الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تجريد منكوقان العساكر الى بلاد الروم وما استولوا عليه منها
وفى سنة أربع وخمسين وستمائة جرد منكوقان جرماغون وبيجو «1» وجماعة من عساكره إلى بلاد الروم؛ وهى يومئذ فى يد السلطان غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ السلجقى. فساروا إليها ونزلوا على أرزن الروم «2» ، وبها يومئذ سنان الدين ياقوت العلائى أحد مماليك السلطان علاء الدين كيقباذ. فحاصروها مدة شهرين ونصبوا عليها اثنى عشر منجنيقا. فهدموا أسوارها، ودخلوها عنوة، وأخذوا سنان الدين ياقوت، وملكوا القلعة فى اليوم الثانى، وقتلوا الجند واستبقوا أرباب الصنائع وذوى المهن، وقتلوا ياقوت؛ وغنموا وسبوا، وعادوا، ومات جرماغون ثم عاد بيجو إلى الروم مرة ثانية فى هذه السنة، فوصل إلى آقشهر زنجان، ونزل بالصحراء التى هناك. فجمع غياث الدين كيخسرو عساكره وسار للقائهم، فانهزم من غير لقاء، كما ذكرناه فى أخباره، وغنم التتار خيامه وخزائنه وأثقاله إلا ما حمله مما خف منها. وفر غياث الدين إلى قونية وتوفى فى هذه السنة.
وعاد بيجو ثم رجع إلى بلاد الروم فى سنة خمس وخمسين وستمائة فدخلها وشن الغارات وسبى، وكان المحرك لعوده أن بيجار الرومى حضر إلى باب السلطان غياث الدين ليحضر السماط، ولم تكن له صورة بعسكر الروم، فمنعه البرددارية «1» وضربه بعضهم بعصاه على رأسه، فسقط طرطوره إلى الأرض فشق ذلك عليه، وقال: أنتم رميتم طرطورى فى هذا الباب، لا بد أن أرمى عوضه رؤوسا كثيرة. وخرج من فوره وتوجه إلى بيجو وحثه على قصد الروم، فقصده وأغار وخرج بعد الإغارة.
ثم عاد إلى الروم فى هذه السنة، وقد استقل عز الدين كيكاوس ابن كيخسرو بالسلطنة. فلما بلغه عود التتار، جهز جيشه وقدم عليهم أميرا من أكابر أمرائه اسمه أرسلان دغمش، فتوجه بعساكر الروم وكان بيجو قد نزل بصحراء قونية. فلما كان بعد توجه أرسلان بأيام شرب كيكاوس مسكرا وتوجه إلى بيت أرسلان دغمش وهو على حالة من السكر ليهجم على حريمه؛ فبلغه ذلك فغضب له وقال: أكون قد بذلت نفسى فى دفع عدوه ويخلفنى فى حريمى بهذا. وأجمع على الخلاف، وأرسل إلى بيجو ووعده أنه يتخاذل عند اللقاء وينحاز إليه.
فلما التقوا، عمل أرسلان إلى سناجق «2» صاحبه فكسرها
وانهزم بالعسكر ثم توجه إلى بيجو فأكرمه وتلقاه وحضر معه إلى قونية. ولما اتصل خبر الكسرة بالسلطان عز الدين فر من قونية إلى العلايا «1» وأغلق أهل قونية أبواب المدينة. فلما كان يوم الجمعة أخذ الخطيب ما يملكه من ماله وحلى نسائه وأحضره معه إلى الجامع، ورقى المنبر وقال:«يا معشر المسلمين، إننا قد ابتلينا بهذا العدو وليس لنا من يعصمنا منه، وقد بذلت مالى، فابذلوا أموالكم واشتروا نفوسكم بنفائسكم، واسمحوا بما عندكم لنجمع من بيننا ما نفدى به نفوسنا وحريمنا وأولادنا» . ثم بكى وأبكى الناس وسمح كل أحد بما أمكنه.
وجهز الخطيب المذكور الإقامات وخرج إلى مخيم بيجو فلم يصادفه، لأنه كان قد توجه إلى الصيد، فقدم ما كان معه إلى الخاتون زوجة بيجو. فقبلته منه وأقبلت عليه وأكل من المأكول فأكلت وقدم المشروب فأخذ منه شيئا على سبيل الشاشنى «2» ، وناوله لصغير. فقالت له: لم لا تشرب أنت منه؟ فقال: هذا محرم علينا. قالت: من حرمه؟ قال: الله حرمه فى كتابه. قالت: فكيف لم يحرمه علينا؟ فقال: أنتم كفار ونحن مسلمون. فقالت له: أنتم خير عند الله أم نحن؟ قال: بل نحن. قالت: فإذا كنتم خيرا
منا عنده، فكيف نصرنا عليكم؟ فقال: هذا الثوب الذى عليك- وكان ثوبا نفيسا يمنيا مرصعا بالدراتب «1» - تعطيه لمن يكون خاصا بك أو بعيدا عنك؟ قالت: بل أخص به من يختص بى.
قال: فإذا أضاعه وفرط فيه ودنسه، ما كنت تصنعين به؟ قالت:
كنت أنكل به وأقتله. فقال لها: دين الإسلام بمثابة هذا الجوهر، والله أكرمنا به فما رعيناه حق رعايته، فغضب علينا وضربنا بسيوفكم واقتص منا بأيديكم. فبكت زوجة بيجو وقالت للخطيب:
من الآن تكون أبى وأكون ابنك. فقال: ما يمكن حتى تسلمى:
فأسلمت على يديه، وأجلسته إلى جانبها على السرير، فحضر بيجو من الصيد، فهم الخطيب أن يقوم له، فمنعته وقالت:«أنت قد صرت حماه «2» وهو يريد يجئ إليك ويخدمك» . فلما دخل بيجو إلى الخيمة قالت له: هذا قد صار أبى. فجلس بيجو دونه وأكرمه وقال لزوجته: أنا عاهدت الله أننى إذا فتحت قونية وهبتها لك. فقالت: وأنا وهبتها لأبى. ثم أمر بفتح قونية، وأمن أهلها ورتب على كل باب شحنة من التتار ورسم أن لا يدخلها من التتار إلا من له حاجة، وأن يكونوا خمسين خمسين، لا يزيدون على ذلك.
فلم يتعرضوا لأهلها بسوء. ثم اتفق بعد هذه الواقعه توجه رسل صاحب الروم إى منكوقان، ومصالحتهم وبذلهم ما بذلوه وقسمه البلد بين ولدى كيخسرو على ما قدمناه فى أخبارهم.