الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عما سلف، فاخرج من البلاد وامض إلى حبث شئت. فامتنع من ذلك، فأمر خوارزم شاه بالزحف على سمرقند، فلم يكن بأسرع من أن فتح البلد، وأمر أن لا يتطرق إلى الغرباء بسوء، وأذن لأصحابه فى نهب البلد، وقتل أهله، ففعلوا ذلك ثلاثة أيام. فيقال أنهم قتلوا من أهل سمرقند مايتى ألف إنسان، وسلم الدرب الذى فيه الغرباء، فلم يعدم منهم أحد، ثم أمر بالكف عن النهب والقتل.
ثم زحف إلى القلعة فرأى صاحبها ماملأ قلبه هيبة ورعبا، فطلب الأمان فلم يجبه خوارزم شاه إلى ذلك، وزحف على القلعة وملكها، وقتل صاحبها صبرا. وقتل معه جماعة من أقاربه، ولم يترك أحدا ممن ينسب إلى الخانية. ورتب فيها وفى سائر البلاد نوابه ولم يبق لغيره بها حكم.
ذكر الواقعة التى أفنت الخطا
وهذه الواقعة قد اختلف فى إيرادها ابن الأثير الجزرى فى تاريخه المترجم بالكامل، وشهاب الدين محمد المنشى فى التاريخ الجلالى، ونحن الآن نذكر فى هذا الموضع ما نقله ابن الأثير، ونذكر فى أخبار الدولة الجنكزخانية ما نقله المنشى. وإتما نبهنا على ذلك فى هذا الموضع لئلا يقف عليه متأمل فيرى فى النقل الاختلاف فيظن أن ذلك عن سهو أو غلط أو التباس.
فأما ما حكاه ابن الأثير فإنه قال: لما فعل خوارزم شاه بالخطا ما فعل- يعنى من هزيمتهم وأسر مقدمهم طاينكوه- مضى من سلم
منهم إلى ملكهم، فإنه لم يكن قد شهد الحرب، فاجتمعوا عنده.
وكانت طائفة عظيمة من التتار قد خرجوا من بلادهم حدود الصين ونزلوا وراء بلاد تركستان، وكان بينهم وبين الخطا حروب كثيرة وعداوة. فلما بلغهم ما فعله خوارزم شاه بعساكر الخطا قصدوهم مع ملكهم كشليخان «1» فأرسل ملك الخطا إلى خوارزم شاه يقول:«أما ما كان منك من أخذ بلادنا وقتل رجالنا فمعفو عنه، وقد أتانا من هذا العدو مالا قيل لنا به، فإن انتصروا علينا وملكوا البلاد، فلا دافع لهم عنك، والمصلحة أن تسير إلينا بعساكرك وتنصرنا على قتالهم، ونحن نحلف لك أننا إذا ظفرنا بهم لا نتعرض لما بيدك من البلاد، ونقنع بما فى أيدينا.» وأرسل إليه كشليخان يقول: «إن هؤلاء الخطا أعداؤك وأعداؤنا، فساعدنا عليهم، ونحلف لك أننا إذا انتصرنا عليهم لا نقرب بلادك، ونقنع بالمواضع التى ينزلونها، والمراعى التى يرعونها.» فأجاب كل منهما: «إننى معك على خصمك،» وسار بعساكره إلى أن نزل قريبا من الموضع الذى يتصافون «2» ، فيه ولم يخالطهم مخالطة يعلمون بها أنه مع أحد منهم على الآخر، فكانت كل طائفة منهم تظن أنه معها.
والتقى التتار والخطا فانهزم الخطا منهم هزيمة عظيمة، فعند ذلك مال خوارزم شاه على الخطا، وجعل يقتل منهم ويأسر وينهب، فلم يسلم منهم إلا طائفة يسيرة مع ملكهم، فى موضع من نواحى
بلاد الترك، تحيط بها جبال يتعذر الوصول إليها إلا من جهة واحدة، فتحصنوا بها، وانضم إلى خوارزم شاه منهم طائفة. وصاروا فى عسكره فأنفذ خوارزم شاه إلى كشليخان ملك التتار يمت عليه «1» بأنه ساعده، ولولا ذلك ما تمكن من الخطا. فاعترف له بذلك مدة، ثم أرسل إليه يطلب منه المقاسمة على بلاد الخطا. وقال:«كما أن نحن اتفقنا على إبادتهم ينبغى أن نقتسم بلادهم،» فقال: «ليس لك عندى إلا السيف، ولستم بأقوى منه شوكة، ولا أعز ملكا، فإن رضيت بالمسالة وإلا سرت إليك وفعلت بك شرا مما فعلت بهم» وتجهز كشليخان ونزل بالقرب من خوارزم شاه، فعلم خوارزم شاه أنه لا طاقة له به، فكان يراوغه، فإذا سار إلى موضع قصد خوارزم شاه أهله وأثقالهم، فينهبها، وإذا سارت طائفة منهم عن مكانهم سار فأوقع بهم. فأرسل إليه كشليخان يقول:«ليس هذا فعل الملوك وإنما هو فعل اللصوص، فإن كنت سلطانا كما تقول فيجب أن نلتقى، فإما تهزمنى وتملك البلاد التى بيدى، أو أفعل أنا بك ذلك. فكان خوارزم شاه يغالطه فى الجواب، ولا يصمم على حربه، ولكنه أمر أهل الشاش «2» وفرغانة وأسفيجاب «3» وكاشان، وما حول ذلك من المدن التى لم يكن فى الدنيا أنزه منها ولا أحسن عمارة، بالجلاء