الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التفسير:]
وأمَّا التفسير، فكان فيه آيةً مِنْ آياتِ اللَّه تعالى، بحيث كان يظهر التأسُّفَ في إهمال تقييد ما يقع له مِنْ ذلك ممَّا لا يكون منقولًا، وربما قال: يا فضيحتنا من اللَّه تعالى! نتكلَّم في كلامه بالاحتمالات. وفي أواخر الأمر، صار بعضُ طلبته يعتني بكتابة ذلك، لكنني ما أظنُّه وفَّى بالمقصود، كما لم يَفِ به فيما كتبه عنه في القطعة التي سمعها عليه مِنْ "شرح ألفية العراقي" حسبما صرَّح به صاحبُ الترجمة لبعض الفضلاء الثِّقات مِنْ طلبته.
وبلغني عن صاحبنا الشيخ شمس الدين الجوجري، ثم سمعته منه بعد ذلك، قال: كان -يعني صاحب الترجمة- يأتي في مجلسه مِنَ التَّفسير بدقائق ومهمات (1) وغرائب لا تُوجد (2) في سائر التَّفاسير، بل يُنشئها مِنْ فكره، ولا يشتغلُ بإبداء ما في التفاسير مِنَ النُّقول، لسهولة ذلك على مَنْ يطالعها.
وحكى عنه أنه سأل مرَّة في مجلسه الحافل عند الكلام على قوله تعالى: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف: 22] فقال: في أي موضع مِنَ القرآن أخبرهما معًا بعداوة الشَّيطان لهما؟ فأخذ كلُّ واحدٍ مِنَ الحاضرين يكشف ما معه مِنَ التَّفسير، ويتأمل ما في القرآن مِنْ ذلك، وكنت أحدثهم سنًّا، فألهمني اللَّه تعالى أن قلت: في سورة طه: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه: 117]، فأخذ بعضُ الجماعة في معارضتي بقوله: هذا في سورة طه، وهي بعد الأعراف، وسياقُ الآية صريحٌ في سبقِ ذلك، فقلت له: القرآن لم ينزل على ترتيب المصحف الشريف، فأعجبَ ذلك صاحبَ الترجمة، وبرز من الحائط، وقال: باللَّه قل له، وصار يُقبل عليَّ مِنْ ثَمَّ.
قلت: وقد رأيتُ بعض مسوَّداته على بعض الآيات التي ألقاها في
(1) في (ط): "ومبهمات".
(2)
في (ط): "لم توجد".
دروسه، فألفيته نقل كلام الأصبهانيِّ والبغويِّ والبيضاويِّ والثَّعلبيِّ والزَّمخشريِّ والسَّمرقنديِّ والسَّمين والفخر الرَّازي والقُرطبي والماوردي والواحدي وابن بريزة وابن جرير وابن ظفر وابن كثير وابن النقيب ومحمود الزنجاني وأبي حيان، لا على هذا الترتب، بل ينظر (1) الأقدم فالأقدم. وهذا ما وقع له في تلك الآية خاصّة، وإلَّا فهو ينظرُ أكثر مِنْ هذه، فإذا رأى التَّفاسير التي في ملكه وتحت نظره، أخذ حينئذ في إبداء ما عنده، ولم يقل قط: أنا لا أنظرُ في تفسيبر، خوفًا من وقوف قريحتي، ولا يُصَدِّرُ بكلام نفسه، ثم يقول: وقد وافقني فلان، ولم أقف على كلامه إِلَّا بعد مقالتي، ولا قال: انظر إلى كلامي وكلامِ الفخر الرَّازي، وما أشبه ذلك مِنَ الخرافات التي تحاشى العقلاء عَنْ صدورها، نسأل اللَّه السلامة.
وقد سمعتُ مِنْ لفظ صاحب الترجمة أنه تتبَّع رؤوس الآيات مِنْ أول القرآن إلى آخره، فوجد حروف المعجم قد اجتمعت في أواخرها إِلَّا إلخاء المعجمة، وأفاد أنه اشتهر أنه ليس في القرآن آية متأخرة الحكم وهي متقدمة في التِّلاوة، وكلاهما مِنْ سورةٍ واحدة إِلَّا الآية التي في "البقرة" في عدَّة المرأة، وهي قوله:{مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240]، وقوله:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [البقرة: 234]، فإنَّ الثانية مقدَّمة في التلاوة، والأولى مؤخَّرة في التلاوة، والحكم على المقدَّمة دون المؤخَّرة. وألحق بعضُهم بها موضعًا آخر في الأحزاب على رأي، وهو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآية [الأحزاب: 50]، مع قوله:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]. قالت عائشة رضي الله عنها ما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتَّى أحل له النساء، وقيل: هو على ظاهره في التِّلاوة. انتهى، وهو كلام متَّجه.
ورأيته نقل عن أبي العلاء المعري أنَّ أكثر ما وقف عليه في القرآن مِنْ توالي الحروف المتحرِّكة التي لا يتخفلها حرفٌ ساكن ثمانية أحرف، ومثَّل
(1) في (ط): "يتظهر" وفي هامشها: "ينظر".
ذلك بقوله تعالى. {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4]، فمن التاء في "رأيت" إلى الكاف الأولى ثمانية. وأفاد أنه وجد في القرآن بهذا العدد غير هذا، بل وجد تسعة في قوله:{وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا} [الفرقان: 70]، فمن الميم في "آمن" إلى لام "عملًا" تسعة. ووجد عشرة في قوله:{إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ (1) لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] فمن الباء في "ربك" إلى اللام في "غلامًا" عشرة. قال: وهذا أكثر ما وقفت عليه من ذلك إلى الآن، يعني سنة 824. انتهى.
وقرأت بخطِّ مفيدنا الحافظ أبي النعيم المستملي عن صاحب الترجمة أنه قال: اجتمعت حروف المعجم في اثنين، أحدهما في آل عمران {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ. . .} الآية إلى {الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]، والثانية في الفتح {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. . .} إلى آخر السورة [الفتح: 29]، وثالثة ناقصة حرف الشين، وهي بالمزمِّل {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ. . .} إلى آخر السورة [المزمل: 20].
[قلت: وقد سبق اليافعيُّ (2) شيخنا، لكون الآيتين الأوليين فيهما حروف المعجم، وزاد أنَّهما مِنَ الأسرار المخزونة، إذا كُتبتا ومُحيتا (3) بدُهن وردٍ أو غيره مِنَ الأدْهان ودُهن به الأمراض الخطرة والآلام الصَّعبة، برئت بإذن اللَّه تعالى.
نقله عن اليافعي (4) الكمال الدميري في الهمزة مِنْ كتابه "حياة الحيوان"(5) وزاد في خصوص التّداوي: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} إلى
(1) في الأصل: "ليهب"، وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء ونافع وأهل البصرة. انظر تفسير البغوي/ 223، وتفسير ابن كثير 3/ 113.
(2)
و (4) في (أ): "الشافعي"، تحريف. وهو عفيف الدين عبد اللَّه بن أسعد بن علي اليافعي، المتوفى سنة 768 هـ. وهو صاحب كتب "الدر النظيم في خواص القرآن العظيم". انظر الدرر الكامنة 2/ 247 - 249، والأعلام للزركلي 4/ 72.
(3)
في (أ، ب): "إذا كتبتها ومحيتها".
(5)
ص 6.