الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووصل جنكزخان فلقبه جلال الدين واقتتلوا قتالا شديدا فحمل جلال الدين بنفسه على قلب جنكزخان فمزقه، وانهزم جنكزخان وكادت الدائرة تكون عليهم، لولا أن جنكزخان كان قد كمن كمينا فيه عشرة آلاف فارس فخرجوا على ميمنة جلال الدين- وفيها أمين ملك- فكسروها وطرحوها على القلب، فتبدد نظامه، وتزعزعت عن الثبات أقدامه، وانجلت المعركة عن قتلى مصرعين فى الدماء، وغرقى غاطسين فى الماء، فكان الرجل يأتى إلى الماء يهوى بنفسه فى تياره وهو يعلم أنه غريق لا محالة. وأسر ولد جلال الدين وهو ابن سبع أو ثمانى سنين فقتل بين يدى جنكزخان.
قال: ولما عاد جلال الدين إلى حافة ماء السند كثبرا رأى والدته أم ولده وجماعة من حرمه يصحن بأعلى أصواتهن: بالله عليك اقتلنا وخلصنا من الأسر، فأمر بهن فغرقن. فهذه من عجائب البلايا ونوادر المصايب والرزايا. وأما العساكر الخلجية المفارقة لجلال الدين فاستنزلهم جنكزخان بعد فراغه من جلال الدين من عصم الجبال والحصون، وقتلهم أجمعين.
ذكر حال جلال الدين بعد عبوره ماء السند
قال: ولما وصل جلال الدين إلى حافة ماء السند اقتحم بفرسه ذلك الماء العظيم، فخلص إلى البر، وخلص معه أربعة آلاف رجل من عسكره حفاة عراة، وفيهم ثلثماية فارس كانوا قد تقدموا جلال الدين (ومعهم) من خواصه ثلاثة نفر وهم قلبرس بهادر وقابقح
وسعد الدين على الشربدار «1» ، ورمى بهم الماء إلى جهة بعيدة عن القوم ولم يعلموا ما كان منه، فاتصل بهم فى اليوم الثانى.
قال: وكان فى الزردخانا «2» الجلالية «3» شخص يعرف بجمال الزراد، وقد انتبذ قبل الوقعة بما كان له من المال إلى بعض الجهات، فوصل إذ ذاك بمركب فيه ملبوس ومأكول، فوقع ذلك عند جلال الدين موقعا عظيما وولاه أستاذ داريته «4» ، ولقبه اختيار الدين.
قال: ولما علم زانه شنزه صاحب جبل الجودى بما كان من أر جلال الدين وانهزامه، وأنه فى قلة من أصحابه، ركب فى ألف فارس وخمسة آلاف راجل. فقصد جلال الدين عبور الماء إلى جهة التتار ويختفى بمن يسلم معه فى الغياض ويعيشون «5» بالغارات، لعلمه أن الجنود إن ظفروا به قتلوه وقتلوا من معه. فحين تواتروا على ذلك توجهت الرجالة لهذا القصد، وتأخر عنهم جلال الدين بمن معه من أصحاب الخيل على رسم الترك، فجاء زانه شنزه، ومعه
أعيان أصحابه وخيالته. فلما رأى جلال الدين حمل عليه بمن معه، فلما قاربه رماه جلال الدين بسهم فى صدره فقتله وانهزم عسكره وتحمل جلال الدين فيما غنمه من خيله وعدته، وما أفاء الله عليه من أمواله وأسلحته.
قال: ولما سمع قمر الدين نائب قباجة بدبدبة وساقون، تقرب إلى جلال الدين بهدايا جليلة وألطاف، وفى جملتها الدهلين، فوقع ذلك من جلال الدين موقعا عظيما «1» .
ذكر ما كان بين جلال الدين وقباجة «2» من وفاق وخلاف
قال: ثم بلغ جلال الدين أن بنت أمين ملك سلمت من الغرق إلى أوجاهى من مدن قباجة، فراسله جلال الدين يذكر أنها تمت له بقرابة، وأن نساءه غرقن وطلبها، فتقدم قباجة بتجهيزها إليه وجهز معها هدايا تليق بجلال الدين. فقبل جلال الدين ذلك منه وانتظم بينهما الصلح وأمنت البلاد إلى أن قضت الفرقة وتأكدت أسباب الوحشة وسبب ذلك أن شمس الملك شهاب الدين ألب، كان السلطان علاء الدين قد استوزره لجلال الدين، فرمته الوقعة إلى قباجة،
فأمنه وآواه وأحسن إليه. واعتقد قباجة أن جلال الدين قتل، فاسترسل مع شمس الملك فى أمور كان الحزم يقضى إخفاءها عنه، فلما تحقق سلامة جلال الدين استوحش من شمس الملك وندم على ما كان قد أبداه له، ولما بلغ جلال الدين أن شمس الملك عنده استدعاه، فحمل قباجة التوهم منه على قتله فقتله، لما كان قد أودعه من أسرار خشى إذاعتها. ومن ذلك أن قرن خان بن أمين ملك كانت الوقعة طرحته إلى مدينة كلور «1» من مدن قباجة، فشرهت نفوس عامتها إلى سلبه، فقتل وحمل إلى قباجة من سلبه درة كانت فى أذنه فأخذها، فحقد جلال الدين ذلك عليه وأسره فى نفسه إلى أن اتصل بخدمته جماعة من الأمراء المفارقين لخدمة أخيه غياث الدين بمن معهم من العسكر، فقويت نفسه بهم وقصد مدينة كلور فحاصرها وداوم القتال والزحف بنفسه فأصابته نشابة فى يده، ولم يفتر فى القتال ليلا ولا نهارا حتى ملكها وملك مقاتلتها ثم رحل منها إلى قلعة برنوزج فحاصرها وباشر القتال بنفسه وأصابته هناك نشابة أخرى، فألحق برنوزج بأختها وتأكدت الوحشة بهذه الأسباب بينه وبين قباجة. ولما رأى قباجة أن بلاده تطوى شيئا فشيئا فزع إلى الاحتشاد، فركب فى زهاء عشرة آلاف فارس، وأنجده شمس الدين ايلتتمش «2» ببعض عساكره، فعلم جلال الدين بخبره