الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس في نبذة مِنْ فتاويه المهمة المتلقاة بالقبول بين الأئمة
وكان مِنْ حقه أن يُفتَتَحَ به البابُ لشرفه في الانتساب، لكنه لمَّا وقع عندي التردُّدُ أولًا في إثباته أو حذفه مع إفراده مكمَّلًا، ثمَّ رأيتُ بعدَ كتابة ما سبق والتَّحرير مِنَ الفُصول لما وسق، أنَّ خُلُوَّ الترجمة منها يكون نقصًا، فاستخلصتُ منها ما كان بديعًا في معناه نصًا، بل كنت عزمتُ أن أذكرَ منها جميعَ ما عندي، وأستوعِب ما وقفت عليه، رجاء الانتفاع به في الحياة وبَعدي، مرتبًا على الأبواب، طلبًا لمزيد الثواب، فأشارَ بعض الأصدقاء عليَّ ممَّن أخلص في نصيحته للكافة -لا سيما إليَّ- بإفراده في تصنيف مفرد، فهو أولى وأجود، وأيضًا فربَّما طالَ الكتاب، ويكون وسيلة للانتخاب، فامتثلتُ في هذا قوله، لكن مع الإتيان منها بجملة، فأبدأ بالمكيَّة منها والمدنية، ثم بالقدسية والشاميَّة، ثم بالحلبيَّة واليمنيَّة، ثم بالقاهرية (1) والمصرية. يسَّرَ اللَّه ذلك بفضله، وأعان على فهمه ونقله.
فأما
المكيات:
فعندي منها جملةٌ وردت على صاحبِ التَّرجمة مِنْ صاحبنا محدِّث (2)
(1) في (ب): "القاهرة"، خطأ.
(2)
أبدلت في (ح) إلى "حافظ"، وكتب في الهامش ما نصه: لفظة (حافظ) مِنْ إصلاحه قابله اللَّه، وكأنها في الأصل كانت (محدث)، فأبدلها هذا المجترئ بحافظ، قابله اللَّه!.
الحجاز النَّجم بن فهدٍ الهاشميِّ مرَّةً بعد أخرى.
ومن جملتها قوله، وقد سئل عن طُول عِمامة النَّبي صلى الله عليه وسلم:
لا يحضرني في ذلك قدرٌ محرَّرٌ، وقد أخرجَ الطَّبراني في "المعجم الكبير" عن ابن عمر رضي الله عنهما، كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يدير كُورَ العمامة على رأسه، ويغرِزُها مِنْ ورائه، ويرسلها بين كتفيه. وهذا يُستفاد منه صِفَةُ التَّعميم، ولا دلالة فيه على قدرها، وقد سُئل الحافظُ عبدُ الغنيِّ عن ذلك، فلم يذكر فيه شيئًا. انتهى.
وعندي لصاحب الترجمة أيضًا الجواب في أنَّه هل كانت له صلى الله عليه وسلم عَذَبَةٌ سيأتي بعدُ، وكذا وقفتُ على جواب للعراقي في نحو ذلك، أثبتُّه في غيرِ هذا الموضع.
ومن المكيات أيضًا: عدّة وردت عليه مِنَ العفيف محمد ابن الشرف عبدالرحيم الجرهي والد الشيخ نعمة اللَّه، مِنْ جملتها: قوله:
لم يصح أنَّ للخليل عليه السلام ولا للصِّدِّيق رضي الله عنه لحيةً في الجنة، ولا أعرفُ ذلك في شيءٍ مِنْ كتب الحديث المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة. وعلى تقدير ورُوده، فيظهر لي أنَّ الحكمة في ذلك. أمَّا في حقِّ الخليل، فلكونه مُنَزَّلًا منزلةَ الوالدِ للمسلمين؛ لأنه الذي سماهم بهذا الاسم، وأقرُّوا له باتباع ملَّته.
وأما في حقِّ الصِّدِّيق رضي الله عنه، فيُنتَزَعُ مِنْ نحوِ ما ذُكر في حقِّ الخليل عليه السلام؛ فإنه كالوالد للمسلمين، إذ هو الفاتِح لهم بابَ الدُّخول إلى الإسلام.
لكن أخرجَ الطَّبرانيُّ مِنْ حديث ابن مسعود رضي الله عنه بسندٍ ضعيفٍ: "أهل الجنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ إلا موسى عليه السلام، فإن له لحية تضرِبُ إلى سُرَّته". وذكر القرطبي في "تفسيره" أن ذلك ورد في حق هارون عليه السلام أيضًا. ورأيت بخط بعضِ أهل العلم أنه ورد في حقِّ آدم عليه السلام، ولا أعلم شيئا مِنْ ذلك ثابتًا (1).
(1) قال السفيري في "مختصره": قلت: في هذا رد لما قاله شيخه ابن الملقن في شرح حدبث المعراج مِنْ أنه ورد في بعض الأحاديت المرفوعة "أهل الجنة ليس لهم كنية =
قلت: ووردت مِنْ مكَّة قبل ذلك على صاحب الترجمة أسئلة مِنَ العلَّامة الحافظ تقي الدين أبي الطَّيِّب الفاسي (1)، افتتحها مرة بقوله:
سيدي ومولاي الحافظ الأوحد الناقد شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، [أدام اللَّه به النَّفع بمحمد وآله، يعلم أن مملوكه. . . ثم
= إلّا آدم، فإنه يُكنى أبا محمد، وأهل الجنة ليس لهم لحية إلا آدم، له لحية سوداء إلى سُرَّته، وذلك لأنه لم يكن له في الدنيا لحية، وإنما كانت اللحى لأولاده مِنْ بعده. انتهى. ويحتمل أن يكون هو المراد بقول الشيخ [يعني السخاوي]:"ورأيت بخط بعض أهل العلم" إلى آخره.
وقال البصروي في"جمان الدرر" في هذا الموضع: قلت: وفكر تلميذ صاحب الترجمة العلامة البرهان الناجي الدمشقي في رسالته المسمّاة "حصول البغية فيمن يدخل الجنة بلحية" أن ابن جرير وابن أبي حاتم في "تفسيرهما" والبيهقي في "دلائل النبوة" وابن عساكر في "تاريخ دمشق" وغيرهم أخرجوا مِنْ طريق أبي هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين، بالجيم مصغرًا، وهو متروك، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء المطوّل، قال:"ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون ونصف لحيتة بيضاء ونصفها سوداء تكاد تضرب لسرته مِنْ طولها".
وذكر أبو حفص الميانسي وصاحب "الفردوس" لكن لم يخرجه ولده في "مسنده" عن جابر بن عبد اللَّه مرفوعًا: "أهل الجنة مُرْدٌ إلا موسى، فإن له لحية إلى سرَّته، ويُدعى أهل الجنة بأسمائهم الا آدم، فإنه يكنى بأبي محمد". وفي رواية ابن عباس: "فإن لحيته إلى سرته".
وقال صاحب "البحر" القاضي أبو المحاسن الروياني: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد، حدثنا الحسن بن داود بن مهران، حدثنا سويد بن الحكم، حدثنا حماد بن سلمة عن ليث، عن عكرمة عن ابن عباس، قال:"أهل الجنة مُرْدٌ إلا موسى بن عمران عليه السلام، فإن لحيته إلى صدره وكلُّهم يُدعى باسمه إلَّا آدم، فإنه يُدعى بأبي محمد". فيه مجاهيل، وليث هو ابن أبي سليم صدوق فيه ضَعفٌ يسير مِنْ سوء حفظه، ثم اختلط ولم يتميز حديثه، فيترك.
أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه بسند ضعيف مِنْ حديث ابن مسعود مرفوعًا: "أهل الجنة مُرْدٌ إلا موسى عليه السلام، فإن له لحية تضرب إلى سُرَّته".
قال: كذا نقله شيخنا قاضي القضاة ابن حجر في فُتياه، ولم يُبَيّن وجه ضعف سنده.
(1)
في (ح): "تقي الدين بن فهد الهاشمي". وكأن أحدهم حرفها عن الأصل، حيث جاء في الهامش: "كذلك أظن أنه كان في الأصل بعد (تقي الدين)(فلان الفاسي)، وهو صاحب تاريخ مكة، فأبدله هذا بابن فهد الهاشمي. قابله اللَّه ما أجرأه.