الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث بريدة في خاتم الحديد]
وكُتِبَ إليه مرة أخرى وقد سُئِلَ عن الحديث المشار إليه: أهو صحيحٌ أم حسنٌ أم غير ذلك؟ وإذا كان صحيحًا، فهل هو محمولٌ على ظاهره أو مؤوَّلٌ؟ وإذا كان على ظاهره، فهل هو المذهب أم لا؟
فأجاب بما نقلته مِنْ خطِّه أيضًا: الحديثُ المذكور حَسَنٌ يُحتَجَّ به، وهو صحيحٌ على طريقة مَنْ لا يفرِّقُ بين الصَّحيح والحسن، بل يُسمِّي الكلَّ صحيحًا، كأبي حاتم بن حبان.
وأمَّا الحكمُ الشَّرعي، ففي ثلاثة مواضع:
أحدها: كراهةُ اتِّخاذ الخاتم مِنْ شبهٍ -وهو بفتح الشَّين المعجمة والباء الموحَّدة- صنف مِنَ النُّحاس يشبه لون بعض الذهب، ويشبهه أيضًا في أنه لا يتصدأ. وهذا لا أعرفُ التَّصريح بكراهته إلا في هذا الحديث، وليس في سياقه ما يقتضي التحريم.
والحكمُ الثاني: في خاتم الحديد والقول فيه كالأول، ويزداد هذا أنَّه ثبت في حديث المرأة التي عرضت نفسها "التمِسْ ولو خاتمًا مِن حديد"، ففيه إشعارٌ بجواز اتِّخاذ خاتَمِ الحديد، مع أنه ليس فيه تصريحٌ بكراهته.
والحكم الثالث: اتخاذُ الخاتم مِنْ فضة بشرطه في الوزن المذكور، وجواز خاتم الفضة للرجال لا نزاع فيه، وأمَّا شرط الوزن، فقال بمقتضاه جماعةٌ مِنَ العلماء، ومن الشافعية أبو سعد المتولِّي وغيرُه. واللَّه أعلم.
[حديث الظالم عَدْلُ اللَّه في الأرض]
ومنها أنه سئل عن قولهم: "الظَّالم عدل اللَّه في الأرض": هل ورد، وهل لفظه "عبد" أو "عدل"؟ وأن بعضهم أشكره بلفظ "عدل"، واستشكل الجَمْعُ بين الوصفين.
فقال: هذا الحديث لا أستحضره، ومعناه دائرٌ على الألسنة، وعلى
تقدير وجوده، فلا إشكال فيه، بل الرِّواية بلفظ "عدل اللَّه" أظهرُ في المعنى مِنَ الرِّواية بلفظ "عبد اللَّه".
وأما قولُ القائل: كيف يجوزُ وصفُه بالظُّلم، ويُنْسَبُ إلى أنه عَدْلٌ مِنَ اللَّه تعالى؟
فجوابه: أنَّ المراد بالعدل هنا ما يقابل الفَضْلَ، والعدلُ أن يعامَلَ كلُّ أحدٍ بفعله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، والفضل أن يعفُوَ مثلًا عَنِ المُسيء وهذا على طريق أهل السُّنَّةِ، بخلاف المعتزلة، فإنَّهم يُوجِبُون عُقوبة المُسيء، ويدَّعُون أنَّ ذلك هو العدلُ، ومِن ثم سمَّوْا أنفسهم أهل العدل والعدلية.
وإلى ما صار إليه أهلُ السُّنَّةِ يشير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] أي: لا تُمهِلِ الظَّالم ولا تتجاوز عنه، بل عجِّل عقوبته، لكن اللَّه يُمهل مَنْ يشاءُ ويتجاوز عمَّن يشاء، ويعطي مَنْ يشاء، لا يُسأل عما يفعل.
وهذا الذي فتح اللَّه به مِنْ الجواب عن هذا الإشكال، وربنا الرحمن، وهو المستعان (1).
[قلت: ويقرُب مِنْ هذا معنى السُّؤال حديث "إنَّ اللَّه يؤيِّدُ هذا الدِّين بالرَّجل الفاجر".
وفي ترجمة مالك بن دينار مِنْ "الحلية" أنه قال: قرأت في "الزَّبور": إنِّي لأنتقم مِنَ المنافق بالمنافق، ثم أنتقمُ مِنَ المنافقين جميعًا. ونظيرُ ذلك في كتاب اللَّه عز وجل {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129].
وأخرج الطَّبراني في "الأوسط" في [ترجمة](2) جعفر بن محمد بن
(1) أورد المصنف جواب صاحب الترجمة عن هذا الحديث في "المقاصد الحسنة" ص 448.
(2)
مِنْ "المقاصد الحسنة".