المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قريش، وتردَّد إليه زيادةً على ذلك لسماعِ الحديث في رمضان، - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - جـ ٢

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌ الإملاء

- ‌[وظائفه]

- ‌[وظيفة التفسير:]

- ‌[وظيفة الوعظ:]

- ‌[وظيفة الحديث:]

- ‌[وظيفة الفقه:]

- ‌[وظيفة الإفتاء:]

- ‌[وظيفة المشيخة:]

- ‌[وظيفة الخطابة:]

- ‌[وظيفة خزن الكتب:]

- ‌[دروس ابن حجر:]

- ‌[التفسير:]

- ‌[فتاويه:]

- ‌[خُطَبُه:]

- ‌[القضاء:]

- ‌[آفات القضاء]

- ‌[بعض أعماله في القضاء:]

- ‌ذكر الإشارة إلي محنته التي شارك فيها غيره من السادات بسبب ولده

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب الخامسفيما علمته من تصانيفه ومَنْ حصَّلها مِنَ الأعيان وتهادي الملوك بها إلى أقصى البلدان وما كتبه بخطه مِنْ تصانيف غيره ليظهر حسن قصده وعظم خبره

- ‌[مصنفات ابن حجر]

- ‌الأربعينات

- ‌المعاجم والمشيخات

- ‌تخريجه لشيوخه وغيرهم

- ‌الطرق

- ‌الشروح

- ‌علوم الحديث

- ‌فنون الحديث

- ‌الرجال

- ‌[صفات المؤرخ]

- ‌الفقه

- ‌أصول الدين

- ‌أصول الفقه

- ‌العروض والأدب

- ‌[اعتناء الملوك بتصانيف ابن حجر]

- ‌[مشاهير من نسخ مصنفات ابن حجر]

- ‌[وليمة فتح الباري]

- ‌[مَنْ كَتَبَ فتح الباري]

- ‌[شروح البخاري]

- ‌فصل

- ‌الباب السادسفي سياق شيء من بليغ كلامه نظمًا ونثرًا وفيه فصول

- ‌[تقريظ كتاب نزول الغيث للدماميني]

- ‌[تقريظ بديعيه الوجيه العلوي]

- ‌[ما كتبه على قطعة لابن ناهض]

- ‌[تقريظ سيرة ابن ناهض]

- ‌[تقريظ بديعية ابن حجّة]

- ‌[تقريظ آخر على بديعية ابن حجّة]

- ‌[وقد قرض شيخنا لابن حجّة قصيدته الثانية التي امتدح بها البدري بن مزهر حسبما أشار إليه النواجي في "الحجة"، فينظر]

- ‌[تقريظ عجاله القرى للتَّقي الفاسي]

- ‌[تقريظ الزهور المقتطفه من تاريخ مكة المشرقة للتقي الفاسي]

- ‌[تقريظ تحفة الكرام للتقي الفاسي]

- ‌[تقريظ مجموع تقي الدين الكرماني]

- ‌[تقريظ ديوان الملك الأشرف]

- ‌[تقريظ ديوان الملك الكامل]

- ‌[تقريظ الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي]

- ‌[تقريظ شرح عقود الدرر في علوم الأثر لابن ناصر الدين]

- ‌[تقريظ وجهة المختار لابن سويدان]

- ‌[تقريظ شرح منهاج البيضاوي لابن إمام الكاملية]

- ‌[تقريظ الأربعين لجلال الدين البلقيني]

- ‌[تقريظ نزهة القصَّاد للشريف النسَّابة]

- ‌[تقريظ الغيث الفائض في علم الفرائض للحسيني]

- ‌[تقريظ مسألة الساكت للسوبيني]

- ‌[تقريظ في منظومة الشغري في النحو]

- ‌[تقريظ البرهان الواضح للناس لابن أبي اليُمن المكي]

- ‌[تقريظ زهر الربيع في شواهد البديع لابن قرقماس]

- ‌[تقريظ الجامع المفيد في صناعة التجويد للسنهوري]

- ‌[تقريظ تحفة الأنفس الزكية لأبي حامد القدسي]

- ‌[تقريظ كتب السخاوي]

- ‌[تقريظ مرثية لابن الغرز]

- ‌[تقريظ موشح]

- ‌[تقريظ على درج الجمال ابن حجاج]

- ‌[تقريظ نظم لعبد السلام البغدادي]

- ‌الفصل الثاني فيمن عرض محافيظه عليه أو كتب له إجازة ممن تردَّد إليه

- ‌[الكتب المعروضة علي ابن حجر]

- ‌[إجازات ابن حجر]

- ‌ رسائله

- ‌الفصل الرابع في‌‌ المقترحاتوالمطارحات والألغاز البديعة الإيجاز

- ‌ المقترحات

- ‌[المطارحات]

- ‌الألغاز

- ‌[مقاطيعه]

- ‌الفصل الخامس فيما ورد عليه من الأسئلة المنظومة وجوابه عنها بفكرته المستقيمة

- ‌الفصل السادس في نبذة مِنْ فتاويه المهمة المتلقاة بالقبول بين الأئمة

- ‌ المكيات:

- ‌ المدنيات:

- ‌ القدسيات:

- ‌ اليمنيات:

- ‌ الشاميات:

- ‌[حديث الجسَّاسة]

- ‌فصل

- ‌[ترجمة الكسائي]

- ‌فصل

- ‌[بيان الحديث الحسن]

- ‌ الحلبيات:

- ‌ المصريات:

- ‌[بدعة الزيادة في الأذان]

- ‌ القاهريات:

- ‌[تضعيف حديث الماء المشمس]

- ‌[حديث: مَنْ مَلَكَ ذا رحم محرم فهو حرّ]

- ‌[حديث فضل الصلاة في المسجد النبوي]

- ‌[حكم لبس الأحمر]

- ‌[زنة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[حديث بريدة في خاتم الحديد]

- ‌[حديث الظالم عَدْلُ اللَّه في الأرض]

- ‌[حديث لا يدخل الجنة ولد زنا]

- ‌[حديث مَنْ كان ذا مال ولم يحج]

- ‌[المفاضلة بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما]

- ‌[هل أذَّن الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌[المراد بالأحرف السبعة]

- ‌[رواية الحسن البصري عن علي]

- ‌[خرقة التصوف]

- ‌[الشيخ عبد القادر الكيلاني]

- ‌[حديث ازهد في الدنيا يحبك اللَّه]

- ‌[هيئة الخطوة المفسدة للصلاة]

- ‌[تفسير قوله تعالي: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى]

- ‌[توثيق الإمام أبي حنيفة]

- ‌ معنى قوله تعالى: {مُسَوِّمِينَ} [

- ‌[السيدة نفيسة بنت الحسن والإمام الشافعي]

- ‌[ترجمة السيدة نفيسة]

- ‌[قبر الحسين]

- ‌[بدع القرّاء]

- ‌[حكم الغلط في النسخ]

- ‌[الاعتراض علي القاضي عياض]

- ‌[شروط العمل بالحديث الضعيف]

- ‌ أصول الفقه:

- ‌ أصول الدين:

- ‌[تعقبه على النووي في الأذكار]

- ‌[اختياراته:]

الفصل: قريش، وتردَّد إليه زيادةً على ذلك لسماعِ الحديث في رمضان،

قريش، وتردَّد إليه زيادةً على ذلك لسماعِ الحديث في رمضان، ولكتابة الإملاء. رحمه الله وإيانا.

لطيفة

قال صاحب الترجمة في "فتح الباري": حكى العز (1) بن جماعة أنه رأى أباه في المنام، فسأله عن حاله، فقال: ما كان عليَّ أضرَّ مِنْ هذا الاسم، يعني قاضي القضاة، فلذلك أمر العزُّ الموقعين أن لا يكتبوا له في الإسجالات قاضي القضاة، بل قاضي المسلمين، وفهم من قول أبيه أنَّه أشار إلى هذه التَّسمية، مع احتمال أنَّه أشار إلى الوظيفة، بل هو الذي يترجَّح عندي، فإن التسمية بقاضي القُضاة وُجدت في العصر القديم مِنْ عهد أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة رحمهما اللَّه، وقد منع الماوردي مِنْ جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك، مع أنَّ الماوردي كان يقال له: أقضى القُضاة، وكأنَّ وجه التفرقة بينهما الوقوف مع الخبر، وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة: يلتحق بملك الأملاك قاضي القضاة، وإن كان اشتهر في بلاد الشرق مِنْ قديم الزمان إطلاق ذلك على كبير القضاة، وقد سَلِمَ أهلُ المغرب مِنْ ذلك، فاسمُ كبيرِ القُضاة عندهم قاضي الجماعة، واللَّه المستعان.

‌فصل

فيما عُرِضَ عليه من الولايات التي لم يرتَضِ قَبُولها

فمن ذلك أنَّ المؤيَّد عينه للتوجُّه إلى اليمن عَنِ السُّلطان في سنة تسع عشر وثمانمائة، لوجاهته ووفور عقله وعلمه وإجلال الملوك -لا سيما باليمن- له، حتى إنه لمَّا اتفقت وفاةُ العلامة مجد الدين اللغوي صاحب

(1) في (أ): "ابن العز".

ص: 652

"القاموس"، وكان قاضي الأقضية بزبيد، ترك سلطان اليمن الناصر بن الأشرف الوظيفة شاغرة نحو سنتين ينتظر قدوم صاحب الترجمة عليه، ليولِّيه ذلك، فما وافق، فولَّى حينئذٍ الشهاب أحمد بن أبي بكر بن الردَّاد، إلى غير ذلك مما اشتهر، فاستعفى منَ التوجُّه عن السلطان فأُعفِيَ.

ثم عرض عليه المؤيدُ أيضًا في السنة المذكورة منصب القضاء بدمشق مرارًا، فامتنع وأصر على الامتناع، فراوده على ذلك، ورغَّبه فيه، حتَّى صرَّح له بأن للقاضي بدمشق في الشهر عشرة آلاف درهم فضّة معاليم قضاء وأنظار، وبالغ -مع ذلك- صاحبُ الترجمة في الاستعفاء، إذ لم يكن له أرب حينئذٍ إلَّا في العكوف على التصنيف والإفادة ونشر العلم، شكر اللَّه سعيه ورفع محلَّه، آمين.

وأنشد حينئذٍ قوله:

قد صدَّني عَنْ منصبِ الحكم عشرةٌ

فأوَّلُها ضعفي وقلَّة أموالي

وعجزي عَن إرضاء ربي وصاحبي

ومالكِ أمري مع حواشيه في الحالِ

وعجزي عن إصلاح ما أفسد الأُولى

مَضَوْا ومساواتي برُغمي بأنذالِ

ونسيان علمٍ نافعٍ لزخارف تضرُّ

وأخشى حين أُعْزِل إذلالي

وكان اشتهارُ أمره عند المؤيد مِنْ قبلُ بسنة، فإنه لمَّا عُقد مجلس المناظرة للهروي بين يديه في أواخر ربيع الأول سنة ثمان عشرة وثمانمائة بحضور القُضاة الأربعة ومشايخ الفنون مِنَ العلماء، كان منهم صاحب الترجمة، فكان هو القائم بأعباء المناظرة، فإنَّ أول شيء سُئل عنه الهروي: على مَنْ سمع "الصحيح"، فذكر سندًا، فقال له صاحب الترجمة في ذلك المجلس الحافل: أولادنا يروون "الصحيح" إلى أبي الوقت بمثل هذا العدد برجالٍ أشهر مِنْ هؤلاء، ثم أورد الهروي مجيبًا مَنْ سأله حديثًا من "ابن ماجه"، وسمَّى مِنْ رجال السند قاسم بن عبد الكريم، عن حنش، عن ابن عباس، عن ابن مسعود رضي الله عنهم، وأورده مِنَ "التِّرمذي" أيضًا، فقال له صاحب الترجمة: الإسناد الذي سُقْتَه لابن ماجه

ص: 653

غلط، وليس في "ابن ماجه" ولا في غيره مِنَ الكتب الستة أحد اسمه قاسم بن عبد الكريم، وأيضًا فليس في سياق "ابن ماجه" ولا غيره أن الحديث -يعني الذي أورده- من رواية ابن عباس عن ابن مسعود، وليس لفظه مطابقًا للفظ سياق الترمذي، فقال الهروي لصاحب الترجمة. فما هو الصواب في هذا الإسناد؟ فقال له: تكتب ما قلت، وأنا أبيّن موضوع الغلط، ثم تحضر "ابن ماجه"، فإن كان كما قلت، وإلا تبيَّن خطؤك، ففعل وظهر الصواب مع صاحب الترجمة، فمال السلطان المؤيد حينئذٍ إليه، وصار يغمِزُه بعينه تارة، ويرسل إليه من يسرُّ إليه مِنْ خواصِّه أن لا يترك منازعة الهروي، فقوَّى قلبه بذلك.

وقال حينئذٍ مخاطبًا للهروي: أنت تدَّعي أنَّك تحفظ اثني عشر ألف حديث، وقد ارتاب مَنْ بلغه عنك ذلك في صحته، وأنا أمتحنُك بشيءٍ واحدٍ، وهو أن تسرُدَ لنا في هذا المجلس اثني عشر حديثًا، مِنْ كلِّ ألفِ حديث حديثًا واحدًا، بشرط أن تكون هذه الاثنا عشر متباينة الأسانيد، فإنْ أمليتَها علينا إملاءً أو سردتها سردًا، أقررنا لك بالحفظ، وإلَّا ظهر عجزُك، فقال: أنا ما أستطيعُ السَّردَ، ولكن أكتبُ، فقال له: والإملاء نظيرُ الكتابة، فقال: لا إلا أنا أكتب، فأحضر له في الحال محبرة وورقة، فشرع يكتب، ثم بدا له، فقال: لا أستطيع أكتب إلا خاليًا، فيأمر السلطان أن أختلي في بيت وأنت في بيت، ويكتب كلٌّ منَّا مِنْ حفظه ما يستطيعه، فمن كتب أكثر، كان أحفظ، فقال له صاحب الترجمة نحن لم نحضر لنتخابر في سرعة الكتابة، مع أنَّ شهرته بسرعة الكتابة غيرُ خفيَّة، ولكن إنما أراد إظهار عجزه عمَّا ادَّعاه من الحفظ. وطال الخَطْبُ في ذلك، والسُّلطان يُرْسل بعض خواصِّه لصاحب الترجمة يحضُّه على التكلُّم معه.

وآل الكلام إلى أن ذكر حديث السَّبعة الذين يُظلُّهم اللَّه في عرشه، فقال صاحبُ الترجمة: هل فيكم مَنْ يحفظُ لها ثامنًا؟ فقالوا: لا، فقال: ولا هذا الذي يدَّعي حفظ اثني عشر ألف حديث! فسكت، وقيل له: فهل تحفظ أنت ثامنًا؟ فقال: نعم، أعرفُ ثامنًا وتاسعًا وعاشرًا، وأعجب مِنْ ذلك أن في "صحيح مسلم" الذي يدّعي هذا الشيخُ حفظه كلَّه ثامنًا،

ص: 654

فالتمَسَ منه إفادته، فقال: المقامُ مقامُ امتحان لا مقام إفادة، وإذا صرتم في مقام الاستفادة أفدتكم.

ثم لمَّا أرادوا القيام مِنَ المجلس، قال صاحب الترجمة للسلطان: يا خوند، أدَّعي على هذا أنَّ لي عنده دَيْنًا، فقال: ما هو؟ فقال: اثنا عشر حديثًا، فتبسَّم وانصرفوا، فلمَّا وصل صاحب الترجمة لباب الحوش، طُلب فعاد، فوجد السلطان قام لقضاء حاجته، فوقف مع خواصّه حتى يحضر، فقال له كاتب السِّرِّ: إن السلطان قال: قد استحييتُ من فلان، كيف يتوجَّه بغير ثواب، فقلت له: إنه كان شيخ البيبرسية، وانتزعها منه أخو جمال الدين ظُلمًا، فلما استتمّ كلامه، حضر السلطانُ، فأشار إلى كاتب السِّرِّ أن يُعلم صاحب الترجمة بما تقرَّر مِنْ أمر البيبرسية، فقال له: إن السلطان قد أعاد إليك مشيخة البيبرسية، فشكر صاحبُ الترجمة له ذلك، ثم قال له: قرَّرتني في مشيخة البيبرسية ونظرها، وعزل مَنْ هو مقرَّرٌ بها بحكم أنه انتزعها منِّي بغير جُنْحةٍ، فقال: نعم، فأشهد عليه بذلك مَنْ حضر.

وفي غداةِ غدٍ، لبس بها خلعة وحضرها، وصُرف (1) أخو جمال الدين منها ثم عُوِّضَ أخو جمال الدين بعد سنتين بمشيخة سعيد السعدا.

ووقع من الشيخ همام الدين الخوارزمي شيخ الجمالية -وهو من مساعدي الهروي- في هذا المجلس فلتةٌ أنكرها عليه صاحبُ الترجمة، إلى غير ذلك مما لا نطيل بإيراده.

ثم كان المؤيد يعتمد على شيخنا بعد ذلك ويثق به. اتَّفق أنَّ السِّراج الحمصي حكم في قضية تتعلق ببستان المحلي الذي بالقُرب مِنَ الآثار، وعُقد له مجلسٌ بسببه، حضره القُضاة وأهل الفُتيا على العادة، فلمَّا حضروا، سأل السلطان صاحبَ الترجمة عن القضية، وقال له: أنت تعرفُ الحالَ أكثر مِنْ هؤلاء، فذكر له حلية الأمر باختصار، وذلك في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.

(1) في (أ): "وحضر"، خطأ.

ص: 655

وفي تاريخه وقعت بين القاضيين الهروي الشافعي والدَّيري الحنفي مباحثةٌ، كان الحقُّ فيها مع الحنفي، وجحد الهرويُّ مقالته، فسأل السلطانُ مِنْ صاحب الترجمة ومِن القاضي المالكي عن حقيقة ذلك، فأخبراه بصدق ابن الديري.

بل ولَّى المؤيدُ صاحب الترجمة في تاريخه -كما سلف- الحكمَ بين الهروي وأخصامه الخليليين والمقادسة، فتوجَّه الحكمُ على الهروي، وخرج في التَّرسيم.

وكذا كان غير المؤيَّد كالظاهر ططر، يُسِرُّ إليه -وثوقًا به- دقائق أمره، فحكى له قبل أن يتسلطن أنه في آخر الدَّولة المؤيدية في الليلة التي مات صبيحتها المؤيَّدُ، ضاقت يدُه لكثرة مصروفه وقلَّة متحصّله، حتى إنَّ شخصًا قدَّم له مأكولًا، فأراد مكافأته عليه، فلم يجد في حاصله خمسةَ دنانير، حتى أرسل يقترضها مِنْ بعض خواصِّه، فكلُّهم -إلَّا واحدًا- يحلِفُ أنَّه لا يقدِرُ عليها، ثمَّ لم يكن بين ذلك وبين أن استولى على المملكة بأسرها، وعلى جميع ما في الخِزانة السُّلطانية التي جمعها المؤيَّدُ سوى أيَّام، وأمر ططر صاحب الترجمة بكتابة هذه الواقعة، فإنها أُعجوبة.

وكان رحمه الله عُيِّن لدرس الحديث بالمؤيدية أوَّل ما فُتحت، ثمَّ بطل ذلك، وقرر فيه البدر العيني، واستقرَّ هو مدرس الشافعية بها كما تقدَّم.

وعرض عليه في أيَّام الأشرف برسباي بعد ولايته قضاء الديار المصرية وظيفة كتابة السِّرِّ، ملتزمين له الإذنَ بالجلوس، فأباها وتعلَّل عليهم بضياع زمنه في معرفة المصطلح.

ونحو ذلك مِمَّا لم يقله إلَّا طردًا، إذ كان لا يخفاه ذلك رحمه الله وإيانا.

ص: 656