المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[بعض أعماله في القضاء:] - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - جـ ٢

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌ الإملاء

- ‌[وظائفه]

- ‌[وظيفة التفسير:]

- ‌[وظيفة الوعظ:]

- ‌[وظيفة الحديث:]

- ‌[وظيفة الفقه:]

- ‌[وظيفة الإفتاء:]

- ‌[وظيفة المشيخة:]

- ‌[وظيفة الخطابة:]

- ‌[وظيفة خزن الكتب:]

- ‌[دروس ابن حجر:]

- ‌[التفسير:]

- ‌[فتاويه:]

- ‌[خُطَبُه:]

- ‌[القضاء:]

- ‌[آفات القضاء]

- ‌[بعض أعماله في القضاء:]

- ‌ذكر الإشارة إلي محنته التي شارك فيها غيره من السادات بسبب ولده

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الخامسفيما علمته من تصانيفه ومَنْ حصَّلها مِنَ الأعيان وتهادي الملوك بها إلى أقصى البلدان وما كتبه بخطه مِنْ تصانيف غيره ليظهر حسن قصده وعظم خبره

- ‌[مصنفات ابن حجر]

- ‌الأربعينات

- ‌المعاجم والمشيخات

- ‌تخريجه لشيوخه وغيرهم

- ‌الطرق

- ‌الشروح

- ‌علوم الحديث

- ‌فنون الحديث

- ‌الرجال

- ‌[صفات المؤرخ]

- ‌الفقه

- ‌أصول الدين

- ‌أصول الفقه

- ‌العروض والأدب

- ‌[اعتناء الملوك بتصانيف ابن حجر]

- ‌[مشاهير من نسخ مصنفات ابن حجر]

- ‌[وليمة فتح الباري]

- ‌[مَنْ كَتَبَ فتح الباري]

- ‌[شروح البخاري]

- ‌فصل

- ‌الباب السادسفي سياق شيء من بليغ كلامه نظمًا ونثرًا وفيه فصول

- ‌[تقريظ كتاب نزول الغيث للدماميني]

- ‌[تقريظ بديعيه الوجيه العلوي]

- ‌[ما كتبه على قطعة لابن ناهض]

- ‌[تقريظ سيرة ابن ناهض]

- ‌[تقريظ بديعية ابن حجّة]

- ‌[تقريظ آخر على بديعية ابن حجّة]

- ‌[وقد قرض شيخنا لابن حجّة قصيدته الثانية التي امتدح بها البدري بن مزهر حسبما أشار إليه النواجي في "الحجة"، فينظر]

- ‌[تقريظ عجاله القرى للتَّقي الفاسي]

- ‌[تقريظ الزهور المقتطفه من تاريخ مكة المشرقة للتقي الفاسي]

- ‌[تقريظ تحفة الكرام للتقي الفاسي]

- ‌[تقريظ مجموع تقي الدين الكرماني]

- ‌[تقريظ ديوان الملك الأشرف]

- ‌[تقريظ ديوان الملك الكامل]

- ‌[تقريظ الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[تقريظ شرح عقود الدرر في علوم الأثر لابن ناصر الدين]

- ‌[تقريظ وجهة المختار لابن سويدان]

- ‌[تقريظ شرح منهاج البيضاوي لابن إمام الكاملية]

- ‌[تقريظ الأربعين لجلال الدين البلقيني]

- ‌[تقريظ نزهة القصَّاد للشريف النسَّابة]

- ‌[تقريظ الغيث الفائض في علم الفرائض للحسيني]

- ‌[تقريظ مسألة الساكت للسوبيني]

- ‌[تقريظ في منظومة الشغري في النحو]

- ‌[تقريظ البرهان الواضح للناس لابن أبي اليُمن المكي]

- ‌[تقريظ زهر الربيع في شواهد البديع لابن قرقماس]

- ‌[تقريظ الجامع المفيد في صناعة التجويد للسنهوري]

- ‌[تقريظ تحفة الأنفس الزكية لأبي حامد القدسي]

- ‌[تقريظ كتب السخاوي]

- ‌[تقريظ مرثية لابن الغرز]

- ‌[تقريظ موشح]

- ‌[تقريظ على درج الجمال ابن حجاج]

- ‌[تقريظ نظم لعبد السلام البغدادي]

- ‌الفصل الثاني فيمن عرض محافيظه عليه أو كتب له إجازة ممن تردَّد إليه

- ‌[الكتب المعروضة علي ابن حجر]

- ‌[إجازات ابن حجر]

- ‌ رسائله

- ‌الفصل الرابع في‌‌ المقترحاتوالمطارحات والألغاز البديعة الإيجاز

- ‌ المقترحات

- ‌[المطارحات]

- ‌الألغاز

- ‌[مقاطيعه]

- ‌الفصل الخامس فيما ورد عليه من الأسئلة المنظومة وجوابه عنها بفكرته المستقيمة

- ‌الفصل السادس في نبذة مِنْ فتاويه المهمة المتلقاة بالقبول بين الأئمة

- ‌ المكيات:

- ‌ المدنيات:

- ‌ القدسيات:

- ‌ اليمنيات:

- ‌ الشاميات:

- ‌[حديث الجسَّاسة]

- ‌فصل

- ‌[ترجمة الكسائي]

- ‌فصل

- ‌[بيان الحديث الحسن]

- ‌ الحلبيات:

- ‌ المصريات:

- ‌[بدعة الزيادة في الأذان]

- ‌ القاهريات:

- ‌[تضعيف حديث الماء المشمس]

- ‌[حديث: مَنْ مَلَكَ ذا رحم محرم فهو حرّ]

- ‌[حديث فضل الصلاة في المسجد النبوي]

- ‌[حكم لبس الأحمر]

- ‌[زنة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[حديث بريدة في خاتم الحديد]

- ‌[حديث الظالم عَدْلُ اللَّه في الأرض]

- ‌[حديث لا يدخل الجنة ولد زنا]

- ‌[حديث مَنْ كان ذا مال ولم يحج]

- ‌[المفاضلة بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما]

- ‌[هل أذَّن الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌[المراد بالأحرف السبعة]

- ‌[رواية الحسن البصري عن علي]

- ‌[خرقة التصوف]

- ‌[الشيخ عبد القادر الكيلاني]

- ‌[حديث ازهد في الدنيا يحبك اللَّه]

- ‌[هيئة الخطوة المفسدة للصلاة]

- ‌[تفسير قوله تعالي: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى]

- ‌[توثيق الإمام أبي حنيفة]

- ‌ معنى قوله تعالى: {مُسَوِّمِينَ} [

- ‌[السيدة نفيسة بنت الحسن والإمام الشافعي]

- ‌[ترجمة السيدة نفيسة]

- ‌[قبر الحسين]

- ‌[بدع القرّاء]

- ‌[حكم الغلط في النسخ]

- ‌[الاعتراض علي القاضي عياض]

- ‌[شروط العمل بالحديث الضعيف]

- ‌ أصول الفقه:

- ‌ أصول الدين:

- ‌[تعقبه على النووي في الأذكار]

- ‌[اختياراته:]

الفصل: ‌[بعض أعماله في القضاء:]

فلمَّا أن عُزِلْتُ جعلتُ أشدو

لقد أنقذت مِنْ شرٍّ كبير

ومدَّة ولاياته في المِرار كلِّها تزيد على إحدى وعشرين سنة بأشهر.

[بعض أعماله في القضاء:]

وكان رحمه الله ذا دُرْبَةً (1) بالأحكام، وخبرةٍ بالمصطلح، له قوماتٌ في اللَّه تعالى، لا سيَّما في ولايته القضاء. فمِنْ ذلك أنَّه في السَّنة الأولى من ولايته، عقد مجلس بسبب أخذِ الزكاة مِنَ التُّجار، فقام مع التُّجار قصدًا لعدم تطرُّق الظلم إليهم (2)، وأيَّدهم بقوله: أما التُّجَّار، فإنهم يؤدُّون إلى السَّلطنة مِنَ المكوس أضعافَ مقدار الزكاة، وهم مأمونون على ما تحت أيديهم مِنَ الزكاة، وأمَّا زكاةُ الماشية، فليس في الديار المصرية -غالبًا- سائمة، وأمَّا زكاة النَّبات، فغالبُ مَنْ يزرع مِنْ فلَّاحي السلطان أو الأمراء. وتبِعَهُ المالكي والحنبلي، وانفرجت عَنِ التُّجار وغيرهم. فرحمه اللَّه تعالى ورضي عنه.

ومنه كائنة الشيخ شمس الدين محمد (3) بن عمر الميموني، حكم التَّفَهْني بزندقته وسفْكِ دمه، وكان فيها شائبة نفسية، والتمس التَّفَهْني مِنَ الحنبلي التَّنفيذَ، فامتنع إلَّا بعد الشَّافعيِّ، وهو صاحب التَّرجمة، فسُئِلَ فامتنع حتى قال له السلطان، فقال: قد وقَعَتْ عندي ريبةٌ تمنع مِنَ التَّنفيذ، ثم أبداها، وكانت قضية (4) طويلة، تعصب أكثر الجند (5) وغيرهم فيها على الميموني تبعًا للتَّفَهْني، وآل أمره إلى أن انفك مِنَ القتل على يد صاحب التَّرجمة قصدًا للحق.

ونحوُ هذه الواقعة في زمن التقي بن دقيق العيد كائنة فتح الدين

(1) في (أ): "رتبة"، تحريف.

(2)

في (أ): "عليهم".

(3)

في (طـ): "شمس الدين بن محمد"، خطأ. وانظر الضوء اللامع 8/ 270.

(4)

في (ط): "قصة".

(5)

في (أ) و (ب): "الحنفية".

ص: 633

أحمد بن محمد البَققي المصري، إلَّا أن الميموني لم يُقتل، وهذا قُتِلَ باجتهاد علي بن مخلوف النُّويري المالكي القاضي، وقيامه في ذلك، وكان الفتحُ يكثرُ الوقيعة فيه.

واتَّفق لصاحب التَّرجمة أنه عُقد مجلس بسبب شخص وقع في بعض الأئمة، وراموا تكفيره فعاكسهم، وقرر مسألة سابِّ الصَّحابي، فكان ذلك سببًا للكفّ عن قتله، وقد قال في "فتح الباري" ما نصُّه: اختلف في سابِّ الصَّحابيِّ، فقال عياض: ذهب الجمهورُ إلى أنَّه يُعزَّر، وعن بعض المالكية: يُقتل، وخصَّ بعضُ الشَّافعية ذلك بالشيخين والحسن والحسين، فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين، وقوَّاه السُّبكي الكبير في حقِّ مَنْ كفَّر الشَّيخين، وكذا مَنْ كفَّر مَنْ صرَّح النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإيمانه، أو تبشيره بالجنة، إذا تواتر الخبرُ بذلك عنه، لما تضمَّن مِنْ تكذيب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. نسأل اللَّه السلامة.

ومنه أنَّه تكلَّم مع السُّلطان في أن لا تُطفأ القناديلُ في رمضان إلَّا قُبيل طلوع الفجر، لما يحصُل مِنَ الإجحاف بالنَّاس ممَّن ينامُ ثمَّ يستيقظ وهو عطشان، حيث يمتنع عَنِ الشرب ظنًّا منه أنَّ ذلك حَرُمَ، فوافق السُّلطان على ذلك ثم عُقد مجلس بسببه، فاتَّفق مَنْ حضر على أنَّه يترتَّبُ على ذلك أنْ يغلطَ مَنْ كان يعرفُ العادة المستمرَّة، فيبطل صومُه، فتوقَّف الأمرُ، واستمرت العادة، وكان ممَّن قام في الشِّقِّ الثاني: العلامة شهاب الدين بن المجدي.

وكان مقصِدُ شيخنا جميلًا، لا سيما وقد صحَّ:"لا يزال النَّاسُ بخير ما عجَّلوا الفطر وأخَّروا السَّحور". وقد قال رحمه الله في "فتح الباري": مِنَ البدع المنكرة ما أحدث الناسُ في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامةً لتحريم الأكل والشُّرب على مَنْ يريد الصِّيامَ، زعمًا ممَّن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة (1)، ولا يعلم بذلك إلَّا آحاد الناس، وقد جرَّهم ذلك إلى أن

(1) في (أ): "العادة"، تحريف.

ص: 634

صاروا لا يؤذنون إلا بعد المغرب بدرجة، لتمكين (1) الوقت -زعموا-، فأخَّروا الفِطرَ وعجَّلوا السَّحور، فخالفوا السُّنَّة، فلذلك قلَّ عنهمُ الخيرُ، وكثُر فيهمُ الشَّرُّ، واللَّه المستعان.

ومنه أنه قدِمَ العلامة علاء الدين البخاري، والتمس مِنَ السلطان إبطالَ إدارة المحمل، حسمًا لمادة الفساد التي جرت العادة بوقوعه عند إدارته ليلًا ونهارًا، فأمر السُّلطانُ القضاة وكاتب السِّرِّ بالتوجُّه إلى الشيخ، والتكلم معه في المسألة ففعلوا، فكان مِنْ كلام صاحب التَّرجمة -وهو الشَّافعي-: ينبغي النظرُ في السبب في هذه الإدارة، فيعمل بما فيه المصلحة منها، ويُزال ما فيه المفسدة، وذلك أن الأصل فيه إعلام أهل الآفاق أن الطريق مِنْ مصر إلى الحجاز آمنة، وأن من شاء أن يَحُجَّ، فلا يتأخر خشية خوف الطَّريق، وذلك لما كان حدث قبل ذلك مِنَ انقطاعِ الطَّريق إلى مكة مِنْ جهة مصر، كما هي الآن منقطعة غالبًا مِنْ العراق، فالإدارة لعلَّها لا بأس بها لهذا المعنى، وما يترتَّبُ عليها مِنَ المفاسد يمكن إزالتُه بأن يبطل الأمر بزينة الحوانيت، فإنَّها السَّببُ في جلوس الناس فيها، وكثرة ما يوقَدُ مِنَ الشموع والقناديل، ويجتمع فيها مِنْ أهل الفساد، فإذا تُرِكَ هذا، وأمر السلطان مَنْ تعاطى إدارة المحمل مِنْ غير تقدُّمِ إعلام النَّاسِ بذلك، حصل الجمعُ بين المصلحتين، وانفصل المجلسُ على ذلك.

ومنه لمَّا نودي على الفلوس أن يُباع الرطل المنَقَّى منها بثمانية عشر درهمًا، وفرح من كان عنده منها حاصلٌ، وحزِنَ مَنْ عليه منها دَيْنٌ، لما يقاسونه مِنْ نُوَّاب الحكم في إلزامهم إعطاء ذلك بالوزن الأول. قال صاحب الترجمة: وفيه بحثٌ كثير، وبيَّنتُ أنَّ ذلك لا يلزم على الإطلاق، بل لا بدَّ فيه مِنْ شروط، واقتضى الحال كتابة مراسيم للشُّهود أن لا يكتبوا وثيقةً في معاملةٍ ولا صداقًا ولا غيره إلَّا بأحد النَّقدين الذهب أو الفضة، بسبب شدة اختلال أحوال النَّاس واختلاف أحوال الفلوس التي صارت هي النَّقد عندهم في عُرْفهم، مع عزَّة الفلوس وعدمها كانوا يكتبون ذلك بالفلوس، مع

(1) في (أ): "لتمكن".

ص: 635

تحقُّقهم أنَّه لا وجود لها، وأن لا حقيقةَ لذلك الإقرار، ثمَّ إذا نودي عليها بأن يُزادَ سعرُها، يصير مَنْ كُتِبَ له يطالب بذلك الوزن، فأجحف ذلك بالنَّاس، فحُسِمت هذه المادَّة على يد صاحب الترجمة، وتمادى الاختلاف بسبب ما كان كتب أوّلًا، ولم يزل في اضمحلالٍ بحمد اللَّه وعونه.

[واختلف مع جماعة المفتين مِنْ أهل عصره في فَهْم كلام واقفٍ، فكان هو وجماعة في جانب، وخالفهم آخرون، فامتنع مِنْ بَثِّ الحكم بما فهمه، [وصرّح لطالب الحكم](1) منه بقوله: يا أخي، لم أوافق على فهمي، بل نوزِعْتُ فيه، وأشار بالصُّلح.

ولذا كان تلميذُه الجلال المحلِّي -وهو المنفرد مِنَ الشَّافعية بمخالفته- يقول: إنه مُنْصِفٌ، فأين هذا مِنْ قاضٍ يُحاقِقُ ويخانِقُ ويزاحم ويضايق، ويتعرَّض لمخالفيه بالتَّنقيص والتَّقبيح، والإهانة والتجريح؟ ولكن حب الدنيا رأس كل خطيئة. نسأل اللَّه العافية من كلّ بليَّة] (2).

ومن وُفورِ صلابته قبل استقراره في القضاء الأكبر: ما حكاه لي الشريف نقيبُ شيخنا شيخ الإسلام سعد الدين بن الدَّيري، أنَّه امتنع مِنْ قَبول شهادة ابن النُّسخة (3) في القِيمةِ أيام عِزِّه وضخامته، إذ كان جمال الدين الاستادار حيًا، وراودوه على ذلك، وتوسَّلُوا إليه، فامتنع وقال: أقبل عاميين من المهندسين دونه. رحمه الله وإيانا.

[وكذا كان يقول فيما يقع التَّصادُقُ عليه غالبًا: هو بتسميته بالتكاذب أصدق](4).

واتَّفق في بعض ولاياته تجديد الحوانيت التي فيها السُّيوفيون والصيارف بظاهر الصَّاغة وعلوها، وكان قد أخذ فيها الخرابُ، فاستُبدل

(1) هذه العبارة ساقطة من (ط).

(2)

من قوله: "واختلف مع جماعة المفتين" إلى هنا لم يرد في (ب)، وورد في (ط) بخط مغاير عن المتن، وورد في هامش (ح) بخط المصنف.

(3)

هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد، المتوفى سنة 849 هـ. انظر الضوء اللامع 2/ 93 - 94.

(4)

ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

ص: 636

النِّصفُ والرُّبعُ بمالٍ جزيل يعمر به في الربع الباقي لجهة وقفه على الصالحية، فعمر عمارة جديدة، وصارت أجرةُ الرُّبع أزيدَ مِنْ أجرة الكل بالنسبة لما كان يفضل بعد الصَّرف في ترميمه.

وبلغه أنَّ بعض الأعيان حسَّن للأشرف برسباي أخذَ الحوانيت المجاورة للكاملية، وهي تحت نظره في جملة أوقاف البيبرسية، وكانت مُحكمة البناء، غير أنَّها شَعِثَةٌ، ففي الحال لمَّ شعثَها بالبياض، وصارت تُضيءُ، فكفُّوا عن ذلك، وقد استولى عليها الأشرف إينال بعد زمنٍ طويل.

وكان يمتنع من تنفيذ شيء من الاستبدالات بالمال، حتى امتنع من فعل ذلك للقاضي عبد الباسط وفيروز السَّاقي ونحوهما، إلا إن وُضع المال عند مَنْ يُوثَقُ به إلى أن يُشترى به البدل.

وكذا كان يمتنع مِنْ سماع الدَّعوى مِنْ كثيرٍ مِنَ المتمرِّدين على أخصامهم بأنهم لا يطالبونهم إلَّا مِنَ الشَّرع الشَّريف، ويقول: أنا لا أمنع مَنْ يتوصَّلُ إلى خلاص حقِّه ممَّن يكونُ متمردًا بالشرطة.

[وبذلك أفتى شيخُنا العزُّ عبد السلام البغدادي الحنفي، فإنَّني قرأتُ بخطه على فُتيا ما نصُّه: وحَمْلُ طالب الحقِّ غريمه المدافع المتمرِّد عن إعطاء ما وجب عليه إلى الولاة الحُماة -لا سيَّما في زماننا- جائز، ولا لَوْمَ عليه](1).

وكان في أول الأمر شديدَ الحرص على البقية في كل وقف لفائض ولو قلَّ، ليصرف في العمارة إنِ احتيجَ إليها، ويتحرَّى في التَّقرير على الأوقاف، حتى كان -فيما بلغني عنه- يقول: إذا رتبت لشخصٍ خمسينَ درهمًا، أنظر في وقفٍ له يكون بخمسين دينارًا، أو نحو ذلك.

ومِنَ الاتفاقيات الدَّالَّة على شدَّة غضبه للَّه ولرسوله: أنهم وجدوا في زمن الأشرف برسباي شخصًا مِنْ أتباع الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب، وشيخ الخروفية المقتول على الزَّندقة سنة عشرين وثمانمائة ومعه

(1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

ص: 637

كتابٌ فيه اعتقادات منكرةٌ فأحضروه، فأحرق صاحبُ التَّرجمة الكتاب الذي معه، وأراد تأديبه، فحلف أنَّه لا يعرف ما فيه، وأنَّه وجده مع شخصٍ، فظنَّ أنَّ فيه شيئًا مِنَ الرَّقائق، فأُطلق بعد أن تبرّأ مِمَّا في الكتاب المذكور، وتشهَّد والتزم أحكام الإسلام.

وكانت المجالسُ المعقودة في الوقائع ونحوها بوجوده ممتعة، بل مَنْ كان يحضر بقصد الازدراء يرجع خائبًا. فمِنْ ذلك أنَّه في سنة سبع وثلاثين حضر أعجميٌّ يقال له: شمس الدين محمد الهروي، ويقال له: ابن الحلَّاج، كهلٌ من أبناء الأربعين، وادَّعى أنه يعرف مائة وعشرين علمًا، وأظهر بأوًا عظيمًا، وشرع يسأل أسئلةً مشكلةً، وظهرت منه أمورٌ تدل على إعجاب زائدٍ، فآل أمرُه إلى أن وقعت منه أمور أُنكِرَت مِنْ جهة المعتقَدِ، فزُجر، فخذل بعد ذلك، وصار كآحاد الطَّلبة، واعتذر بعدَ ذلك بأن بعض الحاسدين لصاحب الترجمة أغراه بذلك، ظنًّا منه أنَّ ذلك ينقُصُ مِنْ قدره، فأبى اللَّه ذلك، وحاق المكر السَّيِّىءُ بأهله، وللَّه الحمد.

قال شيخنا: وفي الجملة، فالرَّجلُ فيه ذكاءٌ، وعلى ذهنه فوائد كثيرةٌ، وعنده استعدادٌ، ويعرف الطب (1)، لكن عُدَّت عليه سقطات.

فلمَّا كان في السنة التي تليها، أمر السلطان صاحب التَّرجمة إذا حضر لسماع الحديث أن يحضر صُحبتَه فلقةً وعصًا، ومن تعدّى في كلامه أو أساء الأدب أُدِّبَ، وأكَّد ذلك فما فعل.

ثم في سنة أربعين ألزموا السُّكوتَ حتى لم يتكلم سوى صاحب الترجمة، رد على القارىء مواضع مِنَ الأسانيد أسماء تبدَّلها أو تحرَّفها من سبق اللسان، لكنه ما استمرَّ.

ووقع من العلاء الرومي حطٌّ على الشيخ باكير، وآل أمره معه في مباحثة إلى أن كفَّره، فردَّ الشافعي -وهو شيخُنا- على العلاء، ووافقه الجماعة وكذا السلطان، فسكت الرومي على مضَضٍ، لكنه شرع في كتابة

(1) في (أ): "الطلب".

ص: 638

أسئلة ودسَّها إلى السلطان ليجيب عنها الشافعي، فأحضرها بعض الدويدارية، فسلَّمها للشافعي، فقرأها وقال له: يطلب الجواب، فذهب ولم يَعُدْ، فذكر الشافعى للحاضرين أن أول الورق مقسمًا بأيمان عظيمة أن أعلم أهل المجلس لا يعلم معنى قال رسول اللَّه، وكلامًا آخر فيه عجرفة ولحن، فأجمع مَنْ سمع ذلك على ذمِّه.

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَه

فالقوم أعداءٌ له وخصومُ

وقرأت بخطِّ صاحب الترجمة ما نصُّه: قال اللَّه تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]. حضرت مجلس الحديث بالقلعة، واتَّفق أنه وقع لغط كثير، فلما انتهى المجلس بأذان العصر، أجبت المؤذن، ثمَّ استغفرتُ سرًّا عددًا معيّنًا خطر لي، فعند انتهاء ما أردت من العدد، قرأ القارىء على العادة العُشر ثم القصيدة، فاتَّفق أنه قرأ:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، فانشرحت بذلك، وتفاءلت منه بخير، وللَّه الحمد، ثم للَّه الحمد.

ومِنْ ذلك أنهم استعملوا الشيخ جلال الدين عبد الرحمن الوجيزي، مع أنه كان هو وأبوه من جماعة صاحب الترجمة، لكنه كان معروفَ الحال. بلغني عن صعب الترجمة -ولم أسمعه منه- أنه كان يقول: هما اثنان، عاقل يتمجنن، ومجنون يتمعقل، يشير بالأول إلى البدر بن الشريدار، وبالثاني إلى هذا، بأن قال عند شروع السُّويفي في قراءة الحديث بين يديه في القلعة بحضور رفقته القضاة والسلطان على العادة، وقوله: وبسندكم ما نصُّه، أيها القارىء حسبُك، إن أردت تخصيص الشافعي بعني صاحب الترجمة هذا (1)، فلا معنى للتخصيص، في المجلس مَنْ هو مثله في السَّند، وإن أردت التعميم فافصِحْ لنا عن مرادك، فلم يلتفت شيخنا لذلك، بل قطع كلامه بقوله للقارىء: اقرأ، مع قدرته حينئذٍ على إقامته مِنَ المجلس، وانتقامه منه، لكنه راعى قِدَمَ ملازمته له مع ما استُفيض من جنونه، غفر اللَّه لنا وله.

(1) في (ط): "بهذا".

ص: 639