الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحلبي: وهذا واضح. اهـ
قوله: (بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق).
قال الطَّيبي: فالباء على الأول بمعنى (في)، وعلى الآخرين كما في قولك: كتبت بالقلم. اهـ
قوله: ((لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) أي: شيء من الضلال، بالغ في النفي كما بالغوا في الإِثبات)
.
عبارة الكشاف: فإن قلت: لم قال (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) ولم يقل (ضلال) كما قالوا؟ قلت: الضلالة أخص من الضلال، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال: ليس بي شيء من الضلال، كما لو قيل: ألك تمر؟ فقلت: ما لي تمرة. اهـ
قال صاحب الانتصاف: قوله: نفيها أبلغ لأنَّها أخص، لا يستقيم، فإن نفي الأعم أخص من نفي الأخص، ونفي الأخص أعم من نفي الأعم فلا يستلزمه، لأن الأعم لا يستلزم الأخص، فإذا قلت: هذا ليس بإنسان، لا يلزمه سلب الحيوانية عنه، ولو قلت: هذا ليس بحيوان، لم يكن إنساناً، والحق أن يقال: الضلالة أدنى من الضلال لأنَّها لا تطلق إلا على الفعلة منه، والضلال يصلح للقليل والكثير، ونفي الأدنى أبلغ من نفي الأعلى لا من جهة كونه أخص بل من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. اهـ
وفي حاشية الطَّيبي: عن صاحب الكشاف روى أنه قال: نفى أن يكون معه طرف من الضلال وأثبت أنه في الغاية القصوى من الهدى حيث كان رسولاً من رب العالمين، وفيه إظهار لمكابرتهم وفرط عنادهم حيث وصفوا من هو بهذه المنزلة من الهدى بالضلال المبين الظاهر شأنه لا ضلال بعده.
(قال صاحب الفرائد: جعل التاء في الضلالة بمنزلة التمرة والفعلة في أنَّها للوحدة)، وقد قال صاحب المجمل: الضلال والضلالة بمعنى واحد.
وقال صاحب المثل السائر: الأسماء المفردة الواقعة على الجنس التي يكون بينها وبين واحدها تاء التأنيث فإنه متى أريد النفي كان استعمال واحدها أبلغ ومتى أريد الإثبات كان استعمالها أبلغ كما في الآية، ولا يظن أنه لما كان الضلال والضلالة مصدرين من قولك: ضل يضل ضلالاً وضلالة كان القولان سواء، لأن الضلالة هنا ليست عبارة عن المصدر بل عن المرة الواحدة، فإذا نفى نوح صلى الله عليه وسلم عن نفسه المرة
الواحدة من الضلال فقد نفى ما فوق ذلك من المرتين والمرات الكثيرة.
وقال صاحب الفلك الدائر على المثل السائر: الذي ذكره غير صحيح لا إن كانت الضلالة مصدراً ولا إن كانت المرة الواحدة، أما الأول فلأنهما لما دلا على المصدر لم تكن دلالة أحدهما أبلغ من الآخر، لأن المصدر يدل على الماهية فقط فإذا نفى نفيت الماهية، وأما الثاني فلا يصح أيضاً، لأنه لو قال القائل: ما عندي تمرة، يعني ما عندي تمرة واحدة وعندي تمر كثير يصح، لأنه لو أظهر ما أضمر فقال ليس عندي تمرة واحدة بل تمرات لم يكن مناقضاً، وقول نوح صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) بمعنى ضلالة واحدة لم يكن نافياً لكونه ضلالاً، لأنه إذا كانت الضلالات مختلفة الأنواع لم يفده قوله لجواز أن لا تكون ضلالة واحدة بل ضلالات مختلفة متنوعة، ومن وجدت عنده ضلالات كثيرة فقد صدق عليه أنه انتفت عنه ضلالة واحدة.
وقال صاحب التقريب: في قول صاحب الكشاف نظر، لأنَّ الضلال إما أن يراد الكثرة أو الجنس، فعلى الأول لا نسلم أنَّ الواحد أخص بل الصحيح العكس، لأنه كلما وجدت الكثرة وجد الواحد، ولا ينعكس، فالواحد أعم ويتم الجواب، إذ يلزم من نفي العام نفي الخاص من غير عكس، فكان نفيها أبلغ، أي: ليس بي شيء من الضلال، وعلى الثاني يصح أن الضلالة أخص ولكن لا يتم الجواب، إذ لا يلزم من نفي الخاص نفي العام، ولما تضمن كونه رسولاً مع كونه مهتدياً صح الاستدلال به عن انتفاء الضلالة.
وقال الطَّيبي: العجب من هؤلاء الفضلاء كيف يتكلمون بما لا جدوى منه، وطولوا من غير نظر إلى المقام، فإن الزمخشري إنما يتكلم بمقتضى الحال ومطابقة الجواب للسؤال، ولا يعتبر مفردات اللفظ، وبيانه أن القوم لما أثبتوا له نوعاً من الضلال وهو كونه ضلالاً مبيناً لا مطلق الضلال كما توهموه، يدل عليه قوله السابق: وصفوه بالضلال المبين والظاهر شأنه لا ضلال بعده، والجواب إنما يطابق إذا كان أبلغ منه، فإذا لم تحمل الضلالة على ما قدره فمن أين تفيده الأبلغية، ولو لم ترد المبالغة لكان مقتضى الظاهر أن يقال في جواب (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ): ليس بي ضلال، فلما أثبتوا النوع نفى الواحدة.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال إنه عليه الصلاة والسلام نفى الجنس لتنتفي الماهية، فيحصل المقصود؟ قلت: إذاً يفوت مقتضى العدول من لفظ الضلال إلى الضلالة وإرادة النزرة منها لأن نفي الشيء مع الصفة في مقام نفيه أبلغ من نفيه وحده، ولأن نفي