهان، وأشار بعضهم بالمبادرة إلى أذربيجان جريدة، وترك أثقاله. وأشار عليه وزيره ربيب الدين أبو القاسم بن على بالتحصن بقلعة قزوين، وكانت قريبة منه، وهى من أمهات قلاع الأرض، ومشاهير حصونها، فلم يوافقه. واجتمع رأيه أن وجه أثقاله وخزائنه ومعظم حاشيته مع الملك نصرة الدين محمد بن تتشتكين «3»
صوب تبريز، واستصحب من خواصه زهاء مائتى فارس، وأخذ بهم نحو أذربيجان فى المسالك الوعرة والجبال الصعبة. ووجه الوزير ربيب الدين إلى السلطان برسالة، يعتذر إليه، فوقع الأمير دكجك السلحدار على أثقاله ومن معها، فهزمهم وتبعهم إلى ميانج «1» وهى كورة من كور أذربيجان على حافة النهر الأبيض، وأسر الملك نصرة الدين ومعظم من معه، وانتهبت الخزائن والأثقال، ووجد الوزير ربيب الدين فى الطريق فساقه فى جملة الأسرى إلى المخيم، فلم يصدق فى رسالته، واعتقد أنه زورها عند أسره. قال: وبقى فى كل يوم يساق الأتابك سعد ونصرة الدين والوزير ربيب الدين إلى الميدان بهمذان فيهانون والسلطان يلعب بالأكرة إذلالا لهم، ولم يزالوا كذلك إلى أن عاد نصير الدين دولتيار وهو متولى منصب الطغرا «2» للسلطان، وهو من المناصب الجليلة. غير أنه دون كتابة الإنشا فى بيت الخوارزمشاهية وفوقها عند السلاجقة وكان السلطان قد بعثه رسولا إلى الأتابك أزبك، بعد هربه يأمره بإقامة رسمى الخطبة والسكة باسمه فى عامة مملكته، وأن يحمل فى كل سنة إلى الخزانة السلطانية أتاوة معلومة، فجعل بالسكة والخطبة، وخطب للسلطان على منابر أذربيجان وأران، إلى ما يلى دربند شروان وسير إلى السلطان من الهدايا والتحف والألطاف جملة طائلة، وسلم
قلعة قزوين إلى نواب السلطان، واعتذر فى أمر الأتاوة أن الكرج استضعفوا جانبه، واستولوا على أطراف بلاده، وهذه حاله والبلاد بما تثمر من الأموال، فكيف إذا انقسمت، وحمل منها أتاوة؟.
فقبل السلطان عذره فى ذلك، ورضى منه بالسكة والخطبة، وبعث إلى الكرج رسولا من جهته يقول: إن بلاد الأتابك أزبك صارت من جملة بلادنا، وهى كأحد ممالكنا، وحذرهم من الوصول إليها وقصدها، فعاد رسول السلطان من الكرج، ومعه رسولهم مصحوبا بالتقادم. هذا ما كان من أمر أزبك.
وأما الملك نصرة الدين فإنه كان يحضر إلى الميدان فى كل يوم كما ذكرنا. فنظر السلطان إليه فى بعض الأيام فاذا بأذنيه حلقتان كبيرتان مجوفتان فى غلظ السوار، فسأله عن ذلك فقال: إن السلطان ألب أرسلان. السلجقى لما غز الكرج ونصره الله عليهم وأسر أمراءهم من عليهم، وأطلقهم، وأمر أن يشنقوا كل واحد منهم بحلقتين، يكتب عليهما اسسه، فلما تطاولت المدة ووهت قواعد الدولة السلجقية خلع أولئك ربقة الطاعة، ما خلا جدى فإنه أسلم وسلمت بلاده وأعقابه، ببركتى الإسلام والوفاء فرق له السلطان، وأمر بإطلاقه، وخلع عليه، وغير الحلقتين، وكتب عليهما اسمه، وأمر له بتوقيع بما كان تحت يده من البلاد التى ورثها أبا عن جد مثل مدينتى أبهر «1» وفراوى «2» بقلاعهما وأعمالهما وأضاف إليه مدينة
سراة وهى أقرب المدن إليه مما يملكه أزبك، وخلع عليه خلعة ملوكية.
وأما الأتابك سعد الدين زنكى صاحب فارس فإن السلطان أطلقه وتسلم قلعتى اصطخر «1» واسكناباد وسلمها السلطان إلى المؤيد الحاجب، وزوّج الأتابك سعد بامرأة من بيت والدته، وشرط عليه أن يحمل فى كل سنة إلى الخزانة ثلث الخراج من بلاده، وأعاده بالخلع والتشاريف، وكان ولده نصرة الدين أبو بكر لما بلغه أسر والده انتصب مكانه واستمال قلوب الأمراء وبذل الأموال فأطاعوه. فلما أطلق الأتابك سعد، ووصل إلى شيراز- وهى كرسى مملكته- امتنع ولده من تسليم الملك. فبينما نصرة الدين دات يوم فى داره لم يرعه إلا وقد فتح عليه الباب، ودخل حسام الدين تكين باش «2» - وهو أكبر مماليك الأتابك والمقدم فى دولته- والأتابك وراه وبيده سيف مجرد، فضرب به وجه ابنه ضربة أثرت فى وجهه، وححز بينهما اختلاط الفريقين، فأمر الأتابك بالقبض على ابنه، فقبض عليه واعتقله مدة ثم أطلقه وعظم حال حسام الدين عنده ورقاه إلى درجة الملوكية، هذا ما كان من أمره.