الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا الحديث الذي فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضة، فأخرجه التِّرمذي في الجهاد مِنْ طريق هود بن عبد اللَّه بن سعد، عن جده مَزْيَدَة -بفتح الميم وسكون الزاي وفتح المثنَّاة التحتانية- وهو جدُّ هودٍ لأمِّهِ، باللفظ المذكور في السؤال، وبقية الحديث: وكان قبيعةُ السَّيف فضَّة. وقال: غريب، وفي الباب عن أنس رضي الله عنه، ثم ساق حديث أنس رضي الله عنه في قبيعة السَّيف، ولم أرَ في النَّسخة المعتمدة في "جامع الترمذي" لفظة حسن، وكذا في الأصل الذي بخطِّ الكروخي، قال:"حديث غريب" فقط، ليس فيه "حسن"، واللَّه أعلم.
[حديث: مَنْ مَلَكَ ذا رحم محرم فهو حرّ]
ومنها: ما سأله شيخنا العلامة جلال الدين المحلِّي، ونصه: المقرَّر في مذهب الشَّافعي أنَّ مَنْ ملك غيرَ أصوله وفروعه مِنَ الحواشي لا يعتق عليه، وحديث السُّنن الأربعة "مِنْ ملك ذا رحم محرم، فهو حر"، وفي رواية "عتق عليه" أجيبَ بضَعْفه مِنْ رواية ضمرة بن ربيعة عن سفيان الثوري. قال النَّسائي: لا نعلمُ أحدًا روى هذا الحديث (1) عن سفيان عن ضَمرة، وهو حديثٌ منكر. وقال الترمذي: لا يُتابَعُ ضَمْرَةُ على هذا الحديث، وهو خطأ عندَ أهلِ الحديث. لكن رواه الأربعة عَنِ الحسن، عن سَمُرَة، وصحَّحه الحاكم، وقال التِّرمذي: العملُ عليه عندَ أهلِ العلم. فيحتاج في مذهب الشافعي إلى بيان مخصِّص بالأصول والفروع، فما الجواب عن ذلك؟
= ثم قال: تنبيه: وقع لمحمد بن معن الدمشقي في كلامه على "المهذب" عزو هذا الحديث عن عائشة إلي "سنن أبي داود" و"الترمذي"، وهو غلط قبيح.
انتهى كلام صاحب الترجمة في تخريج أحاديث الرافعي، وبه يحصل الجواب عمّا في السؤال.
قلت: وهو في "التلخيص الحبير" 1/ 20 - 21.
(1)
في (أ): "الخبر".
فأجاب بقوله، وسمعته عليه: نقل البيهقيُّ في "معرفة السُّنن والآثار" أن الشافعيَّ اعتمدَ في هذا الحكم على النَّظر، فقال: لا يثبُتُ للولدِ المِلْكُ على شيءٍ خُلِقَ منه، كما لو ملك نفسه، وعلى أنَّ الفرع بَضْعَةٌ مِنَ (1) الأصل، فلو استقر ملكه عليه، لكان كمن ملك بعضه، واستأنسوا بالحديث الصَّحيح المخرج في الصحيح مِنْ حديث المِسْوَرِ بن مَخْرَمَة، رفعه في حديث طويل، وفيه:"إنما فاطمة بَضْعة مني"[وذكروا أن منع الأصل بطريق الأوْلى، وأجابوا به عن الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريِرة](2) رفعهُ: "لا يَجزي ولدٌ عن والدِه إلا أن يجدَه مملوكًا فيشتريه فيعتِقَه".
فإن احتجَّ به مَنْ لا يرى العِتقَ أصلًا في الأقارب مِنَ الظَّاهرية، لكونه أضافَ العِتْقَ إلى الولد، فكان باختياره.
وحاصلُ الجواب أنَّه لما تعلَّق بابتياعه إضافة إليه، لكونه مِنَ اكتسابِه. وقال البيهقي: معناه: أن شراءه له يستلزِمُ عِتْقَه مِنْ غير إنشاء إعتاق.
وأما حديث سمرة رضي الله عنه، فهو عُمدَة مَنْ قال بظاهر الخبر المذكور، وهو "مَن ملك ذا رحم محرم، فهو حرَّ"، وروي بلفظ آخر كما في السؤال وبتشديد "محرم" وتخفيفه. أخرجوه مِنْ رواية حمَّاد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه، وأعلُّوه بعلل:
أحدها: الاختلاف في سماع الحسن مِنْ سَمُرَة، والجمهور أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة.
ثانيها: أنَّ قتادة مدلِّسٌ، فتوقف التصحيح على سماعه له مِنَ الحسن.
ثالثها: أنَّه انفرد عنه بوصله حمَّاد بنُ سلمَةَ، وكان مع ذلك يشكُّ فيه، حيث قال في رواية أبي داود: بالسَّند عَنِ الحسن، عن سَمُرَة فيما يحسِبُ حماد.
(1) في (أ): "عن".
(2)
ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).
رابعها: أنه خالف حمادًا في وصله مَنْ هو أحفظ منه عَنْ قتادة، وهو سعيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ، فقال: عن قتادة، عن الحسن قولَه. وقال مرَّة أخرى: عن قتادة، عن عمر رضي الله عنه قوله.
قال أبو داود: سعيدٌ أحفظُ مِنْ حمَّاد. ووافق سعيدًا هشامٌ الدَّسْتُوائيُّ عن قتادة، عن الحسن وجابر بن زيد، قالا: فذكره موقوفًا عليهما، وهشامٌ مِنْ حُفَّاظ أصحاب قتادة.
خامسها: الاختلاف فيه على حمَّاد، فرواه كثيرون عنه كما تقدم عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة. وخالفهم عبدُ الرحمن بنُ مهدي، وهو مِنْ أكابر الحُفَّاظ والنُّقَّاد، فقال: عن حماد عن مَطَر الورَّاق، عَنِ الحكم بن عُتَيْبة، عن إبراهيمَ النَّخعي، عن عُمر رضي الله عنه مِنْ قوله منقطعًا. وعن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي الله عنه موصولًا موقوفًا عليه. وقال عَقِبه: قال إبراهيم: لا يعتِقُ إلا الوالد والولد. أورده البيهقي مِنْ طريقه. وهذا تخصيصٌ للعموم، لا يقولُه إبراهيم النَّخعي، وهو فقيهُ الكوفة في زمانه، إلا عن أصل.
ومما يتمسك به للمذهب اتِّفاق أئمَّة الاجتهاد -إلَّا مَنْ شذ مِنَ الظَّاهرية- على عِتْقِ الأصل والفرع، واختلاف الأقل منهم فيه، والاختلافُ الأكثرُ في الحواشي.
فعلى تقدير صحَّة الخبر، فقد عُمِلَ به، إلا أن الجمهور لم يقولوا بعمومه، والشَّافعي منهم، وهو مِنْ باب تخصيص الخبرِ بالقياس.
وقد أطبق علماءُ الحديث النُّقَّاد منهم على القدح في حديث سَمُرَة رضي الله عنه مِنْ جهة تفرُّد حماد به، ومُخالفة مَنْ هو أحفظُ منه له في وصله، فلا يُلتَفَتُ إلى تساهُلِ الحاكم في تصحيحه ولا إلى قول مَنْ مال (1) إلى تصحيحه، أو جزم به كابنِ حَزْمٍ وأبي الحسن بنِ القطان والضِّياء المقدسي والقرطُبيِّ في "المفهم".
(1) في (أ): "قول مالك"، خطأ.
وأمَّا قول التِّرمذي: والعملُ عليه عندَ أهلِ العلم، فهو محمولٌ على أنَّهم عمِلُوا به في الجُملة، لكن منهم مَنْ قال بعمومه، ومنهم مِنْ خصَّصه.
وأما الحديث الذي تفرد به ضَمْرَةُ، فهو مِنْ مسند ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه الترمذي وابن ماجه مِنْ طريق ضَمرَةَ بنِ ربيعة، عن سفيانَ الثَّوري، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.
قال النَّسائي: لا نعرِفُ أحدًا روى هذا الحديث عن سفيان غيرَ ضَمْرَةَ، وهو حديثٌ منكر. وقال الترمذي: هو خطأ عندَ أهل الحديث، تفرد به ضَمْرَةُ. وقال البيهقي: لو كان هذا محفوظًا، لكن كالأخذ باليد، لكنهم أطبقُوا على أنَّ ضمرَةَ غلِطَ فيه، وتفرَّد به عن الثوري، وكأنه دخل له حديثٌ في حديث، فإنه جاء عنه: عن الثوري، عن ابن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته، [وقال:"مَنْ ملك ذا رحم محرم، فهو حر". وخالفه حفَّاظُ أصحاب الثَّوري، فرَوَوْه عنه إلى قوله:"وعن هبته"] (1)، ولم يذكروا ما بعده، فحكَمَ الحفَّاظُ على ضَمرَةَ بالوهم فيه.
وأمَّا مَنْ صحَّحه، فمشى على ظاهر السَّند، ولم يلتفت إلى علَّته، ولا يقع في ذلك إلا مَنْ لم يتبحَّر مِنَ اصطلاح أئمَّة أهل الفنِّ، فقد تقرَّر أنهم لقُوَّة ملكَتِهم فيه كالصَّيرفي في نقدِ الدَّرهم. وهذا إنَّما هو فيما لم يُبرهِنُوا على سبب علَّته، وأمَّا ما برهَنُوا عليه، كهذا الحديث، فلا التفاتَ لِمَنْ خالفهم. وما زالَ الشَّافعيُّ في تعليل الأحاديث يحيل بذلك على أهل العلم بالحديث. حيث يقول: لا يُثبته أهلُ العلم بالحديث. واللَّه الهادي للصواب.
[قلت: وعندي مِنْ أسئلة المحلي أيضًا عدَّةٌ، أجابه عنها بما أفردته في محلٍّ آخر](2).
(1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب).
(2)
ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).