الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإلا فاغتنم السلامة والمسالمة حال رغبتهم فيها.» فتشاغل عنها بخلاط ولم يعد عليها جوابا يقتضى الصلح.
ومنها ورود سعد الدين الحاجب رسولا من الديوان العزيز إلى السلطان يلتمس أشياء، منها أنه يستصحب معه رسولا من أجلاء أصحاب السلطان وخواص حضرته ليعود بالخلع؛ ومنها أن السلطان لا يحكم على بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ومظفر الدين كوكبرى صاحب أربل وشهاب الدين سليمان شاه ملك الأبويه وعماد الدين بهلوان بن هزار سف ملك الجبال، بل يعدهم فى جملة أولياء الديوان وأتباعه وخدمه وأشياعه.
ومن جملتها أن السلطان علاء الدين لما رجع من جبال همذان ولم يتم له ما نواه من قصد بغداد، أسقط خطبة الخليفة بعامة ممالكه، واستمر الحال على ذلك. فلما خاطبه رسول الديوان فى ذلك أصدر تواقيعه إلى عامة بلاده بالخطبة لأمير المؤمنين المستنصر بالله أبى جعفر.
ذكر مسير رسول السلطان الى الديوان العزيز واجتماعه بالخليفة وما اتفق له وعوده بالخلع والتشاريف
قال شهاب الدين محمد المنشى وهو كاتب السلطان جلال الدين:
لما انقضت أشغال رسول الخليفة سعد الدين بن الحاجب أعاده السلطان وأصحبه الحاجب الخاص بدر الدين طولق. وكتب السلطان إلى أمير المؤمنين يسأله أن يحضر بين يدى المواقف الشريفة،
تميزا له على سائر الملوك بمزيد الإكرام، فأجيب إلى ذلك. قال المنشى: حدثنى الحاجب الخاص قال: كان السلطان أمرنى أنى إذا حضرت إلى الديوان لا أقبل يد الوزير بدر الدين القمى «1» ، ولا أوفيه حق التعظيم لأمور كان ينقمها عليه، ففعلت ذلك امتثالا لما أمر. فلما مضت أيام فإذا بحراقة فى بعض العشيات وصلت إلى منزلى بحافة دجلة، ودخل على سعد الدين الحاجب، وقال:
استعد لخدمة أمير المؤمنين. فركبت الحراقة وركبها سعد الدين معى، فتكلم الملاح بكلمات غريبة لم أفهمها؛ فقفز سعد الدين من الحراقة إلى أخرى بجنبها وتركنى منفردا فيها، فسألته عن ذلك، فقال: ما كنت أعرف أن تلك من المراكب الخاصة، وقد سيروها لك تشريفا، فقمت وخدمته وشكرت ودعوت، وسقنا إلى أن وصلنا إلى باب كبير، فدخلت وتأخر سعد الدين ولم يتغير من هناك. فقلت:«لم لا تدخل؟» فقال: «وما منا إلا له مقام معلوم، ليس لى أن أتعدى هذا المقام» . وكان خلف الباب خادم، فأوصلنى إلى باب آخر وطرق الباب، ففتح فدخلت وإذا بخادم شيخ جالس على دكة وبين يديه مصحف وشمعة، فأجلسنى ورحب بى إلى أن جاء خادم آخر أبيض حسن الصورة فصافحنى ولاطفنى بالعجمى وأخذ بيدى وأوصانى بتعظيم المواقف الشريفة، وحسن الأدب وتقبيل الأرض حيث يشير إلى. فذكر ما اتفق له إلى أن انتهى إلى
الستر والوزير قائم فأمر بالوقوف بالقرب من الوزير، ثم قال له أمير المؤمنين: كيف الجناب العالى الشاهنشاهى- وهكذا كان يخاطب فى الكتب- ثم وعده بمواعيد جميلة فى حق السلطان، وأنه يقدمه على سائر ملوك زمانه، وخلع عليه وأعيد؛ وأصحب بالأمير فلك الدين ابن سنقر الطويل وسعد الدين بن الحاجب، ومعهما خلعة للسلطنة؛ فوصلوا إلى خلاط فى فصل الشتاء، والسلطان يحاصرها.
قال: وكان الذى استصحبوه من الأنعام والخلع خلعتين للسلطان إحداهما حبة وعمامة وسيف هندى مرصع النجاد والثانية قباء وكمة وفرجية «1» وسيف قلاجورى محلى بالذهب معرقه الحياصة بالدنانير، وقلادة مرصعة يمنية، وفرسان بالساحات والسرفسارات والطوق أثقل ما يكون وأبهى، وثمان تطبيقات طبقت حوافرها عند التسليم وزن كل تطبيقة منها مائة دينار، وترس ذهب مرصع بنفائس الجواهر، وثلاثون فرسا من الخيل العربية مجللة بالأطلس الرومى مبطنة الجلال بالأطلس البغدادى وعلى رأس كل جنيب مقود من الحرير وقد ضرب عليه ستون دينارا خليفتية؛ وثلاثون أو عشرون مملوكا بالعدة والمركوب، وعشرة فهود بجلال الأطلس وقلائد الذهب، وعشرة صقور مكللة الكمام بصغار الحب، ومائة وخمسون بقجة فى كل واحدة عشرة ثياب وخمسة أكر من العنبر الأشهب مضلعة بالذهب، وشجرة عود طولها خمسة أذرع أو ستة تحمل بين يدى رجلين، وأربع عشرة خلعة برسم الخانات كلها بالخيل والساجات
والكرفسارات والطوق وحوائص الذهب والكنابيش؛ وثلاثمائة خلعة برسم الأمراء، كل خلعة قباء وكمة فحسب. وكانت خلعة شرف الملك الوزير عمامة سوداء وقباء وفرجية وسيفا «1» هنديا «2» وأكرتين «3» من العنبر وخمسين «4» ثوبا وبغلة. وعشرون خلعة برسم أصحاب الديوان كل خلعة منها جبة وعمامة. قال المنشى:
وخصصت من سائر أرباب الديوان ببغلة شهباء جيدة وعشرين «5» ثوبا أكثرها أطلس رومى وبغدادى.
قال: فلبس السلطان الخلع خلعة بعد أخرى فى نهار واحد ولبس الناس بعده. ثم خاطب رسولا الخليفة السلطان فى الشفاعة فى أمر خلاط وترك الحصار فلم يرد عليهما جواب شفاعتهما. ثم بعث إليهما بعد عودهما إلى منازلهما معاتبا، وقال: قد بلغتمانى عن أمير المؤمنين أنه يريد إعلاء أمرى وتعظيم شأنى وتحكيمى على ملوك الزمان ثم تشيران على بإزالة الحصار بعد أن آن الفتح؟ وهذا ينافى ما ذكرتما، فاعتذرا، وقالا:«إنما قلنا ذلك شفقة، وخشينا أن يطول الحصار، ولا تتمكن منها فترجع عنها، فيكون ذلك بوساطتنا أسلم من مطاعن المستعجزين» فقبل عذرهما، واستمر الحصار. وكان أهل خلاط قد كفوا عن الشتم فى أيام حضور رسل الخلافة فلما تحققوا أنهم ما شفعوا عادوا إلى عادتهم فى السب