الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَمْتًا} [طه: 105 - 107]. وكذا الفاتحة، واللَّه أعلم] (1).
وأنشدني صاحب الترجمة مرة:
رأى فحبَّ فرام الوصلَ فامتنعوا
…
فسامَ صبرًا فأعيى نيله فقضى
وسأل الجماعة: أفيكم مَنْ يعرف في القرآن توالي التعقيب بالفاء مثل هذا؟ فلم يستحضر ذلك أحدٌ، فتلا هو في الحال:{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 13 - 15]، وأنها قُرئت "فلا" بالفاء أيضًا.
[وقد أرسل له الظَّاهر جقمق، بمصحف فيه تقديم بعض الآيات وكذا السُّور على بعض، وزيادة ونقص وأشياء مباينة للمتواتر، يستخبره عن أمره، فلم يتبين له أمره، وتركه فيما أظن عنده](2).
[فتاويه:]
وأما فتاويه، فإليها النِّهاية في الإيجاز، مع حُصول الغرض، لا سيما المسائل التي لا نَقْلَ فيها، فإنَّه كان أحسن عُلماء عمره فيها تصرُّفًا، لا يُجارى فيها ولا يُمارى، يُخرِّجُها على القوانين المحرَّرة بالدَّلائل المُعتبرة، وهو فقيه النَّفس.
وكان يكتب في كلِّ يوم غالبًا -على أكئر مِنْ ثلاثين فُتيا، حتى إنَّه في حال سيره إلى مكة المشرفة، وهو على راحلته، ناوله بعض المسافرين، وهو الشيخ شرف الدين يونس الواحي فُتيا، فثنى رجله، وكتب. هذا مع شغل باله بأمر السَّفر، إِلَّا أنه أحب المزيد مِنْ الأجر، لما فيه مِنَ الإرشاد وإغاثة الملهوف.
(1) من قوله: "قلت: وقد سبق اليافعي" إلى هنا لم يرد في (ب).
(2)
ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
وقد قال المهلب في "شرحه" للبخاري: إن الفُتيا في الطريق، أو على الدابة ونحو ذلك مِنَ التَّواضع، فإن كانت لضعيف، فهو محمود، وإن كانت لرجل مِنْ أهل الدُّنيا، أو لمن يُخشى لسانُه، فهو مكروهٌ، يعني حيثُ أمِنَ حصول ضرر بتركه. [وكذا إذا لم يلحق المفتي بذلك زَهْوٌ وإعجاب ونحو ذلك](1).
لكن قد حكي عن بعض الأجلَّاء أنَّه أوصى بعض طلبته، فقال: لا تسألني عَنْ أمر الدين وأنا ماشٍ ولا وأنا أتحدث مع النَّاس، ولا وأنا قائم، ولا وأنا متكىءٌ، فإنَّ هذه أماكن لا يجتمعُ فيها عقلُ الرَّجل. لا تسألني إِلَّا في وقت اجتماع العقول. انتهى.
وقد تقدَّم في الباب الثاني (2) حكاية شُرب صاحب التَّرجمة لماءِ زمزم في تيسير أمر الفتاوى عليه. ولكثرتها زَعَمَ بعضُ الحُسَّادِ أنه تتبع ما فيها. وأقول: إن كلَّ ما فيها مِنَ الخطأ بزعم المعترض مغتفرٌ في جانب ما في غيرها مِنَ الصواب، فمن يُفتي في الشَّهر أكثر مِنْ ثلاثمائة، لا يُستغرب إذا أخطأ منها في ثلاثة، بل في ثلاثين. فإن أظهر المعترضُ الجميع، ثبتت المعذرة، كدأب غيره مِنَ المفتين، والسَّعيدُ مَنْ عُدَّت غلطاتُه.
ومَنْ ذَا الذي تُرضى سجاياه كلُّها
…
كفى المرءُ نبلًا أن تُعدُّ معايبُه
وإن أخفى الحق وأظهر الخطأ، فلا يخفى التعصُّب.
[وقد يكون الاعتراضُ عليه نشأ عَنْ عدم إدراكِ مقصدِه وما أحسن قول القائل:
غموضُ الحقّ حين يذبّ عنه
…
تعلّل ناصر الخصم المحقِّ
تَجِلُّ عن الدَّقيق فُهومُ قومٍ
…
فيقضي للمخلِّ على المدقِّ
(1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط).
(2)
1/ 166.
وقول غيره:
وكم عائبٍ قولًا صحيحًا
…
وآفته من الفهم السَّقيمِ] (1)
وقد رأيتُ لشيخنا مجلدة مِنْ مهمِّ فتاويه سماها "عجب الدهر في فتاوى شهر"، افتتحه بقوله: الحمد للَّه الذي لا تنفذُ خزائنُه مع كثرة البذل، والصَّلاةُ والسَّلام على محمد الذي جمع شتات جهات الفضل، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أكرِمْ بهم مِنْ صحبٍ وأهل.
أما بعد، فإن مَنْ غلب عليه الحسدُ، وقف على فتوى بخطي، وقع عند كتابتها ذهولُ عَنْ تقييد ما يُوهِمُ الإطلاق فيه، فشنَّعَ عليَّ في ذلك وبالغ، مع أنه عند التأمُّل لا يخفى المراد، فلمَّا بلغني ذلك، حداني على تدوين ما يقع لي مِنَ الأسئلة في شهرٍ واحدٍ، ليعذر من يقف عليها فيراها، وصوابُها أكثرُ مِنْ خطئها، فإنَّ الإنسان طُبع على السيان، والسَّعيدُ مَنْ غلب صوابُه على خطئه، وإنَّما يُلام مَنْ أصرَّ بعد قِيَام الحجَّة.
قلت: وعلى سبيل التنزُّل للخصم، فهو خيرٌ مِمَّن يجيب بتحصيل الحاصل، مثل تجوز ذلك على الوجه الشرعي، واللَّه المستعان.
وكان رحمه الله لا يُحابي بالفُتيا أحدًا ولو عَظُم، اتَّفق في سنة ثلاث وعشرين لمَّا كُتبتِ المحاضرُ بكفر قرا يوسف وولده، وأثبتت على القضاة، وطِيفَ بها على المشايخ، فكتبوا في ظاهرها بتصويب الحُكمِ المذكور، كان مِنْ جملة مَنِ (2) التُمست منه الكتابة صاحبُ الترجمة، فلم يزل يدافعهم عنها بعد إلزام السُّلطانِ وكاتب السِّرِّ له بذلك فالتزم، ولكنه لم يف -وللَّه الحمد- تقديمًا لحقِّ اللَّه تعالى، وعدم المحاباة في دينه.
ونحوُه ما حكاه صاحبُ التَّرجمة في "فتح الباري" أنَّ ملك الشَّرف شاه رُخ حاول في سلطنة الأشرف برسباي أن يأذن له في كسوة الكعبة
(1) من قوله: "وقد يكون الاعتراض". إلى هنا لم يرد في (ب). ومن قوله: "وقول غيره" لم يرد في (ط).
(2)
في (أ): "ما".