المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تعقبه على النووي في الأذكار] - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - جـ ٢

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌ الإملاء

- ‌[وظائفه]

- ‌[وظيفة التفسير:]

- ‌[وظيفة الوعظ:]

- ‌[وظيفة الحديث:]

- ‌[وظيفة الفقه:]

- ‌[وظيفة الإفتاء:]

- ‌[وظيفة المشيخة:]

- ‌[وظيفة الخطابة:]

- ‌[وظيفة خزن الكتب:]

- ‌[دروس ابن حجر:]

- ‌[التفسير:]

- ‌[فتاويه:]

- ‌[خُطَبُه:]

- ‌[القضاء:]

- ‌[آفات القضاء]

- ‌[بعض أعماله في القضاء:]

- ‌ذكر الإشارة إلي محنته التي شارك فيها غيره من السادات بسبب ولده

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الخامسفيما علمته من تصانيفه ومَنْ حصَّلها مِنَ الأعيان وتهادي الملوك بها إلى أقصى البلدان وما كتبه بخطه مِنْ تصانيف غيره ليظهر حسن قصده وعظم خبره

- ‌[مصنفات ابن حجر]

- ‌الأربعينات

- ‌المعاجم والمشيخات

- ‌تخريجه لشيوخه وغيرهم

- ‌الطرق

- ‌الشروح

- ‌علوم الحديث

- ‌فنون الحديث

- ‌الرجال

- ‌[صفات المؤرخ]

- ‌الفقه

- ‌أصول الدين

- ‌أصول الفقه

- ‌العروض والأدب

- ‌[اعتناء الملوك بتصانيف ابن حجر]

- ‌[مشاهير من نسخ مصنفات ابن حجر]

- ‌[وليمة فتح الباري]

- ‌[مَنْ كَتَبَ فتح الباري]

- ‌[شروح البخاري]

- ‌فصل

- ‌الباب السادسفي سياق شيء من بليغ كلامه نظمًا ونثرًا وفيه فصول

- ‌[تقريظ كتاب نزول الغيث للدماميني]

- ‌[تقريظ بديعيه الوجيه العلوي]

- ‌[ما كتبه على قطعة لابن ناهض]

- ‌[تقريظ سيرة ابن ناهض]

- ‌[تقريظ بديعية ابن حجّة]

- ‌[تقريظ آخر على بديعية ابن حجّة]

- ‌[وقد قرض شيخنا لابن حجّة قصيدته الثانية التي امتدح بها البدري بن مزهر حسبما أشار إليه النواجي في "الحجة"، فينظر]

- ‌[تقريظ عجاله القرى للتَّقي الفاسي]

- ‌[تقريظ الزهور المقتطفه من تاريخ مكة المشرقة للتقي الفاسي]

- ‌[تقريظ تحفة الكرام للتقي الفاسي]

- ‌[تقريظ مجموع تقي الدين الكرماني]

- ‌[تقريظ ديوان الملك الأشرف]

- ‌[تقريظ ديوان الملك الكامل]

- ‌[تقريظ الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[تقريظ شرح عقود الدرر في علوم الأثر لابن ناصر الدين]

- ‌[تقريظ وجهة المختار لابن سويدان]

- ‌[تقريظ شرح منهاج البيضاوي لابن إمام الكاملية]

- ‌[تقريظ الأربعين لجلال الدين البلقيني]

- ‌[تقريظ نزهة القصَّاد للشريف النسَّابة]

- ‌[تقريظ الغيث الفائض في علم الفرائض للحسيني]

- ‌[تقريظ مسألة الساكت للسوبيني]

- ‌[تقريظ في منظومة الشغري في النحو]

- ‌[تقريظ البرهان الواضح للناس لابن أبي اليُمن المكي]

- ‌[تقريظ زهر الربيع في شواهد البديع لابن قرقماس]

- ‌[تقريظ الجامع المفيد في صناعة التجويد للسنهوري]

- ‌[تقريظ تحفة الأنفس الزكية لأبي حامد القدسي]

- ‌[تقريظ كتب السخاوي]

- ‌[تقريظ مرثية لابن الغرز]

- ‌[تقريظ موشح]

- ‌[تقريظ على درج الجمال ابن حجاج]

- ‌[تقريظ نظم لعبد السلام البغدادي]

- ‌الفصل الثاني فيمن عرض محافيظه عليه أو كتب له إجازة ممن تردَّد إليه

- ‌[الكتب المعروضة علي ابن حجر]

- ‌[إجازات ابن حجر]

- ‌ رسائله

- ‌الفصل الرابع في‌‌ المقترحاتوالمطارحات والألغاز البديعة الإيجاز

- ‌ المقترحات

- ‌[المطارحات]

- ‌الألغاز

- ‌[مقاطيعه]

- ‌الفصل الخامس فيما ورد عليه من الأسئلة المنظومة وجوابه عنها بفكرته المستقيمة

- ‌الفصل السادس في نبذة مِنْ فتاويه المهمة المتلقاة بالقبول بين الأئمة

- ‌ المكيات:

- ‌ المدنيات:

- ‌ القدسيات:

- ‌ اليمنيات:

- ‌ الشاميات:

- ‌[حديث الجسَّاسة]

- ‌فصل

- ‌[ترجمة الكسائي]

- ‌فصل

- ‌[بيان الحديث الحسن]

- ‌ الحلبيات:

- ‌ المصريات:

- ‌[بدعة الزيادة في الأذان]

- ‌ القاهريات:

- ‌[تضعيف حديث الماء المشمس]

- ‌[حديث: مَنْ مَلَكَ ذا رحم محرم فهو حرّ]

- ‌[حديث فضل الصلاة في المسجد النبوي]

- ‌[حكم لبس الأحمر]

- ‌[زنة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[حديث بريدة في خاتم الحديد]

- ‌[حديث الظالم عَدْلُ اللَّه في الأرض]

- ‌[حديث لا يدخل الجنة ولد زنا]

- ‌[حديث مَنْ كان ذا مال ولم يحج]

- ‌[المفاضلة بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما]

- ‌[هل أذَّن الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌[المراد بالأحرف السبعة]

- ‌[رواية الحسن البصري عن علي]

- ‌[خرقة التصوف]

- ‌[الشيخ عبد القادر الكيلاني]

- ‌[حديث ازهد في الدنيا يحبك اللَّه]

- ‌[هيئة الخطوة المفسدة للصلاة]

- ‌[تفسير قوله تعالي: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى]

- ‌[توثيق الإمام أبي حنيفة]

- ‌ معنى قوله تعالى: {مُسَوِّمِينَ} [

- ‌[السيدة نفيسة بنت الحسن والإمام الشافعي]

- ‌[ترجمة السيدة نفيسة]

- ‌[قبر الحسين]

- ‌[بدع القرّاء]

- ‌[حكم الغلط في النسخ]

- ‌[الاعتراض علي القاضي عياض]

- ‌[شروط العمل بالحديث الضعيف]

- ‌ أصول الفقه:

- ‌ أصول الدين:

- ‌[تعقبه على النووي في الأذكار]

- ‌[اختياراته:]

الفصل: ‌[تعقبه على النووي في الأذكار]

جلالته في سائرها، وكذا يعرفُ ذلك مَنْ نظر في "تذكرته" التي غاب عنِّي الآن ما التقطتُّه عنها.

[تعقبه على النووي في الأذكار]

وقد رأيتُ فيما رأيته بمكَّةَ مِنْ أجزاء "تذكرته الأدبية" المؤرخة بعدَ التسعين وسبعمائة مواضع استشكلها مِنْ كلام شيخ الإسلام النووي، ولا أدري أهي مبتكرةٌ له، أو اتبع فيها والده، أحببتُ إيرادها، وإن كان في "فتح الباري" قد بين أكثرها، فقال:

قال النَّوويُّ رحمه الله في "الأذكار": باب جواز دُعاء الإنسان على مَنْ ظلم المسلمن أو ظلمه وحده، وذكر أحاديث صحية كدُعائه، صلى الله عليه وسلم على قُريشٍ وعلى مُضَرَ وغيرهم. وحكى في باب اللعن عَنِ الغزالي أنَّه قال: وفي الدُّعاء على الإنسان بالشَّرِّ حتى على الظَّالم، مثل: لا أصحَّ اللَّه جسمه، ولا سلمه اللَّه، وكلُّ ذلك مذمومٌ.

قال شيخنا: ولم يتعقب النووي رحمه الله هذا، مع أنَّ ظاهره التَّناقُضُ مع ما قدمه.

فإن قيل: تلك الأحاديث في حقِّ الكافرين، ولعلَّ الغزالي أراد الظالم المسلم.

قلت: قد صحَّ الحديث الذي فيه: "لا استطعت"، وأنَّه صحابي اسمُه بشر. كذا ذكره النووي، وقال: ففيه دليلٌ على جواز الدُّعاء على مَنْ خالف الحكمَ الشَّرعيَّ.

قال شيخنا: فكيف يجمع بين كلامه؟

وقال في "شرح صحيح مسلم" في خُروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ليلًا، إلى أن قالت عائشة رضي الله عنها: قلت: كيف أقول يا رسول اللَّه؟ قال صلى الله عليه وسلم: "قولي: السلامُ على أهل الدِّيار مِنَ المؤمنين والمسلمين"، فقال: قال الخطَّابي وغيره: فيه أنَّ السَّلامَ على الأموات والأحياءِ سواءٌ في تقديم السَّلام على قوله: "عليكم"، بخلاف ما كانت الجاهليَّةُ عليه مِنْ قولهم:

(عليك سلام اللَّه قيسَ بنَ عاصم). انتهى.

ص: 957

قال شيخنا: وقد قال في باب السلام: لو قال المبتدىء: عليكم السلام، هل يكره؟ نعم، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقُلْ: عليكَ السَّلامُ، فإنَّ عليك السلام تحيةُ الموتى". فهذا يقتضي: أن لا يستوي الأحياء والأموات، أو يجاب عن الحديث المذكور.

وقال أيضًا -يعني النووي- قال الواحديُّ: وأمَّا المشتغلُ بقراءة القرآن، فالأولى أن لا يُسَلَّم عليه، فإن سُلِّمَ، كفاه الرَّدُّ بالإشارة. قال: والظَّاهر أنه يسلم، ويجبُ الرَّدُّ نطقًا. ثم قال: وإذا كان مشتغلًا بالدُّعاء، مستغرقًا فيه، مُجْتَمِعَ القلبِ، فالأظهر عندي أنه يُكرهُ السَّلام عليه؛ لأنَّه يتنكَّدُ به، ويشقُّ عليه أكثر مِنْ مشقَّة الأكل.

قال شيخنا: فإذا كان القارىءُ بهذه الصِّفَةِ، كان حكمُه حكمَه، وإلَّا فما الفرقُ، وهلا حَمَلَ كلام الواحديِّ على مَنْ هو بهذه الصِّفة التي ذكرها في الدَّاعي؟ بل كلام الواحدي أقرب، فإنه قال: الأولى أنْ يَرُدَّ، وقال هو: يكره. فما العُذْرُ عنه؟

وقال أيضًا في قول عائشة رضي الله عنها: لو علم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما أحدثَ النِّساءُ لمنعهُنَّ. قال: يعني مِنَ الزِّينة والطِّيبِ والثِّياب الحَسَنَة ونحوها (1).

قال شيخنا: المنع مِنْ المذكورات كان مُقَرَّرًا في السُّنَّةِ قبلَ قولها هذا، والأحاديثُ الصَّحيحةُ في ذلك معلومةٌ ظاهرة، وقد ورد في بعض طرقه:"كما مُنِعَت نساءُ بني إسرائيل"، فالظَّاهر أنها أرادت المنعَ مِنْ إتيان المساجد. وقد قال أصحابُنا: لا يُسَنُّ لها حضورُ الجماعة إلا أن تكونَ عجوزًا لا تشتهى، وكذا قولهم في الجمعة، ولم يُعلِّلُوا ذلك بطِيبٍ ولا غيره، ويستدلُّونَ في الشُّروحات بحديثِ عائشةَ هذا.

وقال أيضًا في قوله: "كان يُسْمِعُنا الآية أحيانًا" فعلَه لبيانِ جوازِ الجَهْرِ

(1) جاء في هامش (ح) ما نصه: يظهر مِنْ أول هذا الكلام أنه فهم إلى قوله: يحني مِنْ الزينة إلخ، متعلق بقوله لمنعهن. وليس كذلك، بل هو متعلق بقوله: ما أحدث النساء. وقوله: لمنعهن، أي: مِنْ المساجد، كما هو في آخر الكلام. فافهم. والضمير حينئذ في "هن" للنساء.

ص: 958

في الصَّلاة السِّرِّيَّة، وأن الإسرارَ ليسَ بواجبٍ وللبيان، أو لعله سبق لسانه للاستغراق في التَّدبُّر.

قال شيخنا: إنَّه خلافُ الظَّاهر، فإن كان يفعل، يقتضي تجدُّدَ الفعل والمفعول لبيان الجواز يكتفي فيه بمرَّةٍ أو مرَّاتٍ، وهذا فحواه المواظَبَةُ.

وقال في قوله صلى الله عليه وسلم: "يدخُلُ الجنَّة مِنْ أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب"، وفسَّره بأنهم "الذين لا يرقُون ولا يَسْتَرقُون ولا يَكْتُوون وعلى ربهم يتوكلون"، وحكى فيه أقوالَ السَّلَفِ، ثم قال: وأما تداويه، فلتبيين الجواز.

فقال شخنا: هو كالذي قبله.

وقال أيضًا في باب تكنية الكافر: إنَّه إذ لم يخَفْ فتنة، لا يكنيه، وذكر قصَّة هرقل، وأنه صلى الله عليه وسلم كتب إليه، ولم يُكَنِّه، ولا لقَّبه بملك الروم، ولأنّا مأمورون بالإغلاظ لهم، فلا نُلِينُ لهم عبارة، ولا نُرَقِّقُ لهم قولًا.

وقال: فرع: إذا كتبت إلى مشرك كتابًا؛ وكتبت فيه سلامًا ونحوه، ينبغي أنَّ يكتُبَ ما رويناه، فذكر القصة، وقال: عظيم الروم.

قال شيخنا: فهذا ظاهره التناقض؛ فالحديث واحدٌ، والاستدلالُ مختلفٌ، فما وجهُ الجَمْعِ بين كلاميه؟!

وقال أيضًا في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الملائكة لا يدخُلون بيتًا فيه كلبٌ ولا صورة" بعد أن حكى الخلاف في المُمْتَهَنِ وغيره، وما له ظلٌّ وغيره، وأنَّها تمتَنِعُ عقوبة لفاعلِ ذلك، فإنَّهم ملائكةٌ ينزِلونَ بالرحمة والاستغفار، أو لكثرة أكلِ الكلب النَّجاساتِ، أو لأن منها ما هو شيطان.

ثم قال: وهل يمنعون مِنَ المُحرَّم فقط، أو منه ومِنْ غيره؟ قال الخطابي: مِنْ المحرَّم فقط. فإذا كنتِ الصُّورةُ ممتهنةً، أو الكلبُ لصيدٍ أو زرعٍ أو ماشيةٍ، فلا.

قال: وذكر القاضي عياضٌ نحو ما قاله الخطَّابيُّ، والأظهرُ أنَّه عامٌ في كلِّ كلبٍ وكلِّ صورة، وأنهم يمتنعون مِنَ الجميع، لإطلاق الأحاديث، لأنَّ الجَرْوَ الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحتَ السَّريرِ كان فيه عُذْرٌ ظاهر، فإنَّه

ص: 959

لم يَعْلَمْ به، ومع هذا مُنِعَ جبريل عليه السلام مِنْ دُخول البيت، وعلَّل بالجرو. فلو كان العذرُ مِنْ وُجود الصُّورة والكلب لا يمنعهم، لم يمتنع جبريل.

قال شيخنا: لا ينطبق هذا الاستدلالُ على كلامهما، أمَّا الصُّورة، فلم يتعرَّض لها، وأما الجرو فإنهما استُثنيا ما يجوز اقتناؤُه، والجَرْو المذكور لم يثبت أنَّه بالصِّفَةِ المذكورة، فعَدَمُ العلم لم يُزِلِ الامتناع.

وقال أيضًا في الكلام على حديث "جُعِلَ في قبرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء":

نص الشافعيُّ وجميعُ أصحابنا وغيرُهم مِنَ العلماء على كراهة وَضْعِ قطيفة أو مُضَرِيَّة أو مخدَّة ونحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذَّ عنهم البغويُّ مِنْ أصحابنا، فقال في كتاب "التهذيب" بذلك لهذا الحديث: والصَّواب كراهتُه، كما قال الجمهور، وأجابوا عن الحديثِ بأنَّ شُقْران انفردَ بذلك، ولم يوافقه غيره مِنْ الصحابة، ولا علموا ذلك، وإنما فعله شُقْران كراهة أن يلبَسَها أحدٌ بعدَ النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يلبَسُها ويفترِشُها، فلم تَطِبْ نفسُ شُقرانَ أن يتبذَّلها أحدٌ بعده، وخالفه غيرُه، فروى البيهقيُّ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّه كره أن يُجْعَلَ تحتَ الميت ثوبٌ في قبره.

قال شيخنا: قولهم في الجواب: إنَّ شُقران انفرد بذلك، ولم تعلم به الصَّحابة خلافُ الظَّاهر، وكيف يستقيمُ ذلك مع ما عُلِمَ مِنْ توفُّرِ دواعيهم على حُضور دفنه، فيبعدُ أن لا يعلَمَ أحدٌ منهم بإحضارِ شُقران القطيفة، وجعلِها تحتَه في قبره. وهذا أمر حِسِّيٌّ، وكيف يُظَنُّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُقِرُّ على أمر مكروه في الشرع، مع نُور بصائرِ الصَّحابة وائتلاف كلمتهم على المواراة، فإنهم أخَّرُوا دفنه حتى انتظمت الكلمة وصحَّتِ الإمامة، فترجَّح ما قالَهُ صاحبُ "التَّهذيب".

وقال أيضًا في باب الوفاء بالوعد بعد أن ذكر أدلَّته مِنْ الكتاب والسنة كقول اللَّه تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} الآية [الصف: 3]، وقوله عليه

ص: 960

السلام: "آية المنافق ثلاث" الحديث. ورواه مسلم "وإن صام وصلَّى وزَعَمَ أنَّه مؤمن".

فقال: اختلفُوا في وجوبه، فذهب الشافعيُّ وأبو حنيفة والجمهور إلى أنَّه مُسْتَحَب، وليس واجبًا، فلو تركه فاته الفضلُ، وارتكب كراهةَ تَنْزيهٍ، ولكن لا يأثَمُ، وذهب جماعةٌ إلى أنه واجبٌ. قال ابن عبد البَرِّ: أجَلُّ مَنْ قال بوجوبه عمرُ بنُ عبد العزيز.

قال شيخنا: لم يذكر جوابًا عن الآيات والأحاديث، لا سيما آية "الصف"، وحديث "آية المنافق" كما تقدم. والدِّلالة للوجوبِ فيها قويَّةٌ، فكيف حملوه على كراهية التنزيه، مع هذا الزَّجْرِ الشَّديد الذي لم يَرِدْ مثلُه إلّا في المحرَّمات الشَّديدة التحريم؟

الأدب:

وحكيتُ مِنْ تضلُّعه بفنِّ الأدب ما يفوقُ الوصفَ، [وأنَّه -كما في أوائل الباب الثاني- لم يكن يسمعُ شعرًا إلا ويعرِفُ مِنْ أين أخذه النَّاظم، حتَّى إنَّه كتب مقابلَ مقطوع أدرجه البشتكيُّ -وناهيك به في فنِّ الأدب- في نظم نفسه أنَّه لغيره، بل ونبَّه أنه رآه البشتكيُّ نفسه معزوًا لمَنْ أفادَ أنه له، كماَ بيَّنتُ ذلك هناك](1).

وكانت له تشبيهاتٌ بديعةٌ؛ منها: أنَّه رأى ضَوْءَ القنديل مرَّة قد ضَعُفَ، ولم يجِد به علة سوى انخناق الفتيلة (2) بالزَّيت، فأخذَ قلمًا، ومصَّ بفيه يسيرًا مِنَ الماء، فأضاءَ جدًّا، فقال: شبَّهتُ هذا بالآدمي عند إخراجِ الدَّمِ بالفصد ونحوِه وحصُول الخفَّة له غالبًا.

قلت: ومِنْ نظم الشَّرف عبد الوهاب بن فضل اللَّه أخي محيي الدين:

(1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح).

(2)

في (أ): "القنديل".

ص: 961

لم يروّع له الجنانُ جنانًا

قد أصاب الحديدَ منْهُ الحديدا

مئل ما تنقصُ المصابيحَ بالبطِّ

فيزداد في الضِّياءِ وَقُودَا

وأنشد مرَّةً قولَ القائل:

عافتِ الماءَ في الشِّتاء فقُلنا

برِّديه تُصادِفيه سَخِينا (1)

أنشده بإدغام اللام في الراء، فاستصعب ذلك بعضُ الحاضرين، فقال: مَنْ يقرأ سورة (والمطففين) يعرِفُ هذا، فبادر بعضُ الفُضلاء مِمَّنْ حضر، وقال: مَنْ يعرِفُ الفَكَّ يعرف هذا، وأشار إلى قوله:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14].

وأنشد (2) بعضُ الفضلاء بحضرةِ صاحبِ التَّرجمة:

ياعالمًا قَدْ حلَّ إقليدسا

لم يُخْطِهِ شَكْلٌ مِنَ أشكالِهِ

فأيُّ شيءٍ نِصْفُهُ عُشْرُهُ

ونصفه الثاني (3) تِسْعَة أعشارِهِ

فجالت أفكار الطَّلبة في ذلك، فبادر منشِدُها بقوله: هذا كتابُ اللَّه عز وجل؛ لأنَّ عُشْرَه ستةُ أحزاب، ونصفَه عددًا سبعةٌ وخمسون سورةً، وذلك عدُّ سوَرِهِ مِنَ المجادلة إلى آخره الذي هو ستَّة أحزاب، وأردف ذلك بقوله: هذا لا يُوجَدُ في غير القرآن.

فقال صاحب الترجمة: قد وجدت اسمًا يتصور فيه مثل ذلك، وهو الفرس، فحارتِ الأفكارُ في معنى هذا، فقال بعضهم: لعلَّ مولانا شيخ الإسلام أراد اسم الفرس بغير اسمه العربي، [فأجابه بأنَّك فهمتَها، وذلك لأن اسم الفرس](4) بالتركي (أط)، وهو حرفان، وبحساب الجُمَّل عشرة،

(1) انظر معيدا النعم للسبكي ص 98.

(2)

مِنْ هنا إلى قوله: "فأحسن إذا شئت واستأنس" لم يرد في (ب).

(3)

ساقطة مِنْ (ط).

(4)

ما بين حاصرتين مِنْ (ط).

ص: 962

فنصفها بالعد عُشْرُها بالحساب.

ونقل عن عبد اللَّه بن المعتز أنَّه قال: أجمع بيتٍ قاله العربُ:

أمُسْتَوْحِشٌ أنْتَ ممَّا أسأتَ

فأحْسِنْ إذا شِئْتَ واسْتَأنِسِ

ومن فوائده مما قرأته بخطه، قال: ضاع مني كُرَّاسٌ، فتعبت في التَّفتيش عليه بين الكتب والكراريس، فألهمني اللَّه تعالى أن قلت: يا سميعُ يا بصيرُ (1)، بِقُدرتك على كلِّ شيءٍ، وبعلمِكَ كل شيء، دُلَّني على هذا الكُرَّاس، فوجدُته في الحال. انتهى.

وأفاد رحمه الله أنَّ في "نشوان المحاضرة" للتَّنُوخي، قال: حدثني إبراهيم بنُ أحمد الطَّبري، حدثا جعفر الخُلْدِيُّ، قال: ودَّعْتُ العُتْبي الصُّوفي، فقلت: زَوِّدْني شيئًا، فقال: إن ضاع منك شيءٌ، فقل: يا جامِعَ النَّاس ليومٍ لا ريبَ فيه، إنَّ اللَّه لا يُخْلِفُ الميعاد، اجمع بيني وبينَ كذا، فإنَّه مُجَرَّبٌ، وذكر أنه جرَّب ذلك في قصةٍ طويلة.

قلت (2): وكذا قال النَّووي في "بستان العارفين" أنَّه جربه، فوجده نافعًا سببًا لوجُود الضَّالَّةِ عَنْ قُرْبٍ غالبًا. وحكى عن شيخه أبي البقاء نحوَ ذلك.

وفي كرامات الأولياء مِنْ (3)"رسالة القشيري"، قال: كان لجعفر الخُلدي فصٌّ، فوقع يومًا في دجلة، وكان يحفظُ دعاءً مجربًا لردِّ الضَّالة، فدعا به، فوجده في وسط أوراقٍ كان يتصفَّحُها.

قال القشيري: سمعتُ أبا حاتمٍ السِّجستانيَّ يقول: سمعتُ أبا نصر السَّرَّاجَ يقول: إنَّ ذلك الدعاء: يا جامعَ النَّاسِ ليومٍ لا ريبَ فيه، اجمع عليَّ ضالَّتي.

(1) في (ح): "يا عليم".

(2)

في هامش (ح) بخط المصنف ما نصه: ثم بلغ الشيخ عز الدين نفع اللَّه به قراءة علي في 22 والجماعة سماعًا.

(3)

في (أ): "عن".

ص: 963

ومن كلامه في شرح كلمات التَّصوُّف:

قولهم: الصوفية لا يجتمعون عَنْ موعد، ولا يتفرَّقُون عَن مشُورة.

إشارة إلى أنَّ قلُوبهم مجتمعة، فمن أراد الاجتماع بالآخر، لا يحتاج إلى موعد، بل يحصُل له الاجتماع بمجرَّدِ الإرادةِ والاحتياج إليه.

وقولهم: الصُّوفيُّ لا يجاوزُ همَّهُ قدمَه.

معناه أنه قَصَر الهمَّ على ما يتعلَّقُ بأمرِ الدِّين، فلا اهتمامَ له بأمرِ الدُّنيا، فهمُّه مقصورٌ على نفسه.

وقولهم: ما اتَّخذَ اللَّه مِنْ وليٍّ جاهلٍ، ولو اتَّخذه لعلَّمَهُ.

معناه: -وليس هو حديث- إنَّ الوليَّ لا يكون جاهلًا باللَّه تعالى، والجهل باللَّه هو الجهلُ المُرْدي المهلك، وأمَّا الجهلُ ببعضِ المسائل، بحيثُ لا يكون الشَّخصُ محتاجًا إليها في جميع أحواله، بل إذا اضطرَّ إليها لم يُقْدِمُ عليها حتَّى يسألَ عنها أهلَ العلم بها، فليس المراد هنا.

وقولهم: السَّفر يُمَزِّقُ الأديان.

المراد به إدامة السَّفر، ومعنى تمزيق الدين: أنَّ فيه إخلالًا بكثيرٍ مِنَ العبادات والتوجُّهات، وهذا يؤيِّدُ قولَ مَنْ قال أيضًا: السفر عدوُّ الدِّين، وذلك بسببِ كثرةِ الحركة والإعياء، وكثرة الاختلاط والتَّخليط في المآكل المجتمعة مِنْ أجناسٍ متفرقة في أماكنَ مختلفةٍ باختيار وبغيرِ اختيارٍ.

قلت: وقد قال أبو المعالي جعفر بن حيدر العلوي فيما رواه السِّلَفِيُّ في "معجم السفر": الصوفي إذا سافر، فقدِ اختارَ الخرابَ على العمران، يعني التَّعبَ على الراحة، لكن الكنوز قد تُوجَدُ في الخرابات، ولا يوصل إلى الفوائد إلَّا بتعبِ النَّاس، لا بالراحة.

وقولهم: وجدنا إخوان زماننا مثلَ مَرَقةِ الطَّباخ، طيِّبة الرَّائحة، لا طعمَ لها.

المراد بتشبيه مودَّتِهم بما ذُكِرَ: أنَّها في الغالب تكونُ في الظَّاهر، لا في الباطن.

ص: 964