الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النووي في شرح المهذب: احتج أصحابنا بأشياء كثيرة لا يظهر الاحتجاج بها، وأقربها أن الله تعالى أمر بغسل اليدين إلى المرافق في الوضوء وقال في آخر الآية (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فظاهره أن المراد الموصوفة أولاً بقوله (إِلَى الْمَرَافِقِ)؛ وهذا المطلق محمول على ذلك المقيد لا سيما وهي آية واحدة، وقد أجمع المسلمون على أن الوجه يستوعب في التيمم كالوضوء فكذلك اليدان.
قال الشافعي والبيهقي: أخذنا بحديث مسح الذراعين لأنه موافق لظاهر القرآن والقياس، وأحوط. اهـ
قوله: (فكذلك يسر الأمر عليكم ورخص لكم).
قال الطَّيبي: يريد أنَّ قوله (إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) كالتعليل لقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى
…
) إلى آخره والعفو والغفران يستدعيان سبق جرم؛ وليس في ذكر الأعذار ما يشم منه رائحة؛ فلا يصح إجراؤه على ظاهره؛ فوجب أن يكون ذكرهما كناية عن الترخيص والتيسير، ويؤيده مجيء قوله (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) في مثل هذه الآية في المائدة. اهـ
قوله: (بيان للذين أوتوا -إلى قوله- وما بينهما اعتراض).
قال أبو حيان: إذا كان الفارسي قد منع الاعتراض بجملتين فما ظنك بثلاث. اهـ
قال الحلبي: وفيه نظر؛ فإن الجمل هنا متعاطفة والعطف يصير الشيئين شيئاً واحداً. اهـ
قوله: (أو بيان لـ (أَعْدَائِكُمْ))
.
قال الطَّيبي: بيان أنَّ قوله تعالى (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) بعد قوله (الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) المشتمل على الفريقين اليهود والنصارى مشعر بتهديد عظيم ووعيد شديد لبعض منهم على سبيل الإبهام فبين بقوله (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) ذلك البعض المبهم، والآية تنظر إلى معنى قوله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى)، وعلل العداوة على سبيل الاستئناف بقوله (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) كأنَّ سائلاً سأل: لم تفردت اليهود بعداوة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل: لأنهم حرفوا اسمه ووصفه من التوراة وكتموا الحق وأخذوا على ذلك الرشى وأظهروا على سبيل ذلك المشتبه بقولهم (رَاعِنَا) إخفاءً لأمره وحطًّا
لمنزلته، ولما كان الكلام فيه نوع تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعد على نصرته وقهرٌ لأعدائه كان قوله (وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا) اعتراضاً مؤكداً له، وفي تكرير الاعتراض دلالة على الانتقام الشديد والتسلية العامة. اهـ
قوله: (أو صلة لـ (نصيرا)).
قال الشيخ سعد الدين: يقال نصرته على عدوه ونصرته منه لما فيه من معنى الغلبة والاستيلاء عليه والإنجاء منه. اهـ
وقال الطَّيبي: يجوز أن يكون مضمناً معنى انتقم. اهـ
قوله: (جمع كلمة).
قال الشيخِ سعد الدين: أراد بالجمع ما هو على حد تمر وركب بما يطلق عليه لفظ الجمع نظراً إلى المعنى وإلى أنَّ له لفظاً يطلق على الواحد مثل كلمة وتمرة وراكب وإن لم يكن هو صيغة جمع بدليل رجوع الضمير إليه مفرد أو وصفه بالمفرد مثل الكلم الطيب، وحيث ينفي عنه الجمع يراد إنه ليس مجموعاً على حد رجال وأفراس. اهـ
وأقول: لو كانت المسألة متفقاً عليها بين النحويين أنَّ الكلم ليس بجمع اتجه له هذا التأويل، ولكن الخلاف فيها شديد؛ فإن طائفة من النحويين ذهبوا إلى أنه جمع ورجحه مع حكاية الخلاف عن طائفة من المتأخرين، فما المانع أن يكون صاحب الكشاف قد يجنح إلى هذا؛ وتبعه المصنف على اختياره.
قوله: (تخفيف كلمة).
قال الشيخ سعد الدين: يعني بنقل كسرة اللام إلى الكاف. اهـ
قوله: (وإنما قالوه نفاقاً).
قال في الكشاف: هو قول ذو وجهين. اهـ
قال الطَّيبي: وهو المسمى في البديع بالتوجيه؛ وهو إيراد كلام محتمل لوجهين مختلفين بالذم والمدح. اهـ
قوله: (ولو ثبث قولهم هذا).
قال أبو حيان: سبك من أنَّهم قالوا مصدراً مرتفعاً يثبت على الفاعلية وهو قول المبرد، وهو مذهب مرجوح في علم النحو، وسيبويه يرى أنَّ (أن) بعد (لو) مع ما عملت فيه يقدر باسم مبتدأ، وهل الخبر محذوف أو لا يحتاج إلى تقدير خبر لجريان المسند والمسند إليه في صلة (أن)؟ قولان أصحهما الثاني. اهـ
قوله: (ويجوز أن يراد بالقلة العدم كقوله: قليل التشكي للمهم يصيبه
…
).
قال أبو حيان: ما ذكره من أنَّ القليل يراد به العدم صحيح في نفسه؛ لكن هذا التركيب الاستثنائي من تراكيبه؛ فإذا قلت: لا أقوم إلا قليلاً؛ لم يوضع هذا لانتفاء القيام ألبتَّة، بل هذا يدل على انتفاء القيام منك إلا قليلاً فيوجد منك، وإذا قلت: قلما يقوم أحد إلا زيد، وقلَّ رجل يقول ذلك احتمل أن يراد به التقليل المقابل للكثير، واحتمل أن يراد به النفي المحض وكأنك قلت: ما يقوم أحد إلا زيد، وما رجل يقول ذلك، أما أن تنفي ثم توجب ويصير الإيجاب بعد النفي يدل على النفي فلا؛ إذ تكون (إلا) وما بعدها على هذا التقدير جيء بها لغواً لا فائدة فيه؛ إذ الانتفاء فهم من قولك: لا أقوم، فأي فائدة في استثناء مثبت يراد به الانتفاء المفهوم من الجملة السابقة، وأيضاً فإنه يؤدي إلى أن يكون ما بعد (إلا) موافقاً لما قبلها في المعنى؛ وباب الاستثناء لا يكون فيه ما بعد (إلا) موافقاً لما قبلها. اهـ
والبيت المستشهد به قيل لأبي كثير الهذلي ولم أجده في شعره، وقيل لتأبط شراً وتمامه:
كثير الهدى يثني الهوى والمسالك.
قال الطَّيبي: أي هو كثير الهم مختلف الوجوه والطرق، لا يقف أهله على فن واحد بل يتجاوز إلى فنون مختلفة، صبور على النوائب لا يكاد يتشكى منها، فاستعمل لفظ
القليل وقصد به إلى نفي الكل. اهـ
قوله: (أو إلا قليلاً منهم آمنوا).
قال الطَّيبي: فعلى الأول (إِلاّ قَلِيلاً) مستثنى من مصدر (يؤمِنُونَ)، وعلى هذا (من) فاعله. اهـ
قوله: (أو (للذين) على طريقة الالتفات).
قال الطَّيبي: أراد الانتقال من الخطاب المستفاد من النداء في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) إلى الغيبة في قوله (أَوْ نَلْعَنَهُمْ). اهـ
قوله: (ارتكب ما يستحقر دونه الآثام -إلى قوله- والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل).
قال الطَّيبي: لا يعلم من كلام القاضي أنه مشترك أو مجاز وحقيقة، والظاهر من قول الكشاف: أي ارتكبه، أنه استعارة تبعية، شبه ما لا يصح كونه من الفعل بما لا يصح ثبوته من القول، ثم استعمل في الفعل ما كان مستعملاً في القول من الافتراء. اهـ
قوله: (وقيل ناس من اليهود جاءوا بأطفالهم
…
) إلى آخره.
ذكره الثعلبي عن الكلبي.
قوله: (وفي معناهم من زكى نفسه وأثنى عليها).
قال في الكشاف: إلا إذا كان لغرض صحيح في الدين وطابق الواقع. اهـ
قوله: (وأصل التزكية: نفى ما يستقبح فعلا أو قولاً).
قال الراغب: التزكية: إما بالفعل وهو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهير بدنه؛ وذلك يصح أن ينسب إلى العبد كقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)، أو إلى من يأمره بفعله كقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، وإما بالقول وذلك الإخبار عنه بذلك ومدحه ومحظور على الإنسان أن يفعل ذلك بنفسه، فالتزكية في الحقيقة هي الإخبار عما ينطوي عليه الإنسان ولا يعرف ذلك إلا الله؛ ولهذا قال (بَلِ