الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما وقع بين السلطان علاء الدين خوارزم شاه وأمه وأخواله من الاختلاف بحيلة تمت بجنكزخان عليهم وما فعلته والدته من القتل ومفارقة خوارزم وما آل اليه أمرها
كان سبب ذلك أن جنكزخان لما ملك أترار، أحضر نايب الوزارة بها، وهو بدر الدين العميد، واتفق معه على أن زور كتبا على لسان الأمراء أقارب والدة السلطان إلى جنكزخان، يبذلون له الدخول فى طاعته، ويقولون:«إنا تسحبنا من بلاد الترك بعشائرنا ومن يلوذ بنا إلى السلطان، رغبة فى خدمة والدته، فما نصرناه على كافة ملوك الأرض، وذلت له الجبابرة وخضعت له الرقاب فها هو الآن تغيرت نيته فى حق والدته، عتوا منه وعقوقا، وهى تأمرنا بخذلانه، فنحن على انتظار وصولك واتباع أمرك.» وكان هذا تدبير نايب الوزارة المذكور «1» . وسلم جنكزخان الكتب إلى بعض خواصه، وأمره أن يتوجه بها إلى السلطان، ويظهر له أنه قد هرب من صاحبه إليه، ففعل ذلك. فلما وصل إلى السلطان ووقف على الكتب لم يشك فى صحة ذلك، ونفر من هؤلاء «2» الأمراء، ونأى عنهم وبدد شملهم.
فلما فعل ذلك بأقارب والدته تركان خاتون غضبت لذلك، وكتب جنكزخان إليها على يد دانشمند الحاجب- وهو من خواصه- وهى إذ ذاك بخوارزم، يقول:«قد عرفت مقابلة ابنك حقوقك بالعقوق، وقد قصدته بمواطأة من أمرائه، ولست بمعترض إلى ما تحت يدك من البلاد، وأسلم لك خوارزم وخراسان وما يتاخمهما من قاطع جيحون. فكان جوابها عن هذه الرسالة أن خرجت عن خوارزم، واستصحبت ما أمكنها من حرم السلطان وصغار أولاده ونفايس خزائنه، وأمرت بقتل من كان بخوارزم من الملوك المعتقلين وأبناء الملوك وأكابر الصدور، فقتلت زهاء اثنين وعشرين «1» نفسا منهم إبنا السلطان غياث الدين الغورى وابن طغرل السلجقى وعماد الدين صاحب بلخ وابنه بهرام شاه صاحب ترمذ وعلاء الدين صاحب باميان، وجمال الدين عمر صاحب وخش وابنا «2» صاحب سقتاق من بلاد الترك، وبرهان الدين محمد وصدر جهان وأخوه «3» افتخار جهان وابناه ملك الإسلام وعزيز الإسلام واستصحبت معها عمرخان صاحب يازر «4» فصحبها إلى بلاده، وخدمها أتم خدمة، حتى إذا قاربت تخوم يازر خافت أن يفارقها، فأمرت بضرب عنقه فقتل صبرا.
وسارت بمن معها إلى قلعة ايلال من قلاع مازندران، فأقامت بها
وذلك فى سنة خمس عشرة وستماية؛ وأمرت بتحصين القلعة، فحصنت؛ ثم حوصرت أربعة أشهر فكان من الاتفاق العجيب أن القلعة نفذ ماؤها، وكانت العادة أن تلك القلعة دائمة الأنواء، فقدر الله عز وجل أن صحت السماء فى زمن الحصار حتى نفذ الماء، فألجأها ذلك إلى طلب الأمان، فأجيبت إليه، ونزلت من القلعة ومعها الوزير محمد بن صالح. وذكر أنها لما نزلت من القلعة فاضت الصهاريج فى هذا اليوم، حتى نزل السيل من باب القلعة وحملت تركان خاتون أسيرة إلى جنكزخان. قيل أنه انتهى حالها إلى أن كانت تحضر سماط جنكزخان وتحمل منه فى كل وقت ما يقوتها مدة بعد أن حكمت فى أكثر البلاد على ما نذكره.
وأما صغار أولاد ابنها الذين كانوا معها فقتلوا عن آخرهم إلا أصغرهم فإنه ترك عند جدته مدة ثم قتل بعد ذلك خنقا. هذا ما كان من الذكور. وأما الإناث فزوجوا بالمرتدة إلا سلطان خان «1» - التى كانت امرأة صاحب سمرقند- أخذها دوشى خان واصطفاها لنفسه هذا ما كان من أمرها وأمر من معها بعد وفاة ابنها، فلنذكر شيئا من أخبارها وما كان لها من الحكم فى دولة ابنها..
كانت تركان خاتون والدة السلطان علاء الدين خوارزم شاه محمد من قبيلة بياووت «2» وهى فرع من فروع يمك، وهى بنت
خان جنكش، ملك من ملوك الترك وتزوج بها السلطان تكش.
ولما انتقل الملك إلى ابنها أتته قبائل يمك ومن يجاورها من الترك فكثر بهم، واستظهر بمكانهم وتحكمت هى بهذا السبب فى الممالك، فلم يملك السلطان إقليما إلا وأفرد لخاصتها منه ناحية جليلة. ولقبت عند ارتفاع شأنها بخداوند جهان، معناه صاحبة العالم. وكانت [ذات]«1» مهابة ورأى. وإذا رفعت الظلامات إليها حكمت فيها على قانون العدل والإنصاف، غير أنها كانت [جسورا]«2» على سفك الدماء، وكان لها خيرات وسبلات فى البلاد قال المنشى: وكان لها من كتاب الإنشاء سبعة من مشاهير الفضلاء وسادات الأكابر وإذا ورد عنها وعن السلطان توقيعان مختلفان فى قضية واحدة لم ينظر إلا فى التاريخ فيعمل بالآخر منهما فى سائر الأقاليم. وكان طغرا تواقيعها عصمة الدنيا والدين ألغ تركان ملكة نساء العالمين، وعلامتها اعتصمت بالله وحده، وكانت تكتبها بقلم غليظ، وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن يزور عنها، فلنرجع إلى أخبار السلطان.