الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر استيلائه على بغداد وقتله الخليفة المستعصم بالله
وفى سنة ست وخمسين وستماية سار هولاكو بعساكر التتار إلى مدينة بغداد ونازلها. وكان قد أرسل إلى بيجو «1» يستدعيه من بلاد الروم، فكره بيجو اللحاق به. وما أمكنه مفاجأته بذلك؛ فاعتذر إليه أن جمعا كثيرا من القرى تليه والأكراد والياروقية قد تجمعوا فى الطرقات، ومقدمهم شرف الدين بن بلاش، وأنهم أخذوا عليه وعلى من معه المضيق، ولا سبيل لهم إلى الخروج من حدود ديار بكر. وقصد بيجو بذلك المدافعة. فجهز هولاكو تمانين من التوامين «2» التى معه، مقدم أحدهما قدغان ومقدم الآخر كتبغا «3» نوين لفتح الطريق. وفى أثناء ذلك أوقع. «4» بالأكراد والقراتلية وقعة عظيمة وجعل منهم أهل أرزنجان وتحصنوا بجبل يسمى أرن سور. فلما وصل التتار إلى أرزنجان تسلموها وحاصروا
كماج، وهزموا الأكراد وقتلوا منهم وسبوا، وأقام قدغان وكتبغا حتى وصل إليهما بيجو.
وأخبرنى الأتمر البدرى رحمه الله وهو من ذرية بيجو كما زعم، وكان له معرفة بأخبارهم، أن منكوقان لما جهز بيجو لفتح الروم، أوصاه أنه لا يتعرض إلى بغداد، وأنه لما جهز هولاكو أوصاه أن لا يخالف بيجو وأنه لا يصل إلى بغداد، وكتب معه إلى بيجو بذلك.
فغير هولاكو الكتب وجعل معناه أن بيجو لا يخالف أمر هولاكو، وكانت كراهية منكوقان لفتح بغداد أنهم رأوا فيما عندهم أنها إذا فتحت لا تطول مدة القان.
ثم توجه بيجو ومن عنده إلى هولاكو ونزلوا بالجانب الغربى من بغداد، ونزل هولاكو بالجانب الشرقى منها. وحاصروها واشتد الحصار، فخرج إليهم عسكر الخليفة صحبة مجاهد الدين أيبك الدوادار الكبير «1» - وكان مقدما على عشرة آلاف فارس- فالتقن مع التتار وهزمهم. فولوا عامة ذلك النهار، وقتل كثيرا منهم إلى أن حجز بينهم الليل، واستبشر المسلمون بالنصر. فلما أصبحوا تراجع التتار إليهم، فانكسر الدوادار ومن معه. وكان أكثر أصحابه لما أيقنوا بالظفر دخلوا بغداد فى تلك الليلة، فلما انهزم مجاهد الدين
بمن بقى معه قصد التحصن ببغداد، فحال بينه وبينها- للقضاء المقدر- شق انبثق من دجلة، وساحت منه مياه عظيمة، فصار الماء أمامه والتتار وراءه، فأدركوه هو ومن معه، وأخذهم السيف، ومرق جماعة منهم. وقتل مجاهد الدين أيبك وولده أسد الدين- وكان مقدم خمسة آلاف فارس-، «وسليمان شاه ترجم «1» » .
أمير علم الخليفة، وجماعة من الأمراء، وأسروا خلقا. وحملت رؤوس هؤلاء الثلاثة إلى الموصل، وحملت على باب المدينة ترهيبا لأهلها.
ورمى أهل بغداد بالداهية الكبرى والمصيبة العظمى، وارتاع الخليفة وأغلقت أبواب المدينة، وأحاط بها التتار وضايقوها وفتحوها عنوة، ودخلوها فى العشرين من المحرم سنة ست وخمسين وستماية؛ ووضعوا السيف فيها سبعة أيام، لم يرفعوه عن شيخ كبير ولا طفل صغير. وجىء بالخليفة إلى هولاكو فأمر أن يجعل فى جولق ويداس بأرجل الخيل، ففعل به ذلك حتى مات، كما ذكرناه فى أخبار الدولة العباسية. ومن عادة التتار أنهم لا يسفكون دماء الملوك والأكابر غالبا.
وسبى التتار من بالقصر، وأخذوا ذخائر الخلافة، واستدعى هولاكو الوزير ابن العلقمى، وكان قد كاتبه وحثه على قصد بغداد وأضعف جيوش الإسلام. فلما مثل بين يدى هولاكو سبه