الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضهم أنه ورد على سبيل التَّغليظ والتَّنفير والتَّحريض على المُبادرة إلى قضاء الفرض، ولا يُرادُ به أنَّ الذي يؤخِّرُ الفرضَ (1) يموتُ يهوديًا أو نصرانيًا.
وعن بعضهم أنه على سبيل التَّمثيل، لأنَّ اليهودي والنَّصراني لا يحجُّ، فمن مات ولم يحج، كان كاليهوديِّ والنصرانيِّ.
[المفاضلة بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما]
ومنها: ما قرأته بخطه بعد أن قرىء عليه وأنا أسمع ما نصه: سألتم -أعزكم اللَّه تعالى بعزِّه- عَنِ السُّؤال المشهور في التفضيل بين أُمَّي المؤمنين خديجة وعائشة رضي الله عنهما، وعن السؤال الثاني في التَّفضيل بين عائشة وفاطمة الزهراء ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما.
والجواب على سبيل الاختصار عن الأول بعد تقديمٍ أنَّ للعلماء في ذلك أقوالًا ثالثها الوقف عَنِ الجواب في السؤالين، وهو أسلم.
وقد احتجَّ كلٌ مِنَ الفريقين لقوله بأدلَّةٍ نقليَّةٍ ونظريَّةٍ، فرأيتُ الاقتصارَ على طرفٍ كافٍ مِنْ أدلة أهلِ السُّؤال الثاني، فأقول:
حاصلُ ما استدل به مَنْ فضَّل الزهراء رضي الله عنها نقليٌّ ونظري، فمن النقلي ما أخرجه أحمد وغيره وصحَّحه ابن حبان وغيرُه مِنْ حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ نساءِ أهلِ الجنَّة خديجةُ بنت خويلد وفاطمة بنتُ محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم". وهذا صريح في الأفضلية وفي. . . . (2).
ومنَّ النظري: أنها بَضْعَةٌ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
ومِنَ النَّقلي لمَنِ استدلَّ بتفضيل أمِّ المؤمنين حديث "فضلُ عائشة على النِّساءِ كفضلِ الثَّريد على غيره مِنَ الطعام". وهو في الصحيح.
(1) في (ح): "الحج".
(2)
بياض في الأصول. وفي هامش مختصر السفيري ما نصه: هكذا رأيت هذا البياض في المنقول منها، وكأنه: في تفضيل خديجة على عائشة.
لكن يطرُقه احتمالُ الجمع بأن يكون ذلك بالنِّسبة لمن لم يصرِّح بأفضليتها منهن، فيكون المراد بقوله:"على النِّساء"، أي مِنْ عدا الأربعة، وذلك جائزٌ في طريق الجمع.
ومن النظري، كثرةُ ما نقل عنها مِنَ الحديث، فحصل الانتفاعُ به في الأحكام الشَّرعيَّة، وتلقَّوه بالقبُول، واحتجُّوا به، ووافقها على كثيرٍ منه كثيرٌ مِنَ الصَّحابة رضي الله عنهم، وانفردت منه بأشياء كثيرةٍ يلزَمُ منه تكثيرُ أجرها، لأنَّ مَنْ علم علمًا فله أجرُه وأجرُ مَنْ عمل به إلى يوم القيامة. ولا يخفى أنَّ كثرة الأجر يُوجبُ التفضيل.
واعترض على ما استدلَّ به للزهراء رضي الله عنها أنَّ أخواتها زينبَ ورقيَّة وأمَّ كلثوم رضي الله عنهن يشاركنها في الصِّفة المذكورة، لأن كلًّا منهن بَضْعَةٌ منه صلى الله عليه وسلم، وإنَّمَا يفيد التَّفضيلَ بأمرٍ يختصُّ به المفضَّلُ على غيره.
وأجاب مِنْ فضَّلَ الزَّهراء رضي الله عنها بأنها امتازت عن أخواتها بأنهنَّ مِتْنَ في حياته صلى الله عليه وسلم، فكنَّ في صحيفته، ومات النبي صلى الله عليه وسلم في حياة الزَّهراء، فكان في صحيفتها، ولا يُقدَّرُ قدرُ ذلك، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن المسلمين لم يصابوا مثل مصابهم، فمن وقع له ذلك وصبر واحتسب، حصل له مِنَ الأجرِ بقدر مُصابه، والمصابُ به لا يُقدَّر قدرُه، فانفردت الزَّهراءُ رضي الله عنها دُون سائر بناته، فامتازت بذلك بأن بشَّرها في مرض موته بأنَّها سيِّدةُ نساءِ أهلِ الجنَّة، أي: مِنْ أهلِ هذه الأمَّة المحمدية، وبأنها أولُ أهلِه لُحوقًا به.
وقدِ انضافَ إلى فاطمةَ رضي الله عنها مِنْ هذا الجنس ما امتازت به على أمهات المؤمنين اللاتي مات النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهنَّ موجودات، لأن مصيبتهن به في صحائفهنَّ، وذلك أنَّها أُصيبت أولًا بأمِّها خديجة رضي الله عنها، والمصابُ بها عظيمٌ جدًا، لأنَّها أفضلُ أمَّهات المؤمنين، لأنها أولُ مَنْ أسلمَ مطلقًا وأوَّلُ مَنْ نصرَ دين الإسلام مِنَ النِّساء، فلها مِنْ كلِّ مَنْ شاركها في شيءٍ مِنْ ذلك بعد ذلك مِنَ الأجر مثلُ ما لهُ. ويُعْرَفُ بذلك أنَّ الذي يتحصَّلُ لها مِنَ الأجور لا يعرف، ويدخُلُ في عموم مَنْ جاء بعدها عائشة