الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (والآية تدل على حرمة مخالفة الإجماع)
.
قال الطَّيبي: نقل عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه سئل عن آية من كتاب الله تدل على أن الإجماع حجة فقرأ القرآن ثلاثمائة (1) مرة حتى وجد هذه الآية. اهـ
قلت: قال الحاكم في مناقب الشافعي: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الأسد آبادي قال سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابي يقول: قال المزني أو الربيع: كنا يوماً عند الشافعي بين الظهر والعصر قد استند إلى إسطوانة إذ جاء شيخ عليه جبة صوف وإزار صوف وفي يده عكازة فقام الشافعي وسوى عليه ثيابه واستوى جالساً وسلم الشيخ وجلس وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة إذ قال الشيخ: أسأل؟ قال: سل.
قال: ايش الحجة في دين الله؟ قال الشافعي: كتاب الله.
قال: وماذا؟ قال: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة.
قال: من أين قلت اتفاق الأمة؟ قال: في كتاب الله.
قال: ومن أين كتاب الله؟
قال: فتدبر الشافعي ساعة، فقال للشافعي: قد أجلتك ثلاثة أيام ولياليهن فإن جئت بحجة من كتاب الله في الاتفاق وإلا تب إلى الله تعالى.
فتغير لون الشافعي، ثم ذهب فلم يخرج ثلاثة أيام ولياليهن، فخرج إلينا في اليوم الثالث في ذلك الوقت يعني بين الظهر والعصر قد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام، فجلس فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلم وجلس وقال: حاجتي؟ فقال الشافعي: نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) لا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض.
قال: صدقت، وقام وذهب.
قال الفاريابي: قال المزني أو الربيع قال الشافعي: لما ذهب الرجل قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه.
قال الراغب: لا حجة في الآية على ثبوت الإجماع، لأن المراد بقوله (سَبِيلِ
(1) هكذا في حاشية الطيبي على الكشاف والمشهور أنه ثلاث مرات، ولعله خطأ من الناسخ. والله أعلم. (مصحح النسخة الإلكترونية).
الْمُؤْمِنِينَ) الإيمان لا سواه، فكل موصوف بوصف علق به نحو أن يقال: اسلك سبيل الصائمين والمصلين يعني بذلك الحث على الاقتداء بهم في الصلاة والصيام لا في فعل آخر، فكذا إذا قيل سبيل المؤمنين يعني سبيلهم في الإيمان لا غيره. اهـ
وأجاب الطَّيبي بأنَّ المراد من (سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) الجامعين لكل فضيلة ومنقبة لأن ذكره هنا للمدح للعلة وكونهم متبعين مقتدين تعريضاً بدليل قوله (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)، ويعضده قضية النظم وذلك أنَّ الطائفة التي جادلت عن طعمة هموا بأن نزلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق العدل وليس ما فعلوا بمتابعة لسبيل المؤمنين فإن سبيلهم التجانب عما يضاد الحق والعدل فعلى هذا قوله (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) كالتذييل لقصة طعمة وقومه فيدخل في هذا المقام كل ما فيه مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة سبيل المؤمنين بأي وجه كان.
ثم قال الطَّيبي: فإن قيل إن المعطوف عليه مقيد بتبين الهدى فلزم في المعطوف ذلك فإذن لم يكن في المعطوف فائدة لأن الهدى عام بجميع الهداية ومنها دليل الإجماع وإذا حصل الدليل لم يكن للمدلول فائدة؟ أجيب: بأن المراد بالهدى الدليل على التوحيد والنبوة فالمعنى مخالفة المؤمنين بعد دليل التوحيد والنبوة حرام فيكون الإجماع مفيداً في الفروع بعد تبين الأصول. اهـ
قوله: (لأنه تعالى رتب الوعيد
…
) إلى آخره.
أوضحه الطَّيبي بقوله: فإن قيل الوعيد مترتب على الكل كقولك: إن دخلتِ الدار وكلمتِ زيداً فأنتِ طالق.
أجيب: إن الوعيد مترتب على كل واحد من المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين لأن المشاقة وحدها كافية في اقتضاء الوعيد فيكون ذكر اتباع غير سبيل المؤمنين لغو. اهـ
قوله: (وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرماً
…
) إلى آخره.
أوضحه الطَّيبي بقوله: فإن قيل: لا نسلم أن عدم اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين لأنه لا يمتنع أن لا يتبع سبيل المؤمنين ولا غير سبيل المؤمنين.
فالجواب: أن المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير فإذا كان من شأن غير المؤمنين
أن لا يقتدوا في أفعالهم بالمؤمنين فكل من لم يتبع من المؤمنين سبيل المؤمنين فقد أتى بفعل غير المؤمنين واقتفى أثرهم فوجب أن يكون متبعاً لهم. اهـ
قوله: (كرره للتأكيد).
يعني بعد ذكره في أوائل السورة.
قوله: (أو لقصة طعمة).
قال الطَّيبي: ليكون كالتكميل بذكر الوعد بعد الوعيد. اهـ
وأقول من أساليب القرآن أنَّ كل سورة من طواله وأوساطه يذكر في أولها أو في صدرها آية أو جملة ثم تعاد بعينها في آخرها أو قريباً من أواخرها، وهذه من ذلك، وقد أفردت في ذلك تأليفاً سميته (مراصد المطالع في تناسب المطالع والمقاطع)، ومن أمثلة ذلك قوله في أوائل آل عمران (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) بعد قوله (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ) إلى قوله (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وقال في آخرها (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) بعد قوله (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ)، وقال في أول (ص)(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) وفي آخرها (إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)، وفي أول (ن)(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)) وفي آخرها [(وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)، ومن دقيقه قوله تعالى في أول المؤمنين (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وفي آخرها](إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)، وبحار أساليب القرآن زاخرة، وأنوار أعاجيبه باهرة، فسبحان منزله جل وعلا وصلى الله على سيدنا محمد المنزل عليه صلوات متتابعات على الولا.
قوله: (وقيل: جاء شيخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الشيخ: إني منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله منذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه ولياً ولم أوقع المعاصي جرأة على الله وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هرباً وإنى لنادم تائب فما ترى حالي عند الله فنزلت).
أخرجه الثعلبي عن ابن عباس.
قوله: (أنث على أنه جمع أنيث كخبث وخبيث).
زاد أبو البقاء ويجوز أن تكون صفة مفردة مثل: امرأة جنب. اهـ
وقال الزجاج: أُنُث جمع إناث كمثال ومُثل. اهـ
قوله: ((وأثنا) بالتخفيف والتثقيل).
أي بالسكون والضم.
قوله: (وهو جمع وثن).
قال الزجاج: الواو إذا ضمت جاز إبدالها همزة نحو (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ). اهـ
قوله: (جامعاً بين لعنة الله وهذا القول).
قال الطَّيبي: وذلك أن الواو حين دخلت بين الصفتين أفادت مجرد الجمعية دون المغايرة. اهـ
قال أبو البقاء: يجوز أنَّ (لَعَنَهُ اللهُ) مستأنفاً على الدعاء أي: فعل ما يستحق به اللعن من استكبار عن السجود، فعلى هذا (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ) جملة مستطردة و (لَعَنَهُ اللهُ) معترضة كقولهم للملوك في أثناء الكلام: أبيت اللعن. اهـ
قوله: (من فقىء عين الحامي).
قال الطَّيبي: الفقء: القلع، والحامي: العجل الذي طال مكثه عندهم فإذا لقي ولد
ولده حمى ظهره فلا يركب ولا يجز وبره ولا يمنع من مرعى. اهـ
قوله: (والوشم).
هو أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحثى بكحل.
والوشر: بالراء أن تحد المرأة أسنانها وترققها.
قوله: (لكن الفقهاء رخصوا فى خصاء البهائم للحاجة).
قال النووي في شرح المهذب: قال البغوي والرافعي: لا يجوز خصاء حيوان لا يؤكل في صغره ولا في كبره. قالا: ويجوز خصاء المأكول في صغره لأنَّ فيه غرضاً وهو طيب لحمه ولا يجوز في كبره.
ووجه قولهما أنه داخل في عموم قوله تعالى إخبار عن الشيطان (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) مختص منه الختان والوسم ونحوهما وبقى الباقي داخلاً في عموم الذم والنهي. اهـ
قوله: (فالأول مؤكد لنفسه).
قال الطَّيبي: لأن قوله (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) يدل على الوعد إذ الوعد هو الإخبار عن إيصال المنافع قبل وقوعه. اهـ
قوله: (والثانى مؤكد لغيره).
قال الطيبي نحو قولك هو عبد الله حقاً، فقوله حقاً يفيد معنى لم يفده هذا عبد الله لا لفظاً ولا عقلاً، ولكن الخبر من حيث هو خبر يحتمل الصدق والكذب فقولك حقاً يقصر الجملة على أحد الاحتمالين أي أحق حقاً فقولك حقاً تأكيد للمقدر لا للمذكور. اهـ
قوله: (جملة مؤكدة بليغة).
قال الطَّيبي: وذلك أن الجملة تذييل للكلام السابق، والتذييل مؤكد للمذيل، وأما المبالغة في الاستفهام وتخصيص اسم الذات الجامع ربنا افعل وإيقاع القول تمييزاً وكل ذلك إعلام منه بأن حديثه صدق محض، وإنكار أن قول الصدق متعلق بقائل آخر أحق. اهـ
قوله: (والمقصود من الآية معارضة للمواعيد الشيطانية
…
) إلى آخره.
قال الطَّيبي: إشارة إلى بيان النظم، يعني كما أوقع قوله (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاّ غُرُورًا) تذييلاً لقوله (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِنَاثًا
…
) الآية أوقع قوله (وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) خاتمة لقوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
…
) الآية ليوازي بين الوعدين ويقابل بين النزعتين فيختار المؤمنون الأعمال الصالحة عما يدعوا إليه الشيطان بأمانيه الباطلة ومواعيده الكاذبة فيتخلصوا من غصص إخلاف مواعيده بما يفوزون به من إنجاز الوعد ما وعدوا به من الله تعالى الذي هو أصدق القائلين، ثم قارن بين قوله (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاّ غُرُورًا) وبين قوله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) من جهة وضع المظهر موضع المضمر فيهما ومن النفي المستفاد من الاستفهام ومن (ما)، إلى غير ذلك لتتحقق المعارضة. اهـ
قوله: (ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل).
قلت: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن موقوفاً عليه، وأخرجه ابن النجار في تأريخه من طريق يوسف بن عطية عن قتادة عن الحسن عن أنس مرفوعاً: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، العلم علمان: علم باللسان وعلم بالقلب، فأما علم القلب فالعلم النافع، وعلم اللسان حجة الله على بني آدم.
(وقال أبو نعيم ثنا سهل بن عبد الله التستري ثنا الحسين بن إسحاق عن عبد السلام بن صالح عن يونس بن عطية عن قتادة عن أنس رفعه: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل).
قال الشيخ سعد الدين: وقر في القلب: أي أثر فيه، يقال وقر في الصخرة إذا أثر