الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشيخ سعد الدين: لأن المصدرية لا تدخل الأفعال الغير المنصرفة التي لا مصادر إليها. اهـ
قوله: (مغافصة الموت)
.
في الأساس: غافصه الأمر: فاجأه على غرة منه، ووقاك غوافص الدهر أي: حوادثه. اهـ
قوله: (ورسو الشىء: ثباته)
.
قال الطَّيبي: الرسو إنما يستعمل في الأجسام الثقيلة، وإطلاقه على الساعة تشبيهاً للمعاني بالأجسام. اهـ
قوله: (وإشتقاق أيَّان من أي).
قال الشيخ سعد الدين: الاشتقاق في غير المنصرفة مما يأباه الأكثرون، وكذا اشتقاق أي من أويت، وعبارة ابن جني في المحتسب: أيان بفتح الهمزة فَعلان، وبكسرها فعلان، والنون فيهما زائدة حملاً على الأكثر في زيادة النون في نحو ذلك، ولم يجعل فَِعَّالا من لفظ أين لما يمنع منه وهو كون أيان ظرف زمان وأين ظرف مكان، وأي من لفظ أَوَيْت ومعناه، أما اللفظ فلأن باب طويت وشويت أضعاف باب حييت وعييت، وأما المعنى فلأن البعض آوٍ إلى الكل ومتساند إليه، فأصلها على هذا أَوْىٌ ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء وصارت أيا، كقولك: طويت الكتاب طياً وشويت اللحم شياً. اهـ
قوله: (قال عليه الصلاة والسلام: إن الساعة تهيج بالناس
…
) الحديث.
أخرجه بهذا اللفظ ابن جرير من مرسل قتادة، وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة بمعناه.
قوله: (وإنما ذكر الضمير ذهاباً إلى المعنى ليناسب)
.
أي لئلا يوهم لو أنثه نسبة السكون إلى الأنثى والأمر بخلافه، قاله الطَّيبي.
زاد الشيخ سعد الدين: لأن الذكَر هو الذي يميل في غالب الأمر إلى الأنثى ويجامعها، ولأنه خلق أولاً وخلقت هي إزالةً لاستيحاشه فكان نسبة المؤانسة إليه أولى. اهـ
قوله: (وقيل لما حملت حواء أتاها إبليس -إلى قوله- وأمثال ذلك لا يليق بالأنبياء).
قال الطَّيبي: هذا مكتسب من مشكاة النبوة وحضرة الرسالة فقد أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن سمرة ابن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما ولدت حواء طاف بها إبليس -وكان لا يعيش لها ولد- فقال: سميه عبد الحارث فإنه يعيش، فسمته، فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره (1).
قال محي السنة: وهو قول السلف مثل ابن عباس ومجاهد وسعيد بن المسيب وجماعة.
قال: ولم يكن هذه إشراكاً في العبادة ولا أن الحارث ربهما فإن آدم كان نبياً معصوماً من الشرك ولكن قصد أنَّ الحارث كان سبباً لنجاة الولد وسلامة أمه، ويطلق اسم العبد على من لا يراد أنه مملوك كما إن اسم الرب يطلق على من لا يراد أنه معبود، فعلى هذا قوله تعالى (فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ابتداء كلام وأريد به إشراك أهل مكة، ولئن أراد به ما سبق فمستقيم من حيث كان الأولى بهما أن لا يفعلانه من الإشراك في الاسم.
قال الطَّيبي: ويدفع هذا قوله (أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا) فإنه في الأصنام قطعاً على القول أنه ابتداء كلام. اهـ
قال غيره: يؤيد هذا التقرير أنَّ تقدير المضاف لا يصار إليه إلا عند الحاجة وكلمة (لما) تستقيم عليه لأن إشراك أولادهما لا يكون حين آتاهما صالحاً بل بعده بأزمنة متطاولة.
قوله: (ويحتمل أن يكون الخطاب لآل قصي من قريش فلأنهم خلقوا من نفس قصي، وكان له زوج من جنسه عربية قرشية).
قال الشيخ سعد الدين: استبعد هذا الوجه بأن المخاطبين لم يخلقوا من نفس قصي كلهم وإنما هو مجتمع قريش، ولم تكن زوجه عربية قرشية بل هي بنت سيد مكة من خزاعة
(1) قال الإمام فخر الدين الرازي ما نصه:
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى رَجَعَ فِي هَذِهِ الآيَةِ إلى تقرير أمر التوحيد وإبطال الشرك وفيه مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَهِيَ نَفْسُ آدَمَ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أَيْ حَوَّاءَ خَلَقَهَا الله مِنْ ضِلْعِ آدَمَ عليه السلام مِنْ غَيْرِ أَذًى فَلَمَّا تَغَشَّاها آدَمُ حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً
…
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أَيْ ثَقُلَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا أَتَاهَا إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ وَقَالَ: مَا هَذَا يَا حَوَّاءُ/ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ كَلْبًا أَوْ بَهِيمَةً وَمَا يُدْرِيكِ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ؟ أَمِنْ دُبُرِكِ فَيَقْتُلُكِ أَوْ يَنْشَقُّ بَطْنُكِ؟ فَخَافَتْ حَوَّاءُ، وَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عليه السلام، فَلَمْ يَزَالا فِي هَمٍّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهَا وَقَالَ: إِنْ سَأَلْتِ الله أَنْ يَجْعَلَهُ صَالِحًا سَوِيًّا مِثْلَكِ وَيُسَهِّلَ خُرُوجَهُ مِنْ بَطْنِكِ تسميه عبد الحرث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما أَيْ لَمَّا آتَاهُمَا الله وَلَدًا سَوِيًّا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شَرِيكًا أَيْ جَعَلَ آدَمُ وَحَوَّاءُ له شريكاً، والمراد به الحرث هَذَا تَمَامُ الْقِصَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ فَاسِدٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أَتَوْا بِهَذَا الشِّرْكِ جَمَاعَةٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَهُ: أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الْأَعْرَافِ: 191] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْأَصْنَامَ شُرَكَاءَ لله تَعَالَى، وَمَا جَرَى لِإِبْلِيسَ اللَّعِينِ فِي هَذِهِ الآيَةِ ذِكْرٌ. الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ إِبْلِيسَ لَقَالَ: أَيُشْرِكُونَ مَنْ لا يَخْلُقُ شَيْئًا، وَلَمْ يَقُلْ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا، لِأَنَّ الْعَاقِلَ إِنَّمَا يُذْكَرُ بِصِيغَةِ «مَنْ» لا بِصِيغَةِ «مَا» الرَّابِعُ: أَنَّ آدَمَ عليه السلام كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِإِبْلِيسَ، وَكَانَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَسْمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها فَكَانَ لا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ أن اسم إبليس هو الحرث فَمَعَ الْعَدَاوَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ ومع علمه بأن اسمه هو الحرث كيف سمى ولد نفسه بعبد الحرث؟ وَكَيْفَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ سِوَى هَذَا الِاسْمِ؟
الْخَامِسُ: أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ حَصَلَ لَهُ وَلَدٌ يَرْجُو مِنْهُ الْخَيْرَ وَالصَّلاحَ، فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ وَدَعَاهُ إِلَى أَنْ يُسَمِّيَهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَزَجَرَهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ. فَآدَمُ عليه السلام مَعَ نُبُوَّتِهِ وَعِلْمِهِ الْكَثِيرِ الَّذِي حَصَلَ مِنْ قَوْلِهِ: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة: 31] وَتَجَارِبِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ بِسَبَبِ الزَّلَّةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا لِأَجْلِ وَسْوَسَةِ إِبْلِيسَ، كَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْقَدْرِ وَكَيْفَ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا السَّادِسُ: أَنَّ بِتَقْدِيرِ أن آدم عليه السلام، سماه بعبد الحرث، فَلا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ اسْمَ عَلَمٍ لَهُ، أَوْ جَعَلَهُ صِفَةً لَهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ أنه عبد الحرث وَمَخْلُوقٌ مِنْ قِبَلِهِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ هَذَا شِرْكًا بالله لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْلامِ وَالْأَلْقَابِ لا تُفِيدُ فِي الْمُسَمَّيَاتِ فَائِدَةً، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ حُصُولُ الْإِشْرَاكِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ هَذَا قَوْلاً بِأَنَّ آدَمَ عليه السلام اعْتَقَدَ أَنَّ لله شَرِيكًا فِي الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْجَزْمَ بِتَكْفِيرِ آدَمَ، وَذَلِكَ لا يَقُولُهُ عَاقِلٌ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَاسِدٌ وَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ أَنْ لا يَلْتَفِتَ إِلَيْهِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي تَأْوِيلِ الآيَةِ وُجُوهٌ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ.
التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فَقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَلَى تَمْثِيلِ ضَرْبِ الْمَثَلِ/ وَبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ صُورَةُ حَالَةِ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي جَهْلِهِمْ، وَقَوْلِهِمْ بِالشِّرْكِ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلامِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجَهَا إِنْسَانًا يُسَاوِيهِ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ، فَلَمَّا تَغَشَّى الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وَظَهَرَ الْحَمْلُ، دَعَا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا وَلَدًا صَالِحًا سَوِيًّا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِآلائِكَ وَنَعْمَائِكَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا الله وَلَدًا صَالِحًا سَوِيًّا، جَعَلَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ لله شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا، لِأَنَّهُمْ تَارَةً يَنْسُبُونَ ذَلِكَ الْوَلَدَ إِلَى الطَّبَائِعِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الطَّبَائِعِيِّينَ، وَتَارَةً إِلَى الْكَوَاكِبِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ، وَتَارَةً إِلَى الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ تَنَزَّهَ الله عَنْ ذَلِكَ الشِّرْكِ، وَهَذَا جَوَابٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ.
التَّأْوِيلُ الثَّانِي: بِأَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ آلُ قُصَيٍّ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسِ قُصَيٍّ وَجَعَلَ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجَهَا عَرَبِيَّةً قُرَشِيَّةً لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا آتَاهُمَا مَا طَلَبَا مِنَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ السَّوِيِّ جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا حَيْثُ سَمَّيَا أَوْلادَهُمَا الْأَرْبَعَةَ بِعَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدِ الْعُزَّى، وَعَبْدِ قُصَيٍّ، وَعَبْدِ اللاّتِ، وَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي يُشْرِكُونَ لَهُمَا وَلِأَعْقَابِهِمَا الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمَا فِي الشِّرْكِ.
التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: أَنْ نُسَلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ وَرَدَتْ فِي شَرْحِ قِصَّةِ آدَمَ عليه السلام وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ آدَمَ عليه السلام كَانَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَيَرْجِعُ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ إِلَيْهَا، فَذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ آدَمَ وَحَوَّاءَ عليهما السلام، وَحَكَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالا: لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ أي ذكرا أنه تعالى لو آتاهما ولداً سوياً صَالِحًا لاشْتَغَلُوا بِشُكْرِ تِلْكَ النِّعْمَةِ، ثُمَّ قَالَ:
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فَقَوْلُهُ: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ وَرَدَ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَالتَّبْعِيدِ، وَالتَّقْرِيرُ: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا أجعلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا؟ ثُمَّ قَالَ: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ تَعَالَى الله عَنْ شِرْكِ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالشِّرْكِ وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى آدَمَ عليه السلام، وَنَظِيرُهُ أَنْ يُنْعِمَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْإِنْعَامِ، ثُمَّ يُقَالُ لِذَلِكَ الْمُنْعِمِ: إِنَّ ذَلِكَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ يَقْصِدُ ذَمَّكَ وَإِيصَالَ الشَّرِّ إِلَيْكَ، فَيَقُولُ ذَلِكَ الْمُنْعِمُ: فَعَلْتُ فِي حَقِّ فُلانٍ كَذَا وأحسنت إليه بكذا وكذا وَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ بِكَذَا وَكَذَا، ثُمَّ إِنَّهُ يُقَابِلُنِي بالشر والإساءة والبغي؟ على التبعيد فكذا هاهنا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فِي حَقِّ آدَمَ وَحَوَّاءَ/ وَلا إِشْكَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِهَا إِلاّ قَوْلِهِ: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَنَقُولُ: التَّقْدِيرُ، فَلَمَّا آتَاهُمَا وَلَدًا صَالِحًا سَوِيًّا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ أَيْ جَعَلَ أَوْلادَهُمَا لَهُ شُرَكَاءَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَكَذَا فِيمَا آتَاهُمَا، أَيْ فِيمَا آتَى أَوْلادَهُمَا وَنَظِيرُهُ قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُفَ: 82] أَيْ وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا الْفَائِدَةُ فِي التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ.
قُلْنَا: لِأَنَّ وَلَدَهُ قِسْمَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَقَوْلُهُ: جَعَلا الْمُرَادُ مِنْهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مَرَّةً عَبَّرَ عَنْهُمَا بلفظ التثنية
لِكَوْنِهِمَا صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ، وَمَرَّةً عَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الْجَوَابِ سَلَّمْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما عَائِدٌ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ عليهما السلام، إِلاّ أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا آتَاهُمَا الْوَلَدَ الصَّالِحَ عَزَمَا عَلَى أَنْ يَجْعَلاهُ وَقْفًا عَلَى خِدْمَةِ الله وَطَاعَتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ عَلَى الْإِطْلاقِ. ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَتَارَةً كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعِهَا، وَتَارَةً كَانُوا يَأْمُرُونَهُ بِخِدْمَةِ الله وَطَاعَتِهِ. وَهَذَا الْعَمَلُ وَإِنْ كَانَ مِنَّا قُرْبَةً وَطَاعَةً، إِلاّ أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ مَا
نُقِلَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ حَاكِيًا عَنِ الله سُبْحَانَهُ: «أَنَا أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرْكُتُهُ وَشِرْكَهُ»
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَالْإِشْكَالُ زَائِلٌ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي التَّأْوِيلِ أَنْ نَقُولَ: سَلَّمْنَا صِحَّةَ تِلْكَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، إلا أنا نقول: إنهم سموا بعيد الحرث لِأَجْلِ أَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ إِنَّمَا سَلِمَ مِنَ الآفَةِ وَالْمَرَضِ بِسَبَبِ دُعَاءِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمُسَمَّى بالحرث، وَقَدْ يُسَمَّى الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ عَبْدًا لِلْمُنْعِمِ. يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَنَا عَبْدُ مَنْ تَعَلَّمْتُ مِنْهُ حَرْفًا، وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْأَفَاضِلِ كَتَبَ عَلَى عُنْوَانٍ: كِتَابَةُ عَبْدِ وُدِّهِ فُلانٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي لَعَبْدُ الضَّيْفِ مَا دَامَ ثَاوِيًا
…
وَلا شِيمَةَ لِي بَعْدَهَا تُشْبِهُ الْعَبْدَا
فَآدَمُ وَحَوَّاءُ عليهما السلام سميا ذلك الولد بعبد الحرث تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَلِمَ مِنَ الآفَاتِ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ، وَهَذَا لا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ عَبْدَ الله مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَمَخْلُوقُهُ، إِلاّ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ فَلَمَّا حَصَلَ الِاشْتِرَاكُ فِي لَفْظِ الْعَبْدِ لا جَرَمَ صَارَ آدَمُ عليه السلام مُعَاتَبًا فِي هَذَا الْعَمَلِ بِسَبَبِ الِاشْتِرَاكِ الْحَاصِلِ فِي مُجَرَّدِ لَفْظِ الْعَبْدِ، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا نَقُولُهُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ.
اهـ (مفاتيح الغيب. 15/ 427 - 429).