الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فتح الرها وغيرها من بلاد الجزيرة مما هو بيد الفرنج
وفى سادس جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وخمسماية فتح عماد الدين أتابك زنكى مدينة الرها من حصون الفرنج الجزيرية.
وكان ضررهم قد عم بلاد الجزيرة، ووصلت غاراتهم إلى أدانيها وأقاصيها، وبلغت آمد ونصيبين ورأس عين والرقة وكانت مملكة الفرنج بهذه الديار من قريب ماردين إلى الفرات مثل الرها وسروج والبيرة وسن بن عطير «1» وحملين والموزر والقرادى وغير ذلك.
وكانت هذه الأعمال وغيرها مما هو غرب الفرات لجوسلين «2» الفرنجى، وكان صاحب رأى الفرنج والمقدم على عساكرهم، لما فيه من الشجاعة والمكر وكان عماد الدين يعلم أنه متى قصد حصرها اجتمع من الفرنج بها من يمنعها ويتعذر عليه ملكها لما هى عليه من الحصانه، فاشتغل بديار بكر ليوهم الفرنج أنه غير متفرغ إلى قصد بلادهم. فاطمأنوا وفارق جوسلين الرها وعبر الفرات إلى بلاده الغربية. فبلغ أتابك زنكى ذلك فنادى فى العسكر بالرحيل إلى الرها وجمع الأمراء عنده وقدم الطعام وقال:«لا يأكل معى على مائدتى هذه إلا من يطعن معى غدا فى باب الرها.» فلم يتقدم غير أمير واحد وصبى لا يعرف، لما يعلمو من إقدام زنكى وشجاعته، وأن أحدا لا يقدر على مساواته فى الحرب. فقال الأمير لذلك الصبى:
«ما أنت فى هذا المقام» فقال أتابك زنكى: «دعه فو الله إنى أرى وجهه لا يتخلف عنى.»
وسار والعسكر معه فوصل إلى الرها، فكان عماد الدين أول من حمل على الفرنج والصبى معه، وحمل فارس من الفرنج على زنكى عرضا فاعترضه ذلك الأمير فطعنه فقتله، وسلم زنكى.
ونازل البلد وقاتل عليه ثمانية وعشرين يوما وملكه عنوة، وملك القلعة، ونهب الناس الأموال، وقتلوا الرجال، وسبوا الذرية والنساء.
فلما رأى عماد الدين البلد أعجبه ورأى أن تخريب مثله لا يجوز فى السياسة، فنودى بالعسكر برد ما أخذوه من الرجال والنساء والأطفال إلى بيوتهم، ورد ما غنموه من أثاثهم وأمتعتهم، فردوا ذلك وعاد البلد إلى حالته الأولى، وجعل فيه عسكرا يحفظه وتسلم مدينة سروج وسائر الأماكن التى كانت بيد الفرنج شرقى الفرات ما عدا البيرة لحصانتها.
وحكى ابن الأثير رحمه الله فى تاريخه الكامل قال: حكى لى بعض العلماء بالأنساب والتواريخ، قال: كان صاحب صقلية قد أرسل سرية إلى طرابلس الغرب وتلك الأعمال فنهبوا وقتلوا. وكان عند صاحب صقلية رجل مسلم كان يكرمه ويحترمه، ويرجع إلى قوله، ويقدمه على من عنده من القسوس والرهبان، حتى كان أهل ولايته يقولون إنه مسلم بهذا السبب. ففى بعض الأيام كان جالسا فى منظرة يشرف على البحر، وإذا بموكب لطيف قد أقبل وأخبر من فيه أن عسكره دخلوا بلاد الإسلام وظفروا وغنموا وقتلوا. وكان المسلم