الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النساء
(قوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب يعم بني آدم هـ.
ثم قال: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) عطف على خلقكم أي: خلقكم من شخص واحد وخلق منه أمكم حواء من ضلع من أضلاعه أو محذوف تقديره: من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها).
أقول: الذي ذكره صاحب الكشاف أنه إذا كان الخطاب في (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) عاماً فالعطف على محذوف، وإن كان خاصاً بالذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعطف على (خَلَقَكُمْ).
وقال ابن المنير: إنما قدر المحذوف حيث كان الخطاب عاماً لئلا يكون قوله (وَبَثَّ مِنْهُمَا) تكرار لقوله (خَلَقَكُمْ) وهو معطوف عليه لا يصلح أن يكون بياناً له وإنما هو معطوف على المقدر فذاك المقدر واقع صفة مبينة والمعطوف عليه داخل في حكم البيان فلا يلزم التكرار في الوجه الثاني لخصوص الخطاب. اهـ
وتابع ابن المنير على هذا التقدير جماعة منهم السفاقسي.
وقال صاحب التقريب: إنما التزم الإضمار في الأول والتخصيص في الثاني دفعاً للتكرار.
قال: ويحتمل أن يعطف على (خَلَقَكُمْ) من غير تخصيص (الناس)، ولا تكرار إذ لا يفهم من خلق بني آدم من نفس واحدة خلق زوجها منها. اهـ
وكأنَّ المصنف لحظ ما لحظه صاحب التقريب من هذا الاحتمال فاقتصر على العموم في (الناس) وجعل العطف على (خَلَقَكُمْ) المذكور على خلاف ما ذكره صاحب الكشاف وزاد فبدأ به، كأنه لمح ما لمحه أبو حيان والحلبي حيث قالا: إن تقدير محذوف تكلف، ثم لم يخل الكتاب من ذكره آخراً متمماً للفائدة بذكر كل ما قيل في التخريج.
قال الشيخ سعد الدين: قوله (يعم بني آدم) يريد الذكور والإناث لا الأبناء خاصة،
لكنه مبهم يحتمل أن يراد المجموع أو من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ
قوله (وترتيب الأمر بالتقوى على هذه القصة
…
) إلى آخره.
جواب سؤال تقديره: أنَّ الأصل في ترتيب الحكم على الوصف أن يكون ذلك الوصف مما له صلاحية العلية، وهنا خلقهم من نفس واحدة كيف يصح أن يكون علة لقوله (اتقوا)؟
وحاصل الجواب: أنه دال على القدرة والنعمة وكل من الأمرين موجب للتقوى وداع إليها، والمراد تقوى خاصة فيما يتعلق بحفظ حقوق ذوي الأرحام فقط، وعلى هذا لا يرد السؤال لأنَّ المذكور موجب للحكم بلا تأويل. قاله الطَّيبي.
قوله: (بطرحها).
أي التاء الثانية.
قال الشيخ سعد الدين: لأنَّ الثقل عندها يحصل، ولأن الأولى حرف مضارعة. اهـ
قوله: (وقرأ حمزة بالجر عطفاً على الضمير المجرور وهو ضعيف لأنه كبعض الكلمة).
ذكر ابن عطية مثله فقال: المضمر المخفوض لا ينفصل فهو كحرف من الكلمة، ولا يعطف على حرف، ويرد هذه القراءة عندي وجهان:
أحدهما: أنَّ ذكر الأرحام فيما يتسأل به لا معنى له في الحض على تقوى الله تعالى، ولا فائدة فيها أكثر من الإخبار بأن الأرحام يتسأل بها، وهذا تفرق في معنى الكلام وغض من فصاحته، وإنما الفصاحة في أن يكون في ذكر الأرحام فائدة مستقلة.
والوجه الثاني: أنَّ في ذكرها على ذلك تقريراً للتساؤل بها والقسم بحرمتها، والحديث الصحيح يرد ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. اهـ
وقال أبو حيان: ما ذهب إليه البصريون واتبعهم فيه الزمخشري وابن عطية من امتناع العطف على الضمير المجرور غير صحيح، بل الصحيح مذهب الكوفيين في ذلك أنه
يجوز، وقد أطلنا الاحتجاج على ذلك عند قوله تعالى (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
…
) وذكرنا ثبوت ذلك في لسان العرب نثرها ونظمها فأغنى ذلك عن إعادته.
وقول ابن عطية: يرد عندي هذه القراءة من المعنى به وجهان عبارة قبيحة لا تليق بحاله ولا بطهارة لسانه إذ عهد إلى قراءة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بها سلف الأمة واتصلت بأكابر قراء الصحابة الذين تلقوا القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير واسطة عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأقرأ الصحابة أُبي بن كعب رضي الله عنهم عمد إلى ردها بشيء خطر له في ذهنه، وجسارته هذه لا تليق إلا بالمعتزلة كالزمخشري فإنه كثيراً ما يطعن في نقل القراء وقراءاتهم، وحمزة أخذ القراءات عن سليمان بن مهران الأعمش وحمران بن أعين ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد الصادق، ولم يقرأ حمزة حرفاً من كتاب الله إلاّ بأثر، وكان حمزة صالحاً ورعاً ثقة في الحديث، وهو من الطبقة الثالثة ولد سنة ثمانين، وأحكم القراءة وله خمس عشرة سنة، وأمَّ الناس سنة مائة، وعرض عليه القرآن جماعة من نظرائه منهم سفيان الثوري والحسن بن صالح، ومن تلاميذه جماعة منهم إمام الكوفة في القراءة والعربية أبو الحسن الكسائي.
وقال الثوري وأبو حنيفة ويحيى بن آدم: غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض. قال: وإنما ذكرت هذا وأطلت فيه لئلا يطلع عمر على كلام الزمخشري وابن عطية في هذه القراءة فيسيء ظناً بها فيقارب أن يقع في الكفر بالطعن في ذلك، ولسنا متعبدين بقوله نحاة البصرة ولا غيرهم ممن خالفهم، وكم حكم ثبت بنقل الكوفيين، وإنما يعرف ذلك من له استبحار في علم العربية. اهـ
وقد خرج ابن جني قراءة حمزة هذه على تخريج آخر فقال في الخصائص: باب في أن
المحذوف إذا دلت الدلالة عليه كان في حكم الملفوظ به، من ذلك قوله: رسم دار وقفت في طلله؛ أي: رب رسم دار، وكان رؤبة إذا قيل له: كيف أصبحت؟ يقول خيرٍ عافاك الله؛ أي: بخير، وتحذف الباء لدلالة الحال عليها بجري العادة والعرف بها وعلى نحو هذا تتوجه قراءة حمزة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ) ليست هذه القراءة عندنا من الإبعاد والفحش والشناعة والضعف على ما رواه فيها أبو العباس [بل الأمر فيها دون ذلك وأقرب وأخف وألطف وذلك أنَّ لحمزة أن يقول لأبي العباس]: لم أحمل الأرحام على العطف على المجرور المضمر بل اعتقدت أن يكون فيه باء ثانية حتى كأني قلت: (وبالأرحام) ثم حذفت الباء لتقدم ذكرها أيضاً في نحو قولك: بمن تمرر أمرر، فإذا جاز للفرزدق أن يحذف حرف الجر لدلالة ما قبله عليه مع مخالفته في الحكم له في قوله:
وإني من قوم بهم تتقي العدا
…
ورأب الثأي والجانب المتخوف
أي: وبهم رأب الثأي، فحذف الباء في هذا الموضع لتقدمها في قوله (بهم يتقي العدا) وإن كانت حالاهما مختلفين، ألا ترى أن الباء في قوله (بهم يتقي العدا) منصوبة الموضع لتعلقها بالفعل الظاهر الذي هو (يتقي) كقولك: بالسيف يضرب زيد، والباء في قوله (وبهم رأب الثأي) مرفوعة الموضع عند (قوم) وعلى كل حال فهي متعلقة بمحذوف ورافعة للرأب، ونظائر هذا كثيرة كان حذف الباء من قوله (والأرحام) لمشابهتها الباء في (به) موضعاً وحكماً أجدر. اهـ
وقال ابن يعيش في شرح المفصل: ضعف أكثر النحويين قراءة حمزة (والأرحام)
نظراً إلى العطف على المخفوض، وقد ردها أبو العباس المبرد وقال: لا تحل القراءة بها، وهذا القول غير مرضي منه لأنه قد رواها إمام ثقة فلا سبيل إلى رد نقل الثقة، مع أنه قد قرأ بها جماعة من غير السبعة كابن مسعود وابن عباس وإبراهيم النخعي والأعمش والحسن البصري وقتادة ومجاهد، فإذا صحت الرواية لم يكن سبيل إلى ردها، ويحتمل غير العطف على المكنى المخفوض وهو أن يكون اعتقد أنَّ فيه باء ثانية حتى كأنه قال: وبالأرحام؛ ثم حذف الباء لتقدم ذكرها نحو قولك: بمن تمر أمر وعلى من تنزل أنزل، وقد كثر عندهم حذف حرف الجر، وقد مشى عليه أيضاً الزمخشري فقال في أحاجيه: ومحمل قراءة حمزة (تسألون به والأرحام) على حذف الجار سديد لأن هذا المكان قد شهر بتكرير الجار فقامت الشهرة مقام الذكر. اهـ
قوله: (وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر).
قال الشيخ سعد الدين: لأن المعطوف على الصلة لا يكون إلا جملة بخلاف ما إذا قلت: زيد راكب وذاهب. اهـ
قوله: (تقديره: والأرحام كذلك
…
) إلى آخره.
قال الزمخشري: لما علم واشتهر بدليل الاستقراء والقياس لم يخف على أحد أنه لا بد منه إما منطوقاً به وإما مقدر، والمقدر إما: مما يتقى؛ بدليل قراءة النصب، وإما: يتسأل به؛ بدليل قراءة الجر.
قوله: (وعنه عليه السلام: الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعنى قطعه الله)
أخرجه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها.
قوله: (لما جرى مجرى الأسماء
…
) إلى آخره.
قال الشيخ سعد الدين: يعني ليس في اللغة جمع فعيل على فعالى بل على فعال وفعلاء وفعلى وفعل ككرام وكرماء ونُذُر ومرضى، فيتامى: جمع يتمى، وهو جمع يتيم كما
يجمع أسير على أسرى ثم على أسارى فيمن فتح الهمزة، أو مقلوب يتائم جمع يتيم فإن فعيلاً إذا كان اسماً يجمع على أفاعل كأفيل وأفايل، وقلَّ ذلك في الصفات، لكن اليتيم أجري مجرى الأسماء كصاحب وفارس، ولهذا قل ما يذكر معها الموصوف، وقد ورد الأصل في قول الشاعر:
أأطلال حُسن بالبراق اليتائم
…
سلامٌ على أحجار كن القدائم.
والقدائم أيضاً مما جرى مجرى الأسماء لكن ذكر الموصوف معها يأبى التأويل. اهـ
قوله: (لكن العرف خصصه بمن لم يبلغ).
أي عرف الشرع.
قال الطَّيبي: هو من المنقولات الشرعية لحديث: لا يُتم بعد احتلام. اهـ
قوله: (أو الاتساع لقرب عهدهم بالصغر حثاً على أن يدفع إليهم أموالهم أول بلوغهم).
قال الطَّيبي: يعني سموا اليتامى وإن لم يكونوا يتامى مجازاً لاعتبار معنى لطيف وهو أن لا يؤخر الإيتاء عن البلوغ، ويسمى هذا الفن في الأصول بإشارة النص وهو: أن يساق الكلام لمعنى ويضمن معنى آخر. اهـ
قوله: (روي أن رجلاً من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ طلب المال منه فمنعه فنزلت، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله ورسوله نعوذ بالله من الحوب الكبير).
زاد في الكشاف: فدفع ماله إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره يعني جنته.
فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثبت الأجر وبقي الوزر. قالوا: يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟
فقال: ثبت أجر الغلام وبقي الوزر على والده.
قال الشيخ ولي الدين العراقي: رواه الثعلبي والواحدي من قول مقاتل والكلبي. اهـ
قال الطَّيبي: يعني جمع الوالد المال إما من الحرام فعليه الظلامة وإما من الحلال فعليه تبعة الحساب والوزر إن منع من حقوق الله شيئاً. اهـ
قوله: (اختزال أموالهم).
أي اقتطاعه.
قوله: (وهذا تبدل وليس بتبديل).
قال الشيخ سعد الدين: لأن معنى تبدلت هذا بذاك: أخذت هذا وتركت ذاك وكذا استبدلت، ومعنى بدلت هذا بذاك: أخذت ذاك وأعطيت هذا؛ قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ
…
)، فإذا أعطى الرديء وأخذ الجيد كان هذا إعطاء الخبيث وأخذ الطيب لا أخذ الخبيث وترك الطيب ليكون تبدل الخبيث بالطيب، وسيجيء في قوله تعالى (لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) المعنى: لا أحد يبدل شيئاً من ذلك بما هو أصدق، فالحاصل أنَّ في التبدل ما دخلته الباء متروك وما تعدى إليه الفعل بنفسه مأخوذ، وفي التبديل بالعكس، نعم للتبديل استعمال آخر يتعدى إلى المفعولين بنفسه مثل (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)، (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا) بمعنى: يجعل الحسنات بدل السيئات، ويعطيهما بدل ما كان لهما خيراً منه، وآخر يتعدى إلى مفعول واحد مثل: بدلت الشيء: غيرته (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ)، وآخر يتعدى إلى المفعولين بنفسه وإلى البدل عنه بالباء أو (من)، مثل: بدله بخوفه