الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفريقان برأس الجبل، فولت الكرج، وقتل منهم زهاء أربعة آلاف، ووقف السلطان على التل، والكرج تساق إليه، وتبع المسلمون من انهزم من الكرج. قال المنشى: حكى شمس الدين القمى، وكان من حجاب الأتابك أزبك- قال:«أرسلنى صاحبى إلى الكرج أيام استيلائهم، فخاشننى شلوة فى الكلام، حتى قال وددت أن يكون على- يعنى ابن أبى طالب (رضى الله عنه «1» - باقيا فى زمانى، لأريه من سطوتى ما ينسى يومى بدر وحنين» فلما كان فى هذه الوقعة نزل إلى الأرض ولطخ وجهه بالدم، ونام بين القتلى. فحدث ابن داية غياث الدين وهو صبى به، فأخرجه وأحضره إلى السلطان مكتوفا فأمنه. قال: ووجه السلطان ملك الخواص تاج الدين قليج إلى تبريز بجماعة من أمرائهم الأسرى ورؤوس القتلى. وساق من المعركة إلى مدينة دوين فزحف عليها وافتتحها فى الوقت.
ذكر عوده من دوين الى تبريز وتركه الميمنة ببلاد الكرج
قال: لما حصل للسلطان ما ذكرناه من النصر والظفر والفتوح، بث غيارته إلى أخريات بلاد أبخاز وفى نفسه قصد تفليس، فورد عليه كتاب من شرف الملك بتبريز يذكر فيه أن شمس الدين الطغرائى وابن أخيه الرئيس نظام الدين قد تآمرا «2» على الفتك به والعصيان
على السلطان، وكان ذلك إفكا وزورا وكذبا، افتراه من كان يلوذ بشرف الملك من نوابه وخواصه. وذلك أن الطغرائى كان دينا، منصفا، حسن السيرة، ذابا عن الرعية، لا يمكن من الحيف عليهم، تارة بالشفاعة، وطورا بالتوبيخ والتشنيع؛ ونواب شرف الملك يكرهون ذلك. فلما وقف على الكتاب عزم على العود إلى تبريز، وأحضر أمراء الميمنة بباب سرادقه، وخرج إليهم بعض الحجاب، وقال: السلطان يقول لكم: «إنا قد تحققنا تقصيركم فى المصاف، واتفاقكم على أن تولوا وجوهكم إن حمل الكرج عليكم، وحيث وهب الله لنا النصر والظفر، فقد عفونا عنكم ما تحققناه، على أن تقيموا ببلادها فتقلبوها بغاراتكم ظهرا لبطن إلى أن تعود إليكم» .
فضمنوا له ذلك، وأقاموا ثلاثة أشهر يشنون عليها الغارات إلى أن أخلوها قتلا وسبيا، ورخصت المماليك الكرجية، حتى أن المملوك منها يباع بدينارين أو ثلاثة.
قال: ورجع السلطان إلى تبريز، وكان رجوعه فى شهر رجب سنة اثنتين وعشرين وستماية، وأحضر شرف الملك إلى بين يديه من الأوباش من شهد على الطغرائى وابن أخيه بما كان أنهاه عنهما.
فأمر بالقبض عليهما. فأما الرئيس فقتل فى الوقت وترك بالشارع طريحا، وأما الطغرائى فحبس وصودر على ما ينيف على ماية ألف دينار كان الذى وصل منها إلى الخزانة السلطانية دون الثلاثين ألفا، ثم حمل من تبريز إلى مراغة محتاطا عليه. هذا وشرف الملك يعمل الحيلة
على قتله حتى أخذ خاتم السلطان بذلك، وأراد الله تعالى إبقاءه «1» فضن «2» النائب بمراغة بقتله، فأعانه بالخيل وهربا جميعا وسارا إلى أربل ومنها إلى بغداد. وحج فى سنة خمس وعشرين فلما ازدحم الناس حول الكعبة وقف تحت الميزاب وعلى رأسه مصحف، والحاج من الأقاليم وقوفا، والذى كان يتولى ركب السلطان فيهم، وقال:
«أيها الناس، قد أجمع المسلمون كافة أن ليس لله فى أرضه مقام «3» أشرف من هذا المقام، ولا يوم «4» أجل من هذا اليوم، ولا كتاب «5» أعظم من هذا الكتاب، وأنا حالف بهذه الثلاثة أن الذى نسبنى إليه شرف الملك ما كان إلا إفكا مفترى» . وغلظ بما تغلظ به أيمان البيعة فى البراءة، وتفرق الناس إلى بلادهم وتحدث بذلك كل طائفة.
وتواترت به الأخبار على السلطان، فعلم عند ذلك براءته، وندم على فعله، وأمنه وأعاده إلى تبريز، ورد عليه أملاكه هذا ما كان من أمره.
قال: وأقام السلطان بتبريز، فصام بها شهر رمضان، وأمر بمنبر فوضع بدار السلطنة، ونص على ثلاثين من علماء الأطراف وفضلائها، وقد حضروا لحاجاتهم، فوعظ كل واحد منهم يوما والسلطان لجانب المنبر، فشكر منهم من وعظ وقال حقا، وذم من بالغ فى الإطراء.