الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والده المذكور في سنة ستِّ وثلاثين] (1).
[تقريظ الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي]
ومن ذلك ما كتب به على "الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الإسلام كافر"، لحافظ الشام ابن ناصر الدين، في سنةٌ خمس وثلاثين، وحدَّث به في أواخر (السنة)(2) التي تليها بالشام، بقراءة صاحبنا النجم الهاشمي:
الحمد للَّه، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
وقفت على هذا التأليف النافع، والمجموع الذي هو للمقاصد التي جُمع لأجلها جامع، فتحقَّقتُ سَعَة اطِّلاع الإمام الذي صنَّفه، وتضلُّعَه مِنَ العلوم النافعة بما عظَّمه بين العلماء وشرَّفه.
وشهرة إمامه الشيخ تقي الدين ابن تيمية أشهرُ مِنَ الشَّمس، وتلقيبُه بشيخ الإسلام في عصره باقٍ إلى الآن على الألسنة الزكيَّة، ويستمر غدًا كما كان بالأمس، ولا يُنكِرُ ذلك إلَّا من جهل مقداره، أو تجنَّب الإنصاف، ممّا أكثر غلط مَنْ تعاطى ذلك وأكثر عثاره، فاللَّه تعالى هو المسؤول أن يقينا شُرورَ أنفسنا وحصائد ألسنتا بمنِّه وفضله.
ولو لم يكن مِنَ الدَّليل على إمامة هذا الرّجل إلا ما نبَّه عليه الحافظُ الشَّهير علم الدين البرزالي في "تاريخه" أنه لم يُوجد في الإسلام مَنِ اجتمع فى جنازته لمَّا مات ما اجتُمع في جنازة الشيخ تقي الدين، وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدًا، شهدها مئو ألوف (3)، ولكن لو كان بدمشق مِنَ الخلائق نظيرُ مَنْ كان ببغداد، بل أضعافُ ذلك، لما تأخَّر أحدٌ منهم عن شهود جنازته. وأيضًا فجميعُ مَنْ كان ببغداد إلَّا الأقلَّ، كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد، وكان أميرُ بغدادَ وخليفةُ الوقت إذ ذاك في غاية المحبَّة له والتعظيم،
(1) من قوله: "ومنه ما كتب به على ديوان. . . " إلي هنا لم يرد في (ب)، وألحقه المصنف بخطه في (ح).
(2)
ساقطة من (ب، ط).
(3)
في (أ): ما بين مئو ألف، وفي (ب): ما بين ألوف. والمثبت من (ط).
بخلاف ابن تيمية، فكان أميرُ البلد حين مات غائبًا، وكان أكثر مَنْ بالبلد مِنَ الفقهاء قد تعصَّبُوا عليه حتى (1) مات محبوسًا بالقلعة، ومع هذا، فلم يتخلَّف منهيم عن حضور جنازته والتَّرحُّمِ عليه والتَّأسُّف عليه إلا ثلاثة أنفس، تأخَّروا خشيةً على أنفسهم من العامة. ومع حضور هذا الجمع العظيم، فلم يكن لذلك باعثٌ إلا اعتقادُ إمامته وبركته، لا بجمع سُلطانٍ ولا غيره، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أنتم شُهودُ اللَّه في الأرض".
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعةٌ مِنَ العُلماء مرارًا، بسبب أشياء أنكروها عليه مِنَ الأصول والفروع، وعُقِدَتْ له بسبب ذلك عدَّةُ مجالس بالقاهرة ودمشق، ولا يُحفظ عن أحد منهم أنَّه أفتى بزندقته، ولا حَكَمَ بسفك دمه، مع شدة المتعصبين عليه حينئذٍ من أهل الدولة، حتى حُبس بالقاهرة ثم بالإسكندرية، ومع ذلك، فكلُّهم معترِفٌ بسعة علمه (2)، وكثرة ورعه وزُهده، ووصفه بالسَّخاء والشجاعة، وغير ذلك مِنْ قيامه في نُصرة الإسلام، والدُّعاء إلى اللَّه تعالى في السِّرِّ والعلانية، فكيف لا ينكر على من أطلق أنه كافر (3)، بل مَنْ أطلق على مَنْ سمّاه شيخ الإسلام الكفر، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك، فإنَّه شيخٌ في الإسلام (4) في عصره بلا ريب.
والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولُها بالتَّشهي، ولا يُصِرُّ على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادًا، وهذه تصانيفُه طافحة بالرَّدِّ على مَنْ يقولُ بالتَّجسيم والتبرؤ منه، ومع ذلك فهو بشرٌ يخطىءُ ويُصيبُ، فالذي أصاب فيه -وهو الأكثرُ- يُستفاد منه، ويُترحَّمُ عليه بسببه، والذي أخطأ فيه [لا يُقلَّدُ فيه](5)، بل هو معذورٌ؛ لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدواتِ الاجتهاد اجتمعت فيه، حتى كان أشدُّ المتشغِّبين عليه، القائمين في إيصال الشَّرِّ إليه -وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني- يشهدُ له بذلك، وكذلك
(1) في (أ): "حين".
(2)
في (ط): فضله.
(3)
في (أ): "كان كافر".
(4)
كذا كانت في (ح)، نم غيرت فأصبحت:"شيخ مشايخ الإسلام".
(5)
ما بين حاصرتين ساقط من (أ).