الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاضر الحِسّ، يتمسَّكُ بقوانين الشرع ويدعو إليها، وينفر مِنْ مخالفتها، ويشغل الناسَ فيها مع تمسُّكه بالعبادة والمجاهدة، ومزج ذلك بمخالطة الشاغل غالبًا عنها، كالأزواج والأولاد. ومَنْ كان هذا سبيلُه، كان أكملَ مِنْ غيره، لأنَّها صفةُ صاحبِ الشريعة. ومن هنا قال تلك الكلمة المشهورة، لأنَّه لا يعرف في عصره مَنْ كان يساويه في الجمع بين هذه الكمالات.
وإذا تقرَّر هذا، فلا يضر ما وقع في هذه "البهجة" ممَّا نُسِبَ إليه، لأنَّه إن كان على قانون الشريعة، فنسبتُه إليه جائزة، وما عدا ذلك، إن كان ثابتًا عنه، حمل على أنه صدر عنه في حال غَيْبَةٍ ما، وإن كانت أحواله الغالبة، لم يكن له فيها غيبة. وان لم يكن ثابتًا، فالعُهْدَة على ناقله، والغرضُ تعظيمُ شأنه، وهو بلا شك يستحقُّ التعظيم. واللَّه يهدي مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم.
ومنها: هل ورد عن الشيخ عبد القادر أنَّه حضر السَّماعَ الذي اتَّخذه الفُقراء بالدُّفوف والمواصيل وغيرها مِنْ الآلات، أو أمر بحضوره أو قال فيه شيئًا بإباحةٍ أو تحريمٍ؟
فأجاب: أمَّا الشَّيخ عبدُ القادر، فالذي وصل إلينا مِنْ أخباره الصَّحيحة أنه كان فقيهًا زاهدًا عابدًا، يتكلم على الناس ويرغِّبُهم في الزهد والتوبة، ويحذرهم مِنْ العقوبة على المعصية، فكان يتوب على يديه مِنَ الخلق مَنْ لا يُحصى كثرةً، وله كرامات مستفيضةٌ لم تنقَل لنا عَنْ أحدٍ مِنْ أهل عصره، ولا مِنْ بعدِه أكثر مما نُقِلَ عنه، ولا أعرف عنه في مسألة السماع بهذه الآلات شيئًا.
[حديث ازهد في الدنيا يحبك اللَّه]
ومنها أنه سئل عن حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: جاء رجلٌ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، دُلَّني على عمل إذا عملته أحبَّني اللَّه تعالى وأحبني الناس. قال صلى الله عليه وسلم:"ازهد في الدنيا. . . " الحديث. هل هو حسنٌ كما قاله النووي، بل قال: أسانيده حسنة، أو ضعيفٌ كما
قاله ابنُ رجب (1)، محتجًّا بأنَّ فيه خالد بن عمرو القرشي؟
فأجاب: أمَّا قولُ الشَّيخ: إنه حديث حسن، فلعلَّه اعتضدَ عنده بطُرقه الموصولة والمنقطعة، لأن مخارجها مختلفة، ولأنه أيضًا مِنْ فضائلِ الأعمال، ولكثرة شواهد الركن الأول في الكتاب والسنة وأقوال السلف، وكذا الركن الثاني، ويزداد بشاهدِ الحسن والتجربة.
وأما قولُه: بأسانيدَ حسنةٍ، ففيه نظر، لأن ظاهره أنَّ كلَّ إسنادٍ منها على انفراده حَسَنٌ، وليس كذلك، لأنَّه ما مِنْ إسناد منها إلا وفيه رواةٌ لا يوصَفُ حديث كل منهم بالحسن مع الانفراد، فيحمَل قوله: على أن كلَّ واحد منها يُوصَف بالحسن لا لدلالته (2)، بل باعتبار الصُّورة المجموعة [التي حملت كلامهُ أولًا عليها، وهذه عناية به، وإلا فإنه هو لم يلتزم هذه الطريقة](3)، في حديث "مَنْ حفِظَ على أمَّتي أربعين حديثًا".
وقد أجاد ابنُ رجب في جَمْعِ طُرقه، وفاته أنَّ الحاكم أخرج الحديث مِنْ طريق خالد بن عمرو الذي أخرجه ابن ماجه مِنْ طريقه، وقال: صحيحُ الإسناد، وتعقَّبه الذهبي في "تلخيص المستدرك"، فقال: خالدُ بن عمرو وضَّاع.
ومما تعقب به كلام ابن رجب: ما نقله عن ابن عدي وأقرَّه أن زافر بن سليمان رواه عن محمد بن عيينة، عن أبي حازم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، فإنَّ فيه تساهلًا، لأن الحديث الذي رواه [مِنْ طريق](4) زافر غير الحديث المسؤول عنه، وقد بين ذلك الحاكمُ، فأخرج في "المستدرك" أيضًا مِنْ طريق زافر، عن محمد، عن أبي حازم، وقال مرَّة: عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال مرَّةً: عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: "جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، عِشْ
(1) في جامع العلوم والحكم 2/ 174، بتحقيقي.
(2)
في (ح): "لذاته".
(3)
ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).
(4)
ساقط مِنْ (ب).