الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشيخ سعد الدين: إنما كان الرفع أبلغ لما في النصب من إيهام التقييد بالظروف السابقة أعني (إِذْ أَخْرَجَهُ) و (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) و (إِذْ يَقُولُ)، لكن لا يخفى أن هذا ورد على قوله (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ) فالأَولى التعليل بأن جعل (وَكَلِمَةُ اللهِ) في حيز الجعل، والتصيير غير مناسب بل هو دائم ثابت، ولا كذلك تسفيل كلمة الذين كفروا فإنه عبارة عن جعل دعوتهم إلى الكفر مضمحلة مقهورة منكوسة فيما بين الناس، وأما التعليل بأن قولنا جعل الله كلمة الله هى العليا؛ بمنزلة: أعتق زيد غلام زيد؛ فمدفوع بأن في إضافة الكلمة إلى صريح اسم الله زيادة إعلاء لمكانها وتنويهاً بشأنها. اهـ
قوله: ((لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ)
ساد مسد جوابى القسم والشرط).
قال أبو حيان: ليس هذا بجيد بل للنحويين في هذا مذهبان أحدهما: أن (لَخَرَجْنَا) هو جواب القسم وجواب (لَو) محذوف على قاعدة اجتماع القسم والشرط إذا تقدم القسم على الشرط، وهو اختيار ابن عصفور، والآخر: أنَّ (لَخَرَجْنَا) هو جواب (لَو)، وجواب القسم هو (لَو) وجوابها، وهذا اختيار ابن مالك، وأما أنه سد مسدهما فلا أعلم أحداً ذهب إليه.
قال: ويحتمل أن يتأول كلامه على أنه لما حذف جواب (لَو) ودل عليه جواب القسم جعل كأنه سد مسدهما. اهـ
قوله: (وهو بدل من (سيحلفون)).
قال أبو حيان: هذا بعيد لأنَّ الإهلاك ليس مرادفاً للحلف ولا هو نوع منه، ولا يجوز أن يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفاً له أو نوعاً منه. اهـ
وقال الحلبي: يصح على أنه بدل اشتمال، وذلك لأنَّ الحلف سبب للإهلاك فهو مشتمل عليه فأبدل المسبب من سببه لاشتماله عليه، وله نظائر كثيرة منها قوله:
إن عليَّ الله أن تبايعا
…
تؤخذَ كرهاً أو تجيء طائعا
فـ (تؤخذ) بدل من (تبايعا) بدل اشتمال بالمعنى المذكور، وليس أحدهما نوع من الآخر. اهـ
قلت: وهذا معنى قول المصنف: لأن الحلف الكاذب إيقاع للنفس في الهلاك.
قوله: (كناية عن خطئه في الإذن لهم فإن العفو من روادفه)
.
تبع في هذه العبارة السيئة الزمخشري، وقد قال صاحب الانتصاف: هو بين أمرين: أن لا يكون هذا المعنى مراداً فقد أخطأ، أو يكون مراداً لكن كنى الله تعالى عنه إجلالاً ورفعاً لقدره، أفلا يتأدب بأدب الله تعالى لا سيما في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم. اهـ
وقال الطَّيبي: أخطأ الزمخشري في هذه العبارة خطأً فاحشاً، ولا أدري كيف ذهب عنه -وهو العَلَمُ في استخراج لطائف المعاني- أنَّ في أمثال هذه الإشارات وفي تقديم العفو إشعار بتعظيم المخاطب وتوقير حرمته. اهـ
وقال السجاوندي: (عَفَا اللهُ عَنْكَ) تعليم بعظمته صلوات الله وسلامه عليه، ولولا تصدير العفو في المقال لما قام بصولة الخطاب، وربما يستعمل في ما لم يسبق به ذنب ولا يتصور كما يقول لمن يعظمه: عفا الله عنك ما صنعت في أمري، ورضي الله عنك ما جوابك عن كلامي، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له. اهـ
وقال الشيخ سعد الدين: ما كان ينبغي له أن يعبر بهذه العبارة الشنيعة بعدما راعى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتقديم العفو وذكر الإذن المنبيء عن علو المرتبة وقوة التصرف وإيراد الكلام في صورة الاستفهام وإن كان القصد إلى الإنكار على أن قولهم: عفا الله عنك؛ قد يقال عند ترك الأولى والأفضل بل وفي مقام التعظيم والتبجيل مثل: عفا الله عنك ما صنعت في أمري. اهـ
وقال القاضي عياض في الشفا: قال مكي: هذا افتتاح كلام بمنزلة: أصلحك الله وأعزك الله. اهـ
وقد ألف في هذا الموضع رداً على الزمخشري الصدر حسن بن محمد بن صالح النابلسي الحنبلي كتاباً سماه جنة الناظر وجُنة المناظر في الانتصاف لأبي القاسم الطاهر صلى الله عليه وسلم، وبهذه النكتة وأمثالها اشمأز أهل الدين والورع من النظر في الكشاف
ونهوا عن مطالعته وإقرائه.
وألف الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي كتاباً سماه (سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف) قال فيه: وبعد فإن كتاب الزمخشري كنت قرأت منه شيئاً على الشيخ علم الدين عبد الكريم بن علي المشهور بالعراقي في سنة اثنين وسبعمائة وكنت أحضر قراءته عند قاضي القضاة شمس الدين السروجي وكان له عناية ومعرفة ثم لم أزل أسمع دروس الكشاف وأبحث فيه ولي فيه غرام لما اشتمل عليه من الفوائد والفضائل التي لم يسبق إليها، والنكت البديعة والدقائق التي تقر العيون عليها، وأتجنب ما فيه من الاعتزال، وأتخرج الكدر وأشرب الصفو الزلال، وفيه ما لا يعجبني مثل كلامه في قوله تعالى (عَفَا اللهُ عَنْكَ)، وطلب مني مرة بعض أهل المدينة بنسخة من الكشاف فأشرت عليه بأن لا يفعل حياءً من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل إليه كتاب فيه ذلك الكلام، ثم صار هذا الكتاب يقرأ عليَّ وأنا أبقر عن فوائده حتى وصلت إلى تفسير سورة التحريم وقد تكلم في الزلة فحصل لي بذلك الكلام غص، ثم وصلت إلى كلامه في سورة التكوير في قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) إلى آخر الآية، والناس اختلفوا في هذا الرسول الكريم من هو، فقال الأكثرون: جبريل، وقال بعضهم: هو محمد صلى الله عليه وسلم، فاقتصر الزمخشري على القول الأول ثم قال: وناهيك بهذا دليلاً على جلالة مكان جبريل وفضله على الملائكة ومباينة منزلته لمنزلة أفضل الإنس محمد صلى الله عليه وسلم إذا وازنت
بين الذكرين حين قرن بينهما وقايست بين قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21). وبين قوله تعالى (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ). فطرحت الكشاف من يدي، وأخرجته من خلدي، ونويت أن لا أقربه ولا أنظر فيه إن شاء الله تعالى، وذلك لأني أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأجله بحسب ما رزقني الله تعالى من محبته وإجلاله، وأمتنعت من هذه الموازنة والمقايسة التي قالها الزمخشري، وهب أن الملائكة أفضل البشر كما تقوله المعتزلة أما كان هذا الرجل يستحي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر هذه المقايسة بينه وبين جبريل (1) بل بهذه
(1) قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)
ورد في القرآن الكريم مرتين الأولى في سورة الحاقة والثانية في سورة التكوير
والمشهور عند سادتنا المفسرين أن آية الحاقة يراد منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وآية التكوير يراد بها سيدنا جبريل عليه السلام
والآيتان سُبقتا بالقسم ففي الحاقة {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)}
وتأمل في سورة التكوير أقسم الله تعالى بالكواكب وبالليل والنهار، وفي الحاقة أقسم ربُّ العالمين بكل شيء {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39)} الليل والنهار، الدنيا والآخرة، الملك والملكوت، الخلق والخالق، ماذا بعدد يقال بعد ذلك.؟!!
ولم يقسم ربُّنا عز وجل بعُمْرِ أحدٍ من خلقه إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم قال تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)} .
والموضوع به كلام طويل لكن أختمه بلطيفة ذكرها الإمام ابن القيم.
قال عليه سحائب الرحمة والرضوان ما نصه:
فائدة: هل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم أفضل أم الكعبة؟
قال ابن عقيل: "سألني سائل أيما أفضل حُجْرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم الكعبة فقلت: إن أردتَ مجرد الحجرة فالكعبة أفضل وإن أردتَ وهو صلى الله عليه وسلم فيها فلا والله ولا العرش وحملته ولا جنة عدْنٍ ولا الأفلاك الدائرة لأنَّ بالْحُجْرة جسداً لو وُزن بالكونَين لرجح. اهـ (بدائع الفوائد. 3/ 135 - 136).
(مصحح النسخة الإلكترونية).