الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون ضبطه. فإذا ورد مثلُ ما رواه أو معناه مِنْ وجه آخرَ غلبَ على الظَّنِّ أنَّه ضبط، فكلَّما كثُر المتابعُ، قويَ الظَّنُّ، كما في أفراد التَّواتر، فإنَّ أوّلها مِنْ رواية الأفراد، ثمَّ لا يزالُ يكثُر إلى أن يُقْطعَ بصدق المرويِّ، ولا يستطيع سامِعُه أن يدفع ذلك عن نفسه.
وإذا تقرَّر ذلك، فقولُ ابنِ الجوزي ومن تبعه: الحديث الحسن ما كان فيه ضعْفٌ، كلامٌ صحيح في نفسه، لكنه ليس على طريقة التعاريف، فإنَّ هذه صفةُ الحديث الحسن الذي يُوصَفُ بالحَسَنِ إذا اعتضد بغيره، حتى لو انفرد لكان ضعيفًا، وإستمرَّ عدمُ الاحتجاج به حتى إذا عضده عاضِدٌ، ارتقى فحسن، بل يمكن هنا أن يقول هو صفة الَحَسَنِ مطلقًا أعمُّ مِنْ أن يكون وصف بالحَسَن لذاته أو لغيره. فالحَسَنُ لذاته إذا عارض الصَّحيحَ، كان مرجوحًا والصَّحيحُ راجحًا، فضعْفُه بالنسبة لما هو أرجَحُ منه، والحسن لغيره أصلُه ضعيفٌ، وإنما طرأ عليه الحُسْنُ بالعاضِدِ الذي عضده، فاحتُمِلَ لوجود العاضدِ، ولولا العاضِدُ لاستمرت صفةُ الضَّعف فيه كما تقدَّم، واللَّه تعالى أعلم.
وهنا انتهى الكلام على "الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة". وأستغفر اللَّه تعالى مِنْ خطأ وقع لي فيها أو خطل، وألتَمِسُ ممَّن وقف عليها أن يُصْلِحَ ما فيها مِنْ خلل، قاصدًا بذلك الإفادة، بلَّغَهُ اللَّه مرتبة الحسنى وزيادة، إنه على كل شيء قدير (1).
وأما
الحلبيات:
فهي مِنْ أسئلة ابن الشَّيخ العلامة برهان الدين الحلبي مما يتعلَّق بالمبهمات ونحوها (2).
فمنها ما ملخَّصُه: قول المزي: "البخاري" في الجهاد: عن
(1) وقد طبعت هذه الأسئلة بتحقيق محمد إبراهيم حفيظ اللَّه، ونشرتها الدار السلفية في بومباي بالهند سنة 1410 هـ - 1989 م.
(2)
وهي المعروفة باسم "الأجوبة الواردة عن الأسئلة الوافدة". وطبعت بتصحيح عَمرو علي عمر في دار الثفافة العربية 1415 هـ. وهذا السؤال ورد في ص 62 - 65 منها.
سليمان بن حرب، عن محمد بن طلحة بن مصرِّف، عن أبيه، عنه، به.
ظاهر أنَّ الضَّمير في"عنه" لمصعب، وقوله:"به"، أي عن والده، فيكون موصولًا، فلعلَّه كان في الأصل عن مصعب، عن سعد، فتصحّف "عن"، فصارت "بن"، فهل يحسُن هذا جوابًا عَنْ قول النَّووي في "الرياض": هذا الحديث مرسل، وقد وصله البُرقاني في "صحيحه"؟
فأجاب: بأن الذي قاله النووي صحيحٌ، والذي اقتضاه صنيعُ المِزِّي خطأ، وقد وقع له في سياقه تغيير، فإن الذي في الأصل: عن محمد بن طلحة، عن طلحة، فغيَّره بقوله: عن محمد بن طلحة، عن أبيه، وهو بالمعنى، وفيه فائدة، ولكنه توهَّم أنَّه وقع كذلك في الأصل. نعم، هو في ذلك تابعٌ لأبي مسعود، فإنه قال في "الأطراف": البخاريُّ في الجهاد: عن سليمان بن حرب، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، لكنه لم يزِدْ على ذلك، فسلم مِن قوله: عنه به.
وبيان ذلك أنَّ جميع نسخ "البخاري" فيها: عن مصعب بن سعد، قال: رأى سعدٌ أن له فضلًا. . . إلى آخره. فدعوى التَّصحيف بعيدة، مع توارد النسخ على اختلاف أسانيدها إلى الفربري على ذلك.
فإن قيل: يحتمل أن يكون التَّصحيفُ وقع في نسخة الفِرَبْري، رُدَّ بأنَّه وقع في رواية إبراهيم بن معقل النَّسفي الراوي عن البخاري كما وقع عند الفِرَبْري، والنسخة مِنْ رواية ابن معقل وقفت عليها، وهي في غاية الإتقان، وعليها خطُّ أبي عمر بن عبد البَرِّ.
ثم، لو سَلِمَ التَّصحيفُ، لصار هكذا: عن مُصعب، عن سعد، أنَّ سعدًا. وهو إن كان سائغًا بأن يكون مِنْ نوع التَّجريد، لكنه خلاف الظَّاهر.
وقد سبق النَّوويَ إلى دعوى الإرسال فيه الحميديُّ في "جمعه"، ومنه نقل النَّوويُّ، وهذا لفظه: قال في أفراد "البخاري": الخامس: عن طلحة بن مصرِّف، عن مُصعب بن سعد. قال: رأى سعدٌ أنَّ له فضلًا على مَنْ دُونَه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"هل تُنْصَرُون وتُرْزَقُون إلَّا بضُعفائكم". هكذا أخرجه
البخاريُّ مرسلًا مِنْ رواية سُليمان بن حرب، وجوَّده مِسْعَرٌ، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، قال فيه: عن مُصعب بن سعد، عن أبيه. وأخرجه البرقاني مِنْ رواية مسعر وعن غيره مسندًا. انتهى كلامُه.
وقد يُوهِمُ تفرُّدُ سُليمانَ بنِ حرب بذلك، وليس كذلك، فإنَّ الإسماعيليَّ أخرجه في "صحيحه" مِنْ رواية أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، ومِن رواية عاصم بن علي، كلاهما عن محمد بن طلحة عن طلحة عن مُصعب بن سعد، قال: رأى (1) سعدٌ أنَّ له فضلًا. . . الحديث كما عند البخاري.
وقوله: جوَّده مِسعَرٌ، يُوهم تفرُّدَه بوصله، وليس كذلك، فقد أخرجه الإسماعيلي مِنْ طريق معاذ بن هانىء، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، عن مصعب بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّما يَنْصُرُ اللَّه هذه الأمَّةَ بضعفائهم: بدعائهم وإخلاصهم وصلاتهم". ثم ساقه مِنْ طريق أبي حاتم الرازي: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدَّثنا أبي، عن مِسْعَر، عن طلحة بنِ مُصَّرِّف، عن مُصعب بن سعدٍ، عن أبيه رضي الله عنه، أنَّه ظنَّ أن له فَضلًا على مَنْ دُونَه مِنْ أصحابِ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إِنَّما ينصُرُ هذه الأمَّةَ بضُعفائهم: بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم".
وهكذا أخرجه أبو نُعيم في "الحلية" مِنْ رواية عُمر بن حفص، وأخرجه مِنْ رواية سهل بن عثمان، عن ابن أبي زائدة كروايةِ حفص بن غياث، ولفظه: عن محمد بن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن مُصعب، انَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعدٍ رضي الله عنه. . . الحديث.
وقد بيَّنت في "المقدمة"(2) توجيه إخراج البخاري له بنظائرَ لذلك أوردتُها، يظهرُ منها أنَّ روايةَ مَنِ اشتهر بصُحبة أبيه أو قريبه أو مولاه إذا
(1) في (أ): "رأيت"، خطأ.
(2)
يعني مقدمة "فتح الباري" التي سماها "هدي الساري".