الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ولما رتب هذه القواعد وقرر هذا النظام عزم على قصد بغداد وسير أمامه من العساكر ما غصت به البيداء فضاقت برحبها، وسار وراءهم إلى أن علا عقبة سراباد. وكان قد قسم نواحى بغداد وهو بهمذان أقطاعا وعملا، وكتب بها توقيعات، فسقط عليه بالعقبة ثلج عظيم، فأهلك خلقا كثيرا من الجيش وتلفت الأثقال، فرجع السلطان منها، وتطير من قصد بغداد، وكان ذلك فى سنة أربع عشرة وستماية. قال: ولما رجع السلطان إلى نيسابور أتاه الخبر بوفاة مؤيد الملك قوام الدين والى كرمان ونايبه بها، فملّك السلطان ولده غياث الدين بيرشاه كرمان وكيش ومكران فسار إليها واستقام أمره بها.
ذكر عود السلطان إلى بلاد ما وراء النهر ووصول رسل التتار إليه وما اتفق من الحوادث
قال: ثم عاد السلطان عند منصرفه من العراق إلى ما وراء النهر ووصل إلى سمرقند، فوافته بعد ذلك رسل جنكزخان ملك التتار وهم محمود الخوارزمى وعلى خواجه البخارى ويوسف بن كنكا الأترارى «1» مصحوبين بمجلوبات الترك من نقر المعادن ونصب الختو ونوافج المسك وأحجار اليشب والثياب التى تسمى طرقوا وتتخذ من وبر الجمال البيض يباع الثوب منها بخمسين دينارا
وأكثر. وكانت الرسالة تشتمل على طلب المسالمة والموادعة، وقالوا له: إن الخان الكبير يسلم عليك ويقول: ليس يخفى علىّ عظم شأنك وسعة سلطانك، ولقد علمت بسطة ملكك ونفاذ حكمك فى أكثر أقاليم الأرض، وأنا أرى مسالمتك من جملة الواجب، وأنت عندى مثل أعز أولادى وغير خاف عنك أيضا أننى ملكت الصين وما يليها من بلاد الترك وقد أذعنت لى قبايلهم وأنت أخبر الناس أن بلادى مثارات العساكر ومعادن الفضة وأن فيها لغنية عن طلب غيرها فإن رأيت أن تفتح للتجار فى الجهتين سبيل التردد، عمت المنافع وشملت الفوائد.
قال المنشى: فلما سمع السلطان الرسالة صرف الرسل، ثم استدعى محمود الخوارزمى ليلا بمفرده، وقال له: أنت رجل خوارزمى، ولا بد لك من موالاة فينا وسبيل إلينا، ووعده بالإحسان إن صدقه فيما يسأله عنه، وأعطاه جوهرة نفيسة من معضدته علامة للوفاء بما وعده، وشرط عليه أن يكون عينا له على جنكزخان. فأجابه إلى ذلك رغبة أو رهبة ثم قال:«أصدقنى فيما يقول جنكزخان أنه ملك الصين واستولى على مدينة طوغاج «1» أصادق فيما يقول أم كاذب؟» قال: «بل صادق ومثل هذا الأمر لا يخفى» .
ثم قال له: «أنت تعرف ممالكى وبسطتها وعساكرى وكثرتها، فمن هذا اللعين حتى يخاطبنى بالولد «2» ؟ وما مقدار ما معه من
العساكر؟» فلما شاهد محمود الخوارزمى آثار الغيظ على وجه السلطان أعرض عن النصح، وقال: ليس عسكره بالنسبة إلى عسكرك إلا كفارس فى خيل، أو دخان جنح ليل.
ثم أجاب السلطان إلى المهادنة واستقر الحال على المسالمة إلى أن وصل من بلاد التثار تجار إلى أترار وهم عمر خواجه الأترارى، والجمال المراغى «1» ، وفخر الدين البخارى «2» وأمين الدين الهروى وكان ينال خان «3» ابن خال السلطان ينوب عن السلطان بأترار فشرهت نفسه فى أموال أولئك التجار «4» ، فكاتب السلطان يقول:
[إن]«5» هؤلاء القوم قد جاءوا إلى أترار فى زى التجار وليسوا بتجار، وإنما هم أصحاب أخبار، وإنهم إذا خلوا بأحد من العوام يهددونه، ويقولون إنكم لفى غفلة عما وراءكم، وسيأتيكم ما لا قبل لكم به فأذن له السلطان فى الاحتياط عليهم إلى أن يرى فيهم رأيه، فقبض ينال خان عليهم، وانقطع خبرهم، وأخذ ما كان معهم من الأموال والأمتعة ثم وردت رسل جنكزخان بن كفرج بغرا كان أبوه من