الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام ولم يصرح العذاب، ومع هذا (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وعيد شديد، ويدل على أن المنذر واثق بأن العاقبة الحسنة له لا لهم، يعني: إني عالم بذلك اليوم وأنتم غداً ستعلمونه. اهـ
قوله: (ومثل ذلك التزيين)
.
قال الطَّيبي: يعني المشار إليه بقوله: ذلك ما يعلم من قوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ
…
) الآية. اهـ
قوله: (وقرأ ابن عامر (زُيِّنَ) على البناء للمفعول الذي هو القتل، ونصب الأولاد، وجر الشركاء بإضافة القتل إليه مفصولاً بينهما بمفعوله، وهو ضعيف في العربية معدود من ضرورات الشعر).
تبع في ذلك الزمخشري، وقد أطبق الناس على الإنكار عليه في ذلك.
قال ابن المنير: نبرأ إلى الله تعالى ونبرئ حملة كتابه وحفظة كلامه عما رماهم به، فقد ركب عمياء، وتخيل القراءة اجتهاداً أو اختياراً لا نقلاً وإسناداً، وزعم أن مستنده ما وجده مكتوباً في بعض المصاحف شركائهم بالياء وجعل قراءته سمجة، ونحن نعلم أنَّ هذه القراءة قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل كما أنزلها عليه، وبلغت إلينا بالتواتر عنه، فالوجوه السبعة متواترة عن أفصح من نطق بالضاد جملةً وتفصيلاً، ولا مبالاة بقول الزمخشري وأمثاله، ولولا عذر أنَّ المُنكِر ليس من أهل علمي القراءة والأصول لخيف عليه الخروج من ربقة الإسلام بذلك، ثم مع ذلك هو في عهدة خطرة وزلة منكرة، والذي ظن أنَّ تفاصيل الوجوه السبعة فيها ما ليس متواتراً غالط، ولكنه أقل غلطاً من هذا، فإن هذا جعلها موكلة إلى الآراء، ولم يقل بذلك أحد من المسلمين، ظناً منه اطراد الأقيسة النحوية الذي يحرم برد من خالفها، ثم يبحث معه فإنَّ إضافة المصدر إلى معموله مقدر بالفعل وهذا عمل، وهو وإن كانت إضافته محضة مشبهة بما إضافته غير محضة حتى قال بعض النحاة: هي غير محضة، والحاصل أنَّ اتصاله بالمضاف إليه ليس كاتصال غيره، وجاء الفصل في غيره بالظرف فتميز المصدر على غيره بجوازه في غير الظرف، ويؤيده
أيضاً أنَّ المصدر يضاف تارة إلى الفاعل وتارة إلى المفعول، وقد التزم بعضهم اختصاص جواز الفصل بالمفعول بينه وبين الفاعل لوقوعه في غير مرتبته، كما جاز تقديم المضمر على الظاهر في غير رتبته، وأنشد أبو عبيد:
وحلق الماذي والقوانس
…
فداسهم دوس الحصاد الدائس
وأنشد:
يفركن حب السنبل الكنافج
…
بالقاع فرك القطن المحالج
ففصل بين الفاعل والمفعول، ويقوي عدم توغله في الإضافة جواز العطف على موضع مخفوضه نصباً وجراً، فهذه شواهد من العربية يجمع شملها هذه القراءة، وليس القصد تصحيح القراءة بالعربية بل تصحيح العربية بالقراءة. اهـ
قال الكواشي: كلام الزمخشري يشعر أن ابن عامر قد ارتكب محظوراً، وأن قراءته قد بلغت من الرداءة مبلغاً لم ييلغه شيء من جائز كلام العرب وأشعارهم، وأنه غير ثقة لأنه يأخذ القراءة من المصحف لا من المشايخ ومع ذلك أسندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جاهل بالعربية، وليس الطعن في ابن عامر طعناً فيه وإنما هو طعن في علماء الأمصار حيث جعلوه أحد القراء السبعة المرضية، وفي الفقهاء حيث لم ينكروا عليهم إجماعهم على قراءته، وأنهم يقرءونها في محاريبهم، والله أكرم من أن يجمعهم على الخطأ. اهـ
وقال أبو حيان: أعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة موجود نظيرها في كلام العرب في غير ما بيت، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقاً وغرباً، وقد اعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم. اهـ
وقال الشيخ سعد الدين: هذا عذر أشَد من الجرم حيث طعن في إسناد القراء السبعة
وروايتهم وزعم أنَّهم إنما يقرءون من عند أنفسهم، وهذه عادته يطعن في تواتر القراءات السبع وينسب الخطأ تارة إليهم كما في هذا الموضع، وتارة إلى الرواة عنهم، وكلاهما خطأ لأن القراءات متواترة، وكذا الروايات عنهم وهى ما يستشهد بها لها، وقد وقع الفصل فيها بغير الظرف ينبغي أن يحكم بالجواز كما قالوا في قوله:
تمر على ما تستمر وقد شفت
…
غلائلَ عبدُ القيس منها صدورِها
فعبد القيس فاعل شفت وقع فصلاً بين المضاف وهو غلائل والمضاف إليه وهو صدورها.
وقوله:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
…
نفي الدراهم تنقاد الصياريف
فالدراهم بالنصب فصل بين نفي وتنقاد، أو يحمل على حذف المضاف إليه من الأول وإضمار المضاف من الثاني على ما ذهب إليه صاحب المفتاح، لأن تخطئة الثقات والفصحاء أبعد من ذلك، أو يعتذر لمثله بما ذكر صاحب الانتصاف من أن إضافة المصدر إلى معموله وإن كانت محضة لكنها تشبه غير المحضة، واتصاله بالمضاف إليه ليس كاتصال غيره وقد جاز في الغير الفصل بالظرف فيتميز هو عن الغير بجواز الفصل بغير الظرف. اهـ
قال الطَّيبي: ذهب هنا إلى أن مثل هذا التركيب ممتنع، وخطأ إمام أئمة المسلمين، وضعفه في قوله (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)، فبين كلاميه تخالف.
وقال مكى: لم أر أحداً تحمل قراءته إلا على الصحة والسلامة، وقراءته أصل يستدل به لا له.
وقال الإمام: وكثيراً أرى النحوين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن فإذا استشهد في تقريره ببيت مجهول فرحوا به، وأنا شديد التعجب منهم لأنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقه دليلاً على صحته فلأن يجعلوا ورود القرآن به دليلاً على صحته كان أولى.
وقال السكاكي: لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف، ونحو قوله: بين ذراعي وجبهة الأسدِ محمول على حذف المضاف إليه من الأول، ونحو قراءة من قرأ (قتلَ أولادَهم شركائِهم) و (مخلفَ وعدَه رسله) لإسنادها إلى الثقات، وكثير نظائرها من الأشعار -ومن أرادها فعليه بخصائص ابن جني- محمولةٌ عندي على حذف المضاف إليه من الأول وإضمار المضاف في الثاني على قراءة من قرأ (والله يريد الآخرةِ) بالجر أي عرض الآخرة، وما ذكرت وإن كان فيه نوع بُعد فتخطئة الثقات والفصحاء أبعد. اهـ
وقال ابن مالك في كافيته:
وظرف أو شبيهه قد يَفْصِلُ
…
جزأيْ إضافةٍ وقد يُستعمَل
فصلانِ في اضطرار بعض الشعرا
…
وفي اختيار قد أضافوا المصدرا
لفاعلٍ من بعد مفعول حجز
…
كقول بعضِ القائلين للرجز
يفرك حب السنبل الكنافج
…
بالقاع فرك القطن المحالج
وعمدتي قراءة ابن عامر
…
وكم لها من عاضد وناصر
وقال في الشرح: إضافة المصدر إلى الفاعل مفصولاً بينهما بمفعول المصدر جائزة في الاختيار إذ لا محذور فيها مع أن الفاعل كجزء من عامله فلا يضر فصله لأن رتبته منبهة عليه، والمفعول بخلاف ذلك، فعلم بهذا أن قراءة ابن عامر غير منافية لقياس العربية، على أنَّها لو كانت منافية له لوجب قبولها لصحة نقلها، كما قبلت أشياء تنافي القياس بالنقل، وإن لم تساو صحتها صحة القراءة المذكورة ولا قاربتها، كقولهم: استحوذ، وقياسه استحاذ، وكقولهم: بنات ألببه، وقياسه ألبه، وكقولهم: هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ، وقياسه خربٌ، وكقولهم: لدن غدوةً، بالنصب، وقياسه الجر، وأمثال ذلك كثير. اهـ
قوله: (فَزَجَجْتُهَا متمكناً
…
زَجَّ القلوصِ أَبِي مُزَادَه).
قال الطَّيبي: أورده في المفصل بلفظ فزججتها بمزجة، الزج: الطعن، والمزجة: بكسر الميم الرمح القصير كالمزراق، والقلوص: الشابة من النوق، وأبو مزادة: كنية رجل.
ونقل صاحب الإقليد عن الزمخشري أن وجهه أن يجر القلوص على الإضافة، ويقدر