الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرادت أن تولى ولدها تدان منكوا السلطنة بالبلاد الشمالية بعد وفاة صرطق، وكان لها بسطة وتحكم، فلم يوافقها الخانات أولاد باطوخان عمومة ابنها، وأمراء التمانات على ذلك. فلما رأت ذلك من اقناعهم راسلت هولاكو بن تلى خان وأرسلت إليه نشابة بغير ريش، وقباءا بغير بنود؛ وأرسلت إليه تقول له:«قد تفرع الكاشن من النشاب وخلا القرنان من القوس، فتحضر لتتسلم الملك» ثم سارت فى إثر الرسول، وقصدت اللحاق بهولاكو أو إحضاره إلى بلاد الشمال. فلما بلغ القوم ما دبرته أرسلوا فى إثرها وأعادوها، على كره منها وقتلوها.
هذا ما انتهى علمه إلينا من أخبار هؤلاء الملوك الثلاثة، ولم نطلع على ما كان لكل منهم من الأخبار والحروب والوقائع والفتوحات فنذكره، وإنما أوردنا ما أوردناه وما نورده مما تلقفناه من أفواه الرجال.
ذكر ملك بركة بن باطوخان بن دوشى خان ابن جنكزخان وهو الرابع من ملوك هذه المملكة الشمالية
كان جلوسه على تخت المملكة الشمالية فى سنة اثنتين وخمسين وستمائة بعد وفاة عمه صرتق، وأسلم بركة هذا وحسن إسلامه، وأقام منار الدين، وأشهر شعائر الإسلام وأكرم الفقهاء وأدناهم منه، وقربهم لديه ووصلهم. وابتنى المساجد والمدارس بنواحى مملكته، وهو أول من دخل فى دين الإسلام من عقب جنكزخان.
لم ينقل إلينا أن أحدا منهم أسلم قبله «1» . ولما أسلم أسلم أكثر قومه وأسلمت زوجته ججك خاتون، واتخذت لها مسجدا من الخيام تسافر به.
وفى سنة ثلاث وخمسين وستمائة كانت الحرب بين بركة وهولاكو «2» ملك خراسان والعراقين وما مع ذلك. وذلك أن هولاكو لما انتهت إليه رسالة براق شين زوجة طغان كما ذكرناه، أطمعه ذلك فى ملك هذه المملكة ليضمها إلى ما بيده من الممالك.
فتجهز وسار بجيوشه إليها، فكان وصوله بعد قتل براق شين وجلوس بركة على سرير الملك وانتظام الأمر له.
ولما اتصل ببركة خبر هولاكو وقربه من البلاد سار بجيوشه للقائه وكان بينهما نهر يسمى نهر ترك وقد جمد ماؤه لشدة البرد، فعبر عليه هولاكو بعساكره إلى بلاد بركة. فلما التقوا واقتتلوا كانت الهزيمة على هولاكو. فلما وصل إلى ذلك النهر تكردس أصحابه عليه. فانخسف بهم، ففرق منهم خلق كثير «3» ، ورجع هولاكو بمن بقى معه من أصحابه إلى بلاده. ونشأت الحرب بينهم من هذه
السنة، وكان فيمن شهد هذه الوقعة مع بركة ابن عمه نوغيه «1» ابن ططر بن مغل بن جنكزخان فأصابته طعنة رمح فى عينه فغارت.
ولنوغيه هذا أخبار نذكرها بعد إن شاء الله تعالى.
وراسل بركة هذا السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى ملك الديار المصرية والممالك الشامية فى سنة إحدى وستين وستمائة يخبره بما من الله تعالى به عليه من الإسلام فأجابه السلطان يهنيه بهذه النعمة، وجهز له هدايا جليلة، من جملتها ختمة شريفة ذكر أنها من المصاحف العثمانية، وسجادات للصلاة وأكسية لواتية، وعدة من النطوع المصرطقة والأديم وسيوف قلاجورية مسقطة، ودبابيس مذهبة، وخوذ وطوارق، وفوانيس وشمعدانات، ومشاعل جفناوات وقواعد برسمها مكفتة، وسروج خوارزمية؛ ولجم؛ كل ذلك بسقط الذهب والفضة، وقسى حلق وقسى بنيدق وحروج وأسنة ونشاب بصناديقه وقدور برام، وقناديل مذهبة، وخدام سود، وجوارى طباخات، وخيول عربية سبق، وهجن نوبية، وحمير فرة، ونسانيس وبغانغ وغير ذلك. «2» وأعاد السلطان الملك الظاهر رسله فى شهر رمضان من السنة المذكورة، وكتب إليه يغريه بهولاكو ويحضه على حربه.
وفى سنة ثلاث وستين وستمائة كانت الحرب بين عساكر بركة وعساكر أبغا بن هولاكو، وذلك أن هولاكو لما توفى فى هذه السنة وجلس ابنه أبغا بعده، جهز جيشا لقتال بركة، فلما بلغه الخبر جهز جيشا وقدم عليه ييسوا نوغا «1» بن ططر بن مغل، فصار فى المقدمة ثم أردفه بمقدم آخر اسمه بستاى فى خمسين ألف فارس، فسبق نوغا بمن معه وتقدم إلى عسكر أبغا وبستاى على إثره.
فلما أشرفت عساكر أبغا على بستاى وهو مقبل فى سواده العظيم تكردسوا وتجمعوا للهزيمة، فظن بستاى أنهم أحاطوا بنوغا ومن معه فانهزم راجعا من غير لقاء. وأما نوغا فإنه تبع عساكر أبغا وواقعهم وهزمهم، وقتل منهم جماعة وعاد إلى بركة؛ فعظم قدره عنده وارتفع محله، وقدمه على عدة تمانات. وعظم ذنب بستاى عند بركة.
ودامت أيام بركة هذا بهذه المملكة إلى أن توفى فى سنة خمس وستين وستمائة وهو على دين الإسلام، رحمه الله تعالى ولم يكن لبركة ولد يرث الملك من بعده فاستقر الملك من بعده لابن أخيه منكوتمر «2» .