الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكأنَّ أقرب الوجوه الوجه الأخير لأنه قيل في حق السابقين غير القاعدين (فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فوضع موضع فما خافوا فزادهم إيماناً، وقال في حق هؤلاء القاعدين (فَلا تَخَافُوهُم وَخَافُونِ) وسموا أولياء الشيطان تغليظاً، ولذلك قرن به (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مقابلاً لقوله (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا)، ثم إن أريد بالأولياء أبو سفيان وأصحابه والخطاب بقوله يخوفكم المؤمنون الخلص كان قوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) في معنى التعليل فلا يقتضي الجزاء، وإن أريد به المتخلفون كان المعنى: إن كنتم مؤمنين فخافوني وجاهدوا مع رسولي لأنَّ الإيمان يقتضي أن يؤثروا خوف الله على خوف الناس كما قال الإمام: والمعنى: الشيطان يخوف أولياءه الذين يطيعونه ويؤثرون أمره، وأما أولياء الله فهم لا يخافونه إذا خوفهم ولا ينقادون لأمره، وهذا قول الحسن والسدي.
قال الطَّيبي: والنظم يساعد عليه، فإنه تعالى لما بين أنَّ الذي أصاب المؤمنين يوم التقى الجمعان إنما أصابهم ليتميز المؤمن المخلص من المنافق فقسمهم أقساماً بدأ بذكر المنافقين ثم ثنى بذكر المؤمنين وجعلهم طبقات فذكر من استشهد وصدقوا ما عاهدوا الله عليه واستتبع مدحهم مدح الطبقة الثانية الذين لم يلحقوا بهم فذكر من أوصافهم أنَّهم الذين استجابوا لله والرسول تعريضاً بالمتخلفين، وأنهم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً، ولا فرغ من مدحهم التفت إلى الطبقة الثالثة وقال (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ)، ثم ثلث بذكر الذين محضوا الكفر و واطأت قلوبهم ألسنتهم فقال
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ)
مستطرداً لذكر أولياء الشيطان، ثم عاد إلى ما بدأ منه من قوله (مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) توكيداً وتقريراً، ولما أراد أن يذكر اليهود جعل قوله (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) مخلصاً إليه ثم قال (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ). اهـ
قال أبو حيان: إنما كان المراد بالشيطان على القولين الأولين نعيماً أو أبا سفيان لأنه لا يكون صفة والمراد به إبليس، لأنه إذا أريد به إبليس كان إذ ذاك علماً بالغلبة كالعيوق. اهـ
قال الحلبي: وفيه نظر. اهـ
قوله: (يقعون فيه سريعاً).
قال الطَّيبي: يشير إلى أنَّ (يسارعون) مضمن معنى يقعون، لأنَّ المسارعة تعدى بـ (إلى). اهـ
قوله: (والمعنى: لا يحزنك خوف أن يضروك).
قال الطَّيبي: يعني ما أوقع فاعل (وَلا يَحْزُنْكَ) موصولة لتدل صلتها على علة النهي بل أوقعه ليكني به عن إيصال المضرة لأنَّ من يرغب في الكفر سريعاً غرضه مراغمة المؤمنين وإيصال المضرة إليهم قتالهم ويدل عليه إيتاء قوله (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا) رداً وإنكاراً لظن الخوف، وإلى هذا المعنى أشار صاحب المفتاح: ربما جعل ذريعة إلى التنبيه للمخاطب على الخطأ. اهـ
قوله: (وفي ذكر الإرادة إشعار بأنَّ كفرهم بلغ الغاية أراد أرحم الراحمين أن لا يكون لهم حظ من رحمته).
تبع فيه الكشاف حيث قال: فإن قلت هلا قيل: لا يجعل الله لهم حظاً في الآخرة، أي: نصيباً من الثواب، ولهم بدل الثواب عذاب عظيم، وأي فائدة في ذكر الإرادة؟ قلت: فائدته الإشعار بأنَّ الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصاً لم يبق معه صارف قط حين سارعوا في الكفر تنبيهاً على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية حتى إنَّ أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم. اهـ قال الطَّيبي: السؤال والجواب مبني على مذهبه، والسؤال من أصله غير متوجه لأنه عدول عن الظاهر، فإن قوله (يُرِيدُ اللهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا) استئناف لبيان الموجب، كأنه قيل: لم يسارعون في الكفر مع أنَّ المضرة عائدة إليهم؟ فأجيب: أنه تعالى يريد ذلك منهم فكيف لا يسارعون. اهـ
قوله: (تكريراً للتأكيد).
قال الطَّيبي: أي هذه الآية والمتلوة قبلها سيان من حيث المعنى، فإن معنى (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) و (اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ) سواء، لأنَّ المسارعة للرغبة والمشتري راغب في المشترى، و (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا) مقابل لمثله، وقوله (يُرِيدُ اللهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا
فِي الآخِرَةِ
…
) إلى آخره تلخيص قوله (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). اهـ
قوله: (أو المفعول الثاني على تقديره مضاف
…
).
قال الطَّيبي: قيل: إنما لم يجعله مفعولاً ثانياً بدونه لأنَّ التقدير كون الإملاء خيراً لهم [فلا يصح حمله على (الذين كفروا) لأنك لا تقول (إن الذين كفروا)] على الابتداء والخبر، ويجوز ذلك على حذف المضاف إما في الخبر أو في الابتداء لتصح الجمل. اهـ
قوله: (الطِّول).
بكسر الطاء: الحبل الذي يُطّولُ للدابة فترعى فيه.
قوله: (واللام لام الإرادة).
قال السجاوندي: إرادة زيادة الإثم جائزة عند أهل السنة، ولا يخلو عن حكمة. اهـ
قوله: (وقرئ (أنما) بالفتح وكسر الأولى)
قال الطَّيبي: هذه القراءة شاذة، ومع ذلك غير مخالفة لمذهب أهل السنة، وتقريرها أنها جارية على البعث على التفكر والنظر، فالمعنى: لا يحسبن الذين كفروا أنَّ مطلق الإملاء في حقهم لأجل الازدياد في الإثم والانهماك في الشر فقط حتى يسارعوا في الكفر والإضرار بنبي الله فيهلكوا؛ بل قد يكون الإنظار للنظر المؤدي إلى الإنصاف فيتداركهم الله بلطفه بالتوبة والدخول في الإسلام فيفلحوا قال الله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، ونحوه قوله تعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ)، إنهم إذا نظروا إلى هذا الكلام المنصف تركوا العناد
وأنصفوا من أنفسهم.
والفرق بين القولين أنَّ إملاء الله تعالى على قولهم مقصور على الإرادة للتوبة مراعاة للأصلح، وعلى قولنا الإرادة كما أنَّها تتعلق بالتوبة تتعلق بازدياد الإثم. اهـ
قوله: (روى أن الكفرة قالوا: إن كان محمد صادقاً فليخبرنا من يؤمن منَّا بالله ومن يكفر فنزلت).
أخرجه ابن جرير عن السدي.
قوله: (وعن النبى صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي أمتي وعلمت من يؤمن بي ومن يكفر.
فقال المنافقون: إنه يزعم أنه يعرف من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا، فنزلت).
لم أقف عليه.
قوله: (وإن جعله الموصول كان المفعول الأول محذوفاً لدلالة (يبخلون) عليه).
قال الطَّيبي: عن صاحب الكشاف: إنما يجوز حذف أحد مفعولي (حسب) إذا كان فاعل حسب ومفعولاه شيئاً واحداً في المعنى كقوله تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا) على القراءة بالياء التحتية أي: لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتاً، وإنما حذفت لقوة الدلالة؛ وهذه الآية ليست كذلك فلا بد من التأويل، وذلك أنَّ الموصولة اشتملت على (يبخلون) فالفاعل مشتمل على معنى البخل فكان الجميع في حكم معنى واحد، ولذلك حذف، وإليه الإشارة بقوله: والذي سوغ حذفه دلالة (يبخلون) عليه. اهـ
قوله: (والمعنى: سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق).
قال الشيخ سعد الدين: إشارة أنَّ هذا تمثيل ولا طوق حقيقة، وقيل: هو على حقيقته وأنهم يطوقون حية أو طوقاً من نار. اهـ
قوله: (ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله
…
) الحديث.
أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، والترمذي والنسائي من حديث ابن مسعود نحوه.
قوله: (وله ما فيها مما يتوارث).
قال الزجاج: إنَّ الله يغني أهلهما فيغنيان بما فيهما ليس لأحد فيهما ملك، فخوطبوا بما يعلمون لأنهم يجعلون ما يرجع للإنسان ميراثاً (إذا كان) ملكاً له. اهـ
قوله: (قاله اليهود لما سمعوا (من ذا الذي يقرض الله قرضاً)).
أخرجه ابن جرير عن الحسن البصري.
قوله: (روي أنه عليه الصلاة والسلام كتب مع أبى بكر إلى يهود بنى فينقاع
…
) الحديث.
أخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه).
قوله: (والمعنى أنه لم يخف عليه وأنه أعد لهم العقاب عليه)
قال الطَّيبي: يشير إلى أن قوله (سَمِعَ اللهُ) كناية تلويحية عن الوعيد لأن السماع لازم العلم بالمسموع وهو لازم للوعيد في هذا المقام، فقوله: وأنه أعد لهم عطف تفسيري على قوله: أنه لم يخف. اهـ
الشيخ سعد الدين: يعني أن الله سميع عليم بالمسموعات، فمعنى تخصيص هذا القول بالذكر أنه أعد له عقاباً يناسبه على طريق الكناية. اهـ
قوله: (أي: وننتقم منهم بأن نقول لهم ذوقوا)
قال الطَّيبي: أي (ونقول) عطف على (سنكتب)، والباء في (بأن نقول) كالباء في (كتبت بالقلم) أي: ننتقم منهم بواسطة هذا القول، ولن يوجد هذا القول إلاّ