الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مقتل سعد الدين كمشتكين وحصر الفرنج حارم
وفى سنة ثلاث وسبعين وخمسماية قبض الملك الصالح على سعد الدين، وهو المتولى على أمر دولته، والحاكم فيها. وسبب ذلك أن أبا صالح بن العجمى كان من أكابر حلب، وكان مقدما عند نور الدين، وتقدم عند ولده وأطاعه الناس، وكثرت أتباعه، فوثبت عليه بعض الباطنية بالجامع فقتله، فنسب ذلك لسعد الدين فوشوا به عند الملك الصالح، فقبض عليه. وكانت حارم اقطاعه، فامتنع من بها من تسليمها فسيره الملك الصالح تحت الاستظهار ليأمر أصحابه بتسليمها؛ فأمرهم فلم يرجعوا إلى قوله، وعذب وهم ينظرون إليه إلى أن مات تحت العقوبة. فبلغ الفرنج ذلك، فنازلوا قلعة حارم ونصبوا عليها المجانيق، فصالحهم الملك الصالح على مال ففارقوها، وتسلمها بعد حصار ثان، ورتب فيها من المماليك النورية من يحفظها.
ذكر وفاة الملك الصالح اسماعيل
كانت وفاته لخمس بقين من رجب سنة سبع وسبعين وخمسماية. وابتدأت علته فى تاسع الشهر، وكان مرضه القولنج ومات وله من العمر تسع عشرة سنة. وقيل فى سبب وفاته إن علم الدين سليمان بن جندر «1» سقاه فى عنقود عنب وهو فى الصيد؛
وقيل بل سقاه ياقوت الأسدى فى شراب، فعظم موته على سائر الناس، وحزنوا لفقده حزنا شديدا.
قال ابن الاثير: ولما اشتد مرضه وصف له الأطباء شرب الخمر للتداوى، فاستفتى الفقيه علاء الدين الكاشانى وأفتاه بجواز شربها، فقال:«إن كان الله قد قرب أجلى أيؤخره شرب الخمر» فقال: لا والله فقال: «والله لا لقيت الله تعالى وقد استعملت ما حرمه على» ومات رحمه الله ولم يشربها.
ولما أيس من نفسه أحضر الأمراء والأجناد فى الثالث والعشرين من شهر رجب وأوصاهم بتسليم البلد لابن عمه عز الدين مسعود صاحب الموصل، واستحلفهم على ذلك. فقال بعض أصحابه إن عز الدين ملك الموصل وله ما يكفيه، ولو أوصيت بها لابن عمك عماد الدين زنكى فإنه تربية والدك، وزوج أختك، وليس له غير سنجار. فقال: «إن هذا لم يغب عنى، ولكن قد علمتم أن صلاح الدين قد يمكن وتغلب على عامة البلاد الشامية، ومتى كانت حلب لعماد الدين عجز عن حفظها وعز الدين يحفظها، وإن ملكها صلاح الدين لم يبق لأهلنا معه مقام فاستحسن الناس ذلك منه، وعجبوا من جودة رأيه مع صغر سنه، وأن مرضه لم يشغله عن حسن اختياره. ثم مات رحمه الله.
وكان عفيف اليد والفرج واللسان، لا يعرف له شىء مما يتعاطاه الملوك والشباب، حسن السيرة، عادلا فى رعيته. وبوفاته انقرض عقب نور الدين المذكور.