الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الحنفية العيني وابن الديري، ومِنَ المالكية الشهابُ بنُ تقي، حسبما نبَّه عليه الشيخ أبو القاسم النُّويري في "القول الجاذ لِمَن قرأ بالشَّاذِّ" مِنْ تصانيفه، رحمة اللَّه عليهم أجمعين.
[رواية الحسن البصري عن علي]
ومنها: أنه سئل عن قول الحافظ تقي الدين محمد بن الحسن اللخمي ابن الصيرفي، مَنْ قال مِنْ الأئمة: إن الحسن لم يَلْقَ عليًا، أو لم يثبت له سماع منه، فهو مشكل، ولم يَقُمْ عليه دليلٌ ظاهرٌ، وهو معارَضٌ بما رواه الحافظُ أبو يعلى، قال: حدَّثنا أبو عامر حَوْثَرَة بن أشرس العدوي، أخبرني عُقبةُ بن أبي الصَّهباء الباهلي، سمعتُ الحسنَ يقول: سمعتُ عليًّا رضي الله عنه يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ أُمَّتي مَثَلُ المطر، لا يُدرَى أوله خيرٌ أو آخره. إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، طوبى للغرباء"، فهو نصُّ صريحٌ في سماعه منه، ورواتُه ثقاةٌ، متَّصلٌ بالإخبار والتحديث والسماع. حوثرةُ وثَّقه أحمد، وهو معروف بالرواية عَنْ عُقبةَ، وعُقبةُ وثَّقه أحمد وابن حبان وابنُ معين، انتهى. هل هو صحيح أم لا؟
فأجاب بما نقلته مِنْ خطه: هذا البحث الذي أبداه الصَّيرفيُّ لا يستقيم على قواعِدِ أئمَّةِ الحديث، وإنما يستقيم على قواعد بعضِ أهل الأصول والفقه، لأنَّ مِنْ قاعدة أئمة لحديث عندَ اختلاف الرواة في التَّنافي، تقديمَ قولِ الأكثر والأحفظ والأعرف بالشيخ الذي وقع الاختلافُ عليه، بأن يكون طويلَ المُلازمة له، إمَّا لقرابته منه، لكونه ولدَه أو أخاه أو مِنْ عصابته أو ذوي رحمه، أو لكونه مِنْ جيرانه، إلى غير ذلك. ونشأ لهم ذلك مِنْ اشتراطهم في الصَّحيح وفي الحسن أن لا يكون شاذًّا بعد أن يعرِفوا الشُّذوذَ الذي يشترط نفيه هنا أن يخالف الراوي في روايته مَنْ هو أرجحُ عندَ مَنْ يَعتبِرُ الجمع بين الروايتين، بخلافِ الفقيه والأصولي الذي أشرت إليه، فإن مِنْ قاعدته تقديمَ مِنْ معه زيادة، فإذا أثبت الراوي عن شيخه شيئًا، فنفاه مَنْ هو أحفظُ منه أو أكثر عددًا أو أكثرُ ملازمةً، قالوا: المثبِتُ مُقدَّم على النافي، فقيل: ومِنْ ثمَّ قال ابن دقيق العيد: إن كثيرًا مِنَ العلل التي يرُدُّ بها
أهلُ الحديث لا يردُ بها الفقيهُ والأصوليُّ الحديث. واحترز بقوله "كثيرًا" عن مَنْ وافقَ المحدِّث في بعض ذلك. وقد نصَّ الشافعي على موافقة أهلِ الحديث في تفسير الشَّاذِّ وفي تقديم الأحفظِ، فقال: ليس الشَّاذُّ أن يروي الثقةُ شيئًا، فينفرد به. الشاذُّ أن يروي شيئًا فيخالِفَ فيه مَنْ هو أرجحُ منه. هذا معنى كلامه.
وقال في خبر احتجَّ به عليه بعضُ أصحاب مالك، لأنَّ مالكًا رواه على وفق ما ذهبوا إليه، فقال له الشافعي: خالفه ستةٌ أو سبعةٌ لقيتُهم متَّفقين على خلافِ ما روى مالك، والعدد الكثير أولى بالحفظ مِنَ الواحد، وقرَّره بعض أصحابه بأنَّ ردَّ قولِ الجماعة بقولِ الواحد بعيدٌ، مع أن تطرُّقَ السَّهو إلى الواحد أقربُ مِنْ تطرُّقِه إلى العدد الكثير، ومِنْ ثمَّ اشترط في قبول شهادة المرأة أن يُضم إليها أخرى ليتعاونا على ضبط ما يشهدان به، لأنَّ تطرُّقَ السَّهو إلى المرأة أكثرُ مِنْ تطرُّقه إلى الرجل لنقصها.
وقد وافق بعضُ أهلِ الأصول والفقه هذه القاعدة في بعض الصُّوَرِ، وهي ما إذا اتحد مجلس التحديث، كما لو سمع جماعةٌ مِنْ شيخ في مجلسٍ واحدٍ حديثًا، ثم خرجوا مِنْ عنده، فحدثوا بما سمعوه منه، فخالفهم واحد منهم، فأتى بزيادة تُنافي ما اتَّفق عليه الجماعةُ، فإنَّ روايتهم تقدَّمُ على روايته للعلَّة التي تقدَّمت.
فإذا تقرّرَ (1) هذا، فالذين جزموا بأن الحسنَ البصريَّ لم يسمع مِنْ عليٍّ لما ثبت عندهم مِنْ أنَّ الحَسَنَ لما كان منشؤه بالمدينة النبوية حتى قتِلَ عثمان رضي الله عنه، وله يومئذٍ أربعة عشر عامًا، لم ينقل عنه أنه طلب العلم، ولا تشاغل بسماع الحديث، فلما استخلف عليٌّ رضي الله عنه، وخرج مِنَ المدينة إلى العراق بعد ثلاثة أشهر أو نحوها، استمرَّ الحسنُ بالمدينة، ولم يرجع عليٌّ رضي الله عنه إليها، بل استمرَّ مشتغلًا بحربِ الذين خالفوه إلى أن قُتِلَ عليٌّ رضي الله عنه بعد أربع سنين وثمانية أشهر مِنْ أوَّلِ خلافته، فتوجَّه في
(1) في (ح): "تفرد".