الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مسير غازان الى الشام ووقعة مجمع المروج واستيلائه على البلاد الشامية وعوده عنها
وفى سنة تسع وتسعين وستمائة توجه غازان بعساكره وجموعه ومن انضم إليه من الكرج والأرمن وصحبته الأمراء والنواب الذين التحقوا به من الديار المصرية والشام، وسار بهم حتى قطع الفرات وانتهى إلى حلب، وتقدم إلى مجمع المروج بالقرب من حمص.
وجاء السلطان الملك الناصر «1» بعساكره والتقوا فى يوم الأربعاء ثامن وعشرين «2» شهر ربيع الأول من هذه السنة، واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت ميمنة التتار هزيمة قبيحة، وقتل منهم خلق كثير، فاعتزل غازان فى نحو ثلاثين فارسا واعتد للهزيمة. ثم ركب من التتار من لم يشهد الوقعة، وحملوا على ميسرة الملك الناصر، فانهزمت وكانت الكسرة. وعاد الملك الناصر إلى الديار المصرية. وكانت القتلى من جيش غازان أضعاف من قتل من العساكر الإسلامية، والنصر لهم.
ولما عاين غازان من قتل من عساكره ورأى الهزيمة ظنها مكيدة
فتوقف عن اتباع من انهزم. ثم سار إلى حمص وبها الخزائن السلطانية فسلمها إليه والى حمص من غير ممانعة، وأخرج إليه مفاتيح البلد فتسلمها، وأمن أهلها. ورحل منها إلى دمشق ونزل بالغوطة وهى أحد مستنزهات الدنيا الأربعة، وخرج إليه أكابر دمشق بالتقادم والتحف والهدايا. وتعرض من فى عسكره من الأرمن إلى المدارس والمساجد والجامع بجبل الصالحية وخربوه وحرقوه. ورتب الأمير سيف الدين قفجاق لتحصيل الأموال من الدماشقة، فأخذ فى جبايتها فجبى من الأموال ما لا يحصى كثرة. ورسم بمحاصرة القلعة فحوصرت وبها الأمير علم الدين سنجر أرجواش المنصورى فحفظها فلم يتمكن غازان منها ولما اشتد الحصار خشى أرجواش أن يتمكن التتار من القلعة بما حولها من البنيان، فهدمه جميعه، فكان من جملة ما هدم دار السعادة وهى الدار التى يسكنها نواب السلطنة؛ ودار الحديث الأشرفية، والمدرسة العادلية، ودار تعرف بالزين الحافظى، وطواحين باب الفرج، وغير ذلك مما جاور القلعة. وجاء رجل منجنيقى فالتزم لغازان بأخذ القلعة، وقرر أن ينصب المجانيق عليها فى جامع دمشق، فأجمع أرجواش رأيه أنه متى نصبت المجانيق بالجامع رمى عليها بمجانيق القلعة. وكان ذلك يؤدى إلى هدم الجامع، فانتدب رجال من أهل القلعة بعد أن تهيأت أعواد المجانيق ولم يبق إلا رميها وخرجوا بحمية الإيمان، وهجموا الجامع ومعهم المياسير، فأفندوا ما رتبه التتار وهيؤوه من أعواد المجانيق، ثم جددوا غيرها واحترزوا عليها.
فانتدب رجل من أهل القلعة، وبذل نفسه والتزم بقتل المنجنيقى، وخرج إلى الجامع والمنجنيقى بين المغل، فتقدم إليه وضربه بسكين
فقتله، وهجم رجال القلعة فنفرت الناس عن القاتل وحماه أصحابه فجاء إلى القلعة وبطل ما دبروه من عمل المجانيق ونصبها على القلعة.
وكتب غازان إلى سائر نواب القلاع والحصون الشامية والساحلية فى تسليمها فما أجابه أحد إلى تسليم ما بيده، وتربصوا ثقة بالله تعالى ثم بالعساكر الإسلامية أنها لا تتأخر عن دفع غازان. وتقدم بكتابة الفرمانات وابتدأها بقوله بعد البسملة: بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية، وأظهر فيها شعائر الإسلام واتباع السنة. هذا وأفعاله تناقض أفعاله لأنه رضى بما فعله الأرمن من الفساد. ثم رتب الأمير سيف الدين قفجاق قبجق فى النيابة عنه بالشام، ورتب الامير سيف الدين بكتمر السلحدار فى النيابة بالممالك الحلبية والحموية وحمص، ورتب الأمير فارس الدين البكى الساقى فى النيابة بالممالك الطرابلسية والصفدية والفتوحات والسواحل، وجعل الأمير يحيى ابن جلال الدين على جباية الأموال، ومرجع نواب الممالك إليه، وجرد من عسكره عشرين ألف فارس صحبة بولاى «1» وانشقا «2» وججك وهولاجو، فنزلوا الأغوار، وشنوا الغارات، فانتهت غاراتهم إلى القدس وبلد الجبل ونابلس ووصلوا إلى غزة، وقتلوا بجامعها خمسة عشر نفرا.
ورحل غازان عائدا إلى الشرق فى منتصف جمادى الأولى، وترك نائبه قطلوشاه يحاصر قلعة دمشق، فحصرها أياما فلم يتمكن منها،
فجبى له قفجاق من أهل المدينة مالا فأخذه وتوجه إلى غازان. ثم لم يلبث بولاى ومن معه من التتار إلا قليلا، وتوجهوا إلى بعلبك والبقاع فأغاروا عليها ورجعوا إلى الشرق فى ثامن شهر رجب من هذه السنة، لما بلغهم أن السلطان الملك الناصر تجهز بجيوشه لدفعهم.
وأما السلطان الملك الناصر، فإنه لما دخل إلى الديار المصرية شرع فى الاهتمام والاحتفال بالعساكر، وأنفق فيهم الأموال، وعاد إلى الشام فبلعه توجه غازان، فجرد نائبه الأمير سيف الدين سلار واستاذ داره الأمير ركن الدين بيبرس، ثم انحاز إليه الامراء:
سيف الدين قفجاق، وسيف الدين بكتمر، وفارس الدين البكى.
على ما نذكر ذلك فى أخبار الدولة الناصرية.
وفى سنة سبعماية عاد غازان لقصد الشام، وانتهى إلى حلب وتقدم ونزل فيما بينها وبين حماه. ثم خرج السلطان الناصر بعساكره إلى الشام، وأقام بمنزله بدعرش بالقرب من غزة، وجرد من العساكر طائفة. ثم عاد غازان إلى الشرق والملك الناصر إلى مصر من غير قتال.