الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السفاقسي: فيه اعتزال، ولا يرد عليه بأن جملة الشرط لا تكون حالاً لأن ذلك جائز.
قال: والظاهر أن هذه الجملة مستأنفة. اهـ
قوله: (ودرسوا ما فيه) عطف على (ألم يؤخذ) من حيث المعنى فإنه تقرير).
قال الطَّيبي: أي عطف عليه وإن اختلفا خبراً وطلباً، لأن الاستفهام وارد على التقرير فهو بمنزلة الإخبار عن الثابت فصح العطف لعدم المنافاة. اهـ
قوله: (على طريقة التمثيل).
أي الاستعارة التمثيلية المركبة من عدة أمور متوهمة، وهذا تبع فيه الزمخشري، وقد قال ابن المنير: قد أجراه قوم على ظاهره وقالوا: لا تترك الحقيقة مع إمكانها.
قلت: والأحاديث الصحيحة مصرحة بذلك.
قوله: (وقيل: لما خلق الله تعالى آدم أخرج من ظهره ذريته كالذر وأحياهم وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر).
قلت: هذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ، وأحمد في مسنده، والبخاري في تأريخه، وأبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن مسلم بن يسار الجهني أنَّ عمر ابن الخطاب سئل عن هذه الآية
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون.
فقال الرجل: يا رسول الله ففيم العمل؟
فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله اللهُ الجنةَ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله اللهُ النارَ.
قال الإمام: أطبقت المعتزلة على أنه لا يجوز تفسير الآية بالحديث لأنَّ قوله (مِنْ ظُهُورِهِمْ) بدل من قوله (مِنْ بَنِي آدَمَ)، فالمعنى: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم فلم يذكر أنه أخذ من ظهر آدم شيئاً، ولأنه لو كان المراد أنه أخرج من ظهر آدم لما قال (مِنْ ظُهُورِهِمْ) بل كان يجب أن يقول: من ظهره وذريته.
ثم أجاب بأن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى أخرج الذرية من ظهور بني آدم، وأما أنه أخرج كل تلك الذرية من صلب آدم فليس في لفظ الآية ما يدل على ثبوته ولا على نفيه إلا أن الخبر قد دل فثبت إخراج الذرية من ظهر بني آدم بالقرآن وإخراج الذر من ظهر آدم بالحديث ولا منافاة بينهما فوجب المصير إليهما معاً صوناً للآية والخبر عن الاختلاف.
وقال الشيخ شهاب الدين التوربشتي: إنما حد المعتزلة في الهرب عن القول في معنى الآية بما يقتضي ظاهر الحديث لكان قوله تعالى (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) فيقال: إن كان هذا الإقرار عن اضطرار حيث كوشفوا بحقيقة الأمر وشاهدوه عين اليقين فلهم يوم القيامة أن يقولوا: شهدنا يومئذ فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى رأينا كان منا من أصاب ومنا من أخطأ، وإن كان عن استدلال ولكنهم عصموا عنده من الخطأ فلهم أيضاً أن يقولوا: أيدنا يوم الإقرار بتوفيق وعصمة وحرمناهما من بعد ولو أمددناهما أبداً لكانت كل شهادتنا في كل حين كشهادتنا في اليوم الأول، فتبين أن الميثاق ما ركب الله تعالى فيهم من المعقول وآتاهم من البصائر لأنَّها هي الحجة الباقية المانعة لهم عن قولهم (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) لأن الله تعالى جعل هذا الإقرار حجة عليهم في الإشراك كما جعل بعث الرسل حجة عليهم في الإيمان بما أخبروا عنه من الغيوب، ولهم في ذلك كلام كثير اكتفينا منه بهذا المقدار والغرض منه توقيف الطالبين على مواضع الإشكال. اهـ
وقال الطَّيبي: الواجب على المفسر المحقق أن لا يفسر كلام الله المجيد برأيه إذا وجد من جانب السلف الصالح نقلاً معتمداً، فكيف بالنص القاطع من جانب حضرة الرسالة صلوات الله وسلامه على صاحبها؛ فإن الصحابي رضي الله تعالى عنه إنما سأله صلى الله عليه وسلم عما أشكل عليه من معنى الآية أن الإشهاد هل هو حقيقة أم لا؟ والإخراج والمقاولة بقوله تعالى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) أهما على التعارف أم على الاستعارة؟
فلما أجابه صلوات الله وسلامه عليه بما عرف منه ما أراده سكت لأنه كان بليغاً، ولو أشكل عليه من جهة أخرى لكان الواجب بيان تلك الجهة، وكذا فهم الفاروق رضوان الله تعالى عليه، وأما قولهم: لو كان المراد أنه أخرج من ظهر آدم لما قال (مِن ظُهُورِهِم) بل يجب أن يقول من ظهره وذريته، فجوابه أنَّ المراد آدم وذريته لكن غلب إخراج الذراري من أصلاب أولاده نسلاً بعد نسل حينئذ على ذراري نفسه لأنَّ الكلام في الاحتجاج على الأولاد بشهادة قوله تعالى (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)، ونحوه لكن في إرادة الامتنان قوله تعالى (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) بقرينة قوله (اسْجُدُوا لِآدَمَ) ويعضده ما رواه الواحدي عن الكسائي أنه قال: لم يذكر ظهر آدم وإنما أخرجوا جميعاً من ظهره لأنَّ الله تعالى قد أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء عن الآباء فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم أنَّهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره.
وأما قولهم: إن كان هذا الإقرار عن الاضطرار إلى آخره فخلاصته أنه يلزم أن يكونوا محجوجين يوم القيامة، وجوابه: أنَّهم إذا قالوا شهدنا يومئذ فلما زال علم الضرورة ووكلنا إلى رأينا كان كذا كُذِّبوا بأنكم ما وكلتم إلى أرآئكم بل أرسلنا رسلنا تتراً ليوقظوكم عن سنة الغفلة.
قال محي السنة: فإن قيل: كيف تلزم الحجة واحداً لا يذكر ذلك الميثاق؟ قيل: قد أوضح الله سبحانه الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا فمن أنكره كان معانداً ناقضاً للعهد ولزمته الحجة، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق.
وأما الجواب عن قولهم: فلهم أن يقولوا أيدنا يوم الإقرار بتوفيق وعصمة وحرمناهما من بعد فهو أن يقال: إن هذا مشترك الإلزام لأنه إذا قيل لهم: ألم نمنحكم العقول والبصائر. فلهم أن يقولوا: فإذن حرمنا اللطف والتوفيق، فأي منفعة لنا في العقل والبصيرة.
ثم قال: ومن أبى هذا التقرير قرب أن يعدل إلى مذهب المعتزلة، والذي يقضي منه العجب أن التوربشتي كيف نقل كلامهم هذا وقرره ولم يرد عليهم مع رسوخ علمه وعلو مرتبته، إلى أن قال: والغرض من هذا الإطناب الإرشاد إلى التفادي عن القول في الأحاديث الصادرة عن منبع الرسالة عن الثقات بأنها متروكة العمل لعلة كونها من