الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينصرف، وأيَّد تصرُّفَه بحُكْمِ السُّيوف والأقلام، وأخدم مجلسه أفضل التَّحية والإكرام، والسلام.
[ما كتبه على قطعة لابن ناهض]
ومن ذلك: ما كتب به [على قطعة لابن ناهض، ومن خطه نقلت:
نظرت هذه المُذْهَبَة المعلَّقة، وقيدت النظر] (1) في هذه القوافي المطلقة، واعْتَرفت بالقصور عن وصف هذه البُيوت العاليات الطَّبقة، المترفعة غرفُها عن أن تكون مستَرَقَة، فألفيتُها حُرِّرت موازينها، وقُرِّرت دواوينها، وانشرحت الصدور من شدَّة ما أطربتها تلاحينها، وأزهرت أفانين غياضها، وزخرفت بأنواع الزينة أواوينُ رياضها. يا لها آدابًا، لو رام معارضة منشئُها مادح بمصر. . . . . . (2)، وتأمَّل ما يهديه فكرُه لقال: ما أشدَّ بردَه، ولو بالغ في وصف مخترعاته، لرأى نقصَها متزايدًا عنده، ولو فُتِحَ له بابُ تقريظها، لحُقَّ له سدُّ باب القريضِ بعده ما نُوظرت هذه المحاسن، ونظر الناظر إلى آدابه، إلَّا قال لهَا: أبعدي، ولا قُوبلت بأدب متأدِّب، إلا تبين في الحال حال المعتدي. لقد توحد منشئها في فنه حتى صار هو العَلَم الفرد ذَكاءً وآدابًا، واستحقَّ اسمَ أبيه، فأصبح في اقتناص الشوارد ناهضًا وثَّابًا، وإذا كانت العقول مِنَحًا إلهية، والأفكارُ مواهبَ ربَّانيَّة، فلا بِدْعَ أن يبتدع الغريب إلى الغريب، ولا غَرْوَ أن ينشأ أديب يُنسي بما ينشئه إنشاءَ كلِّ أديب.
والليالي -كما علمت- حُبالى
…
مُقَرِّبات يَلِدْنَ كلَّ عجيبِ
[تقريظ سيرة ابن ناهض]
ومنه ما كتب به على السِّيرة التي عملها محمد بن ناهض الحلبي المذكور للمؤيد أبي النصر شيخ في سنة ثمان عشرة وثمانمائة، رفيقًا لدون ثلاثين نفسًا، منهم: العز بن جماعة، والولي العراقي، والجلال البلقيني،
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).
(2)
بياض في الأصول، وكتب في (أ، ب، ح) عبارة "كذا".
والشمس البلالي، والشمس البساطي، والشمس الحبتي، والبدر الدمياميني، والشِّهاب القلقشندي، وناصر الدين بن البارزي، وولده الكمال، والتقي بن حجة، ونصه:
الحمد للَّه على كل حال. سبحتُ في هذا البحر الزَّاخر، فشاهدتُ العجائب، فسأحدِّثُ عن البحر ولا حرج، وتمتعت برؤية درِّه الفاخر، فإذا هو في درج مصون لا ينالُه من دبَّ ولا مَنْ درج، ودخلت في أبواب هذه السِّيرة السَّرِيَّة، متأملًا فيما حوته مِنَ المدائح المؤيدية، فهمتُ طربًا بمناقبها، واستعدت ممَّن أخطأ العروض والضرب وخرج، ولمحت فضل المعركة الميمون، فرمقت باب النصر، وصادفت فصل حصار (1) الحصون، فوافقتُ بابَ الفُتوح، ونظرتُ فصل الظفر بالأدب، فلحظتُ بابَ السَّعادة، وتأمَّلتُ فصل دفع الكُرَب، فشاهدت باب الفرج.
يا لها سيرةً هبَّت على راقمِ بُرودها وناظم سُعودها نسماتُ القَبُول، فهو يجول ويصول، ولا يبالي مَنْ هَرَج ولا مَرَجٍ، وأسعدته بدرج الصعود، وأصعدته في مراقي السعود فعرج، ودانت له ممالكُ الكلام، فتصرَّف فيها تصرُّف المالكين، غير متقيِّد بشرطِ غيره، وانفرد أمَّةَ وحده، لا يُجارى ولا يُبارى، ولا يجسُر أحدٌ أن يسير في سياق السَّير الملوكية كسَيْره، وانطاعت له عصِيَّات المعاني الشاردة، فهو يقتنصها، لا بخيله ورَجِلِهِ، بل برجوليته وخيره.
وماذا أقول ولم يُبقِ لي مَنْ تقدَّم كاسًا مُترعًا، وماذا أترامى به من المعاني في الوصف، ولم أر في القوس منزعًا. نعم لست أوافق على فكر شاعر، ولا مؤرخ في معارضة مخترعها، ولو كانت حياضهم مُترعة، ورياضهم موشعة، إذ ليس فيهم من ينهض نهوض ابن ناهض في تصيُّد المعنى، حتى (2) يستحقَّ أن يُذكر معه، ولا يبارزه في ميدانه إلا مَنْ يرى في الحال مصرعه، ولا يقارب في تصرفاته في النظم، والشعراء فاعلمن أربعة. هيهات هيهات، كيف يمكن الترجيح وشرطه تقدم المساواة للنِّدين؟ أم متى
(1) في (أ): "حصان".
(2)
في (ط): "حيث".
تتهيَّأ المساواة ومُحالٌ اجتماعُ النَّقيضين من الضِّدَّين، هذا الذي طلع في سماء أوصاف الملوك هلالًا، وصرع نواحيه طيور الأفئدة، فصار ما يتخيَّله فيه الناظر محالًا، ونبغ في شريعة التاريخ، فمن رام مجاراته أنشد: يا صاحبي، ألا لا. هذا الذي أغرب، فأتى بفرائد لا تذكر معها "قلائد العقيان". وأطرب فلحن (1) السواجع لا يصغى إليه مع لحنه وإن أطربَ إنسان، وأقدم فرجع عنه النُّبلاء القهقرى، وأعلم بأن كلَّ مَنْ رامَ معارضته مِنَ الفحول، صيَّره العجزُ وراء الورى، فلقد جلَّى مِنْ هذه السِّيرة المؤيدية عروشًا تأيدت بسلطانها، فيا لعجب تأوَّدت ونطقت بفضل مخترعها الفرد في فنه، فقامت لها قلوبُ الألِبَّاء وقعدت، وأبدت من مفرداتها ومركباتها ما لم يطرق قبله لسامع أذُنًا، وأسمعت من ألحانها المطربة في حانها ما لا يدرك المعارض له لفظًا ولا معنى.
منطق صائب وتلحن أحيانًا
…
وخيرُ الكلامِ ما كان لحنَا
فسبحان من أيَّد فكرته حتى أعربت عن لحن القول، وقوَّاها على البديهة حتى نادتها حوليَّات زهر لا قوَّة لي بهذا ولا حَوْل، وتبارك مَنْ أغناها عن التكلُّف (2) في التصرُّف، فما أغناها، وأراحها مِنَ التوقف عن اتِّباع كلام السِّوى، فما أهياها (3).
لقد توسَّعتْ في فنون الكلام، حتى أهملت بجواهرها كتاب "الصَّحاح"، وترضَّعت بكلِّ درَّةِ خَفَضَ (4) كلُّ لبيب لها الجَنَاح، وترفَّعت بعزِّ سلطانها، فمن رآها نُصْبَ عينيه، قال: ليس على مخترعها مِنْ جُناح، وتنوَّعت بالفنون، فساح طَرْفُ ناظرها في معانٍ فساح.
(هكذا هكذا وإلا فلا لا)
طرق الجد غير طرق المزاح.
(1) في (أ): "فلحق"، تحريف.
(2)
في (أ): "التكليف".
(3)
في (ح): "السواء ما أهناها".
(4)
في (أ): "حفظ"، تحريف.