الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقول أبي (1) القاسم الجنيد: مَنْ لم يحفظِ القرآنَ ويكتُبِ الحديثَ، لا يُقتدى به في هذا العلم.
لأنه مضبوطٌ بالكتاب والسُّنَّة.
وقوله أيضًا: كنَّا لا نعبأ بالصُّوفي إذا دَخَلَ الطَّريق بغيرِ علم.
معناه: مَنْ (2) لم يتأدب بآدابِ الكتَاب والسُّنَّة، لا يقتدى به في طريق الصوفية.
[اختياراته:]
وأما اختياراته، فأعرف منها الآن أنَّه كان يُسْفِرُ بصلاة الصُّبح، ويُسِرُّ القنوت مع تخفيفه جدًا، [ويقنت في الوتر](3)، ويتوقَّفُ في اشتراط استحضار النِّيَّةِ بين الهمزة والرَّاء في قول المصلي: اللَّه أكبر، إلى غير ذلك مما لو تُتُبِّع "شرح البخاري"، لوجد فيه منها الكثير. على أنَّه بلغني أنَّ بعضَ أصحابنا مِنْ طلبته كتب عنه شيئًا مِنْ ذلك، وفي "شرح البخاري" مزيدُ كفايةٍ منها.
ولما صلَّى على شيخ الإسلام المحبِّ بنِ نصر اللَّه البغدادي الحنبلي وسبق، فجلس عد القبر ليشهد الدَّفنَ، وجِيءَ بالنَّعش قام إلى الجنازة، فإما أن يكون وافق النَّووي في اختياره استحبابَ القيام للجنازة، وتعقُّبَه دعوى النسخ، وكذا قول المتولي، أو (4) يكون قيامُه لما انضم إليه مِنْ كونه عالمًا، وأنه لا يرى القيامَ مُطلقًا.
وقد سئل عن مِنْ تشاغلَ بالعبادة ونحوِها حتَّى نَسِيَ ما كان يحفظه مِنَ القرآن.
(1) في (أ): "أبو"، خطأ.
(2)
ساقطة مِنْ (ب).
(3)
ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط).
(4)
في (ط): "أن".
فأجاب: بأنَّه قد وَرَدَ في الحديث الوعيد في حق مَنْ قرأ القرآن، بل آيةً منه ثمَّ نَسِيَ ذلك، وظاهرُه يقتضي التَّحريم، فيجبُ على مَنْ وقع له ذلك أن يُبادِرَ إلى حفظِ ما نَسِيَ قليلًا قليلًا إن شَقَّ عليه الكَثْرَةُ.
قلت (1): ونسيان القرآن معدود في الكبائر. قال الرَّافعي: وللتَّوقُّفِ مجالٌ، يعني في ذلك، أي: إذا لم يكن عَن إهمالٍ وقصدٍ لذلك، ولكن استأنس النَّوويُّ رحمه الله بذلك بالحديث الوارد في الوعيد، وقال: إنَّه تكلَّم فيه الترمذيُّ، أي: مِنْ جهة رواية عبد المطلب بن عبد اللَّه بن حَنْطَب، فإنه لم يسمع مِنْ أنس ولا مِنْ غيره مِنَ الصَّحابة إلا قوله: حدثني مَنْ شهِدَ خُطبةَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقد حمل الشيخ شهاب الدين أبو شامة المقدسيُّ الأحاديثَ في ذمِّ نِسيان القرآن على ترك العمل، فإنَّ النِّسيان هو التَّركُ، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115] قال: وللقرآن حالتان، أحدهما: الشفاعة لمن قرأه ولم يَنْسَ العملَ به. الثانية: الشِكَاية لمن تركه تهاونًا به ولم يعمل بما فيه.
قال: ولا يبعُدُ أن يكونَ مَنْ تهاون به حتَّى نسي تلاوته كذلك.
وألحقَ بالدُّعاء والصَّدَقَةِ في وصول ثوابهما للميت الأضحية لعدم الفارق. والمصحَّحُ في مذهب الشافعي أنَّ الأضحيةَ لا تَصِلُ.
وحكى لي بعضُ أصحابنا أن صاحب الترجمة أشار إليه بأن يأخذ مصحفًا (2) كان معه، فاعتذر بأنه على غير وضوء، فقال: أنا أرى أنَّك إذا تناولته بِكُمِّكَ أو بحائلٍ مع استحضار التَّعظيم، لا حرج عليك، أو نحو هذا. قال صاحبنا: فامتنعتُ مِنْ تناوله منه، واستحييتُ مِنْ مخالفته.
قلت: وقد روى الحافظُ الخطيب في ترجمة محمد بن كُزدي مما رواه محمد (3) عن أبي بكر المرُّوذي، قال: كان أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل
(1) مِنْ هنا إلى قوله: "حتى نسي تلاوته كذلك" ورد في هامش (ب) بخط المصنف.
(2)
في الأصول: "مصحف"، وهي هكذا بخط المؤلف في (ح).
(3)
في (أ): "أحمد"، خطأ.
ربَّما قرأ في المصحف وهو على غيرِ طهارَةٍ فلا يمسه، ولكن يأخذُ بيده عُودًا أو شيئًا يُصَفِّحُ به الورق.
واختار وجوب الجَلْد أو الرَّجم على المأنوثِ، كالذي يُجامعه، لصحة الدليل به، والمفتَى به عند الشَّافعية الاقتصارُ على الحدِّ الزاجر له عَنْ ذلك، واللَّه أعلم.