الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وآل أمره إلى أن توسَّل (1) عند قاضي الشافعية حتَّى زاد له المعلوم، وصار في كلّ شهر ستمائة، مع كونه لا نظرَ له في هذا الميعاد بخصوصه، وكون الحساب القديم -بل وغيره- إنما يشهد بمائة خاصَّة. ونازعه شاهدُ الوقف -وهو كمال الدين بن الضَّياء- ولم يُذْعِنْ له في ذلك، مع توسُّل البقاعي عنده بالقاضي الحنبلي، ولم يُفِدْ، فنزل عن الوظيفة المذكورة لنجم الدِّين بن عرب، وعيَّن أن معلومها ستمائة، فلا قوَّة إِلَّا باللَّه. هذا كلُّه وهو يزعم أنَّه لم يُزاحم أحدًا في وظيفة. نسأل اللَّه تعالى أن يُعيذنا مِنْ شرور أنفسنا] (2).
[وظيفة الحديث:]
ويليها الحديث، وكان قد وليَ تدريس الحديث بالشيخونية في شوال سنة ثمان وثمانمائة عِوَضًا عن شمس الدين محمّد بن علي بن معبد المدني المالكي بحكم نزوله له عنها، وأملى بها نحوًا مِنْ مائة مجلس كما تقدَّم، وهي أول مكان وَلِيَ فيه تدريس الحديث.
ثم ولي تدريس الحديث بقبة الخانقاه البيبرسية بعد نور الدين علي بن عبد الرّحمن بن محمد بن أحمد الربعي الرشيدي -[المشار إليه قريبًا](3) بحكم وفاته في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بعد ولايته مشيخة الصوفية ونظرها بيسير، وكان الرشيدي أيضًا تلقَّاه عن الشيخ كمال الدين الدَّميري، فأقام فيه خمس سنين وثلاثة أشهر ومات، فتلقَّاه شيخُنا، وناب عنه فيه البرهان بن خضر، ثم بعد موته الشمس بن حسَّان، وصار له بحكم وفاته، فلمَّا مات ابن حسَّان، استقرَّ فيه الشيخ قاسم الحنفي، ثم ركب عنه بمائة دينار لسِبْطِ صاحب الترجمة.
ثم ولي تدريس الحديث بالمدرسة الجمالية المستجدَّة أوَّل ما فُتحت،
(1) في (ط): "يسأل".
(2)
من قوله: "ثم رام بعد مدة" إلى هنا لم يرد في (ب) وقد ورد في هامش (ح) بخط المصنف.
(3)
ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
ولَّاه ذلك واقفها في رجب سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وعمل فيها مجلسًا بحضرة الواقف والأكابر، تكلَّم فيه على حديث "مَنْ بنى للَّه مسجدًا"، وقال: عندي من طرقه (1)، وعيَّن عددًا، فقال له القِمَني -وكان حاضرًا-: قل ما شئت، فلا ينازعُك فيه أحد، يشير إلى انفراد صاحب الترجمة بذلك، مع أنه لمَّا استشعر إرادة شيءٍ بمقالته، قال له: أحضِر محبرةً، وأكتب كل ما أقول، يظهر لك صحَّته بعد ذلك، وما أظن القِمَني أراد إِلَّا الأول.
وبلغني أن القِمَني على عنه فى أثناء الكلام، فقال له شيخُنا: صه، فقال له القمني: مه!
وامتدح شيخُنا واقفَ المدرسة شكرًا له على توليته ذلك بقصيدة أولها:
يا سيِّدَ الأُمراء يا كنزَ الورى
…
وعزيزَ مصر ومَنْ به فخرت حلبْ
العبد قد وافى ليشكُر أنعمًا
…
وقعت له مِنْ جودكم وفق الطَّلبْ
ومهنئًا بالشَّهر بل يهنأ بكم
…
شهرٌ ودهرٌ كلُّه بكم رجبْ
صُبَّت على النَّاس المكارمُ منكم
…
ديمًا فلا يختصُّ شهرٌ بالأصبْ
وكان من جملة الطلبة عنده فيه العلامة كمال الدين محمد بن محمد بن حسن الشُّمُنِّي، فلمَّا ولي صاحب الترجمة درس الفقه بالشَّيخونية، وتشاغل به عن درس الجمالية، وكان أمثل جماعته بالجمالية الكمال المذكور، وليس بيده تدريسٌ، عرض عليه صاحبُ الترجمة مع بعض أصحابه أن يرغب له عنه بخمسين ناصريًّا، يدفع له ما يكونُ معه مِنْ ذلك إن كان، ويستنسخُه بالباقي. هذا بعد أن قيل: إنه أُعطيَ فيها مائةَ ناصريّ، فأجاب ودفع له نحو عشرين ناصريًا، وأشهد بالباقي، وذلك في سنة تسع عشرة وثمانمائة، فاتفق أنَّ الكمال مات عن قُربٍ، وخرجت الوظيفةُ عَنْ ولده، -وهو شيخنا المحقِّقُ تقيُّ الدين أحمدَ الشُّمُنِّي، وكان إذ ذاك
(1) في (ط): "طريقه".
صغيرًا- للعلَّامة المفوَّه عز الدين القدسي، فقام شيخُنا صاحبُ الترجمة حتى استعاد الوظيفة للولد المعيَّن، وباشرها عنه، ثم آل الأمرُ فيها إلى أن أخذ للشيخ تقي الدين مِنَ العزِّ القدر الذي كان دفعه والدُه إليه، وآثره هو بما كان تأخَّر، ورجعت الوظيفة للعزِّ. هذا ما حكاه لي شيخُنا التقي المذكور، وكتبتُه دفعًا لمن يتكلَّم بالهوى، واظهارًا لمقاصد شيخنا الجميلة.
واستقرَّ فيها بعد القُدسيِّ القاضي نور الدين بن سالم، ثم الشيخ شصى الدين النَّواجي، وحضرت معه إجلاسه فيها، ومات فحُفظت لولده، واشيب عنه فيها. [ثم صارت بعد وفاته للشمس بن قاسم، ثمَّ رغب عنها لداود الأزهري المالكي](1).
ثم ولي تدريس الحديث بالجامع الطُّولوني عِوَضًا عن التقيِّ علي حفيده ابن (2) العراقي بحكم وفاته سنة ثلاث وثلاثين، وكان كتب له تفويضًا به بعد وفاة جدِّه في ذي القعدة سنة ست وعشرين وثمانمائة، واستمرَّ بيده حتى مات، فاستقر فيه العلاءُ القلقثشديُّ، وركب في مرض موته عنه لولده وأخيه، فلمَّا مات أخوه، استقلَّ الابن بذلك.
ودرَّس للمحدثين نيابةً عن ولده -كما تقدَّم- بمدرسة حسن في سنة تسع وعشرين، ثمَّ استنزل ولده عنها لتلميذه العلامة نور الدين بن سالم، ثم رغِبَ عنها ابنُ سالم في حياة شيخنا للنَّواجي، ثم بعد وفاته حُفِظَت لولده، [فلما مات أخذها عبد البر بن الشحنة](3).
وولي أيضًا تدريس الحديث بالقبة المنصورية عن [صدر الدين أحمد بن جمال الدين محمود بن العجمي](4)، ثم رغب عنها للعلامة الفقيه
(1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(2)
"ابن" ساقطة من (ب).
(3)
ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(4)
ما بين حاصرتين بياض في (ب).
البدر بن الأمانة، وذلك حين ركب عن درس الفقه بالشَّيخونية كما سيأتي، وقال النَّاسُ: لو أُعطي ابنُ الأمانة الفقه، والآخرُ الحديث، لكان أولى، فقال: إنَّما أردت أعرِّف مقام الرَّجلين فيما لا يُظَنُّ بهما معرفته، ليشتهر أمرُهما بذلك كما اشتهر بغيره.
فلما مات البدر، استقر فيه أولادُه، ثم رغبُوا عنه بعد دهرٍ لسبط صاحب الترجمة.
[وقد قال صاحب التَّرجمة في جمادى الأخرى من سنة إحدى وثمانين (1): عُقِدَ مجلس بسبب عزِّ الدين الرَّازيُّ حين وَلِيَ تدريس الحديث بالمنصورية، فقام في ذلك البرهانُ الأبناسي والزَّينُ العراقي وغيرهما، وقالوا إنَّ هذا لا يعرف شيئًا مِنَ الحديث، وأعطوه جزءًا مِنْ "صحيح البخاري" ليقرأ فيه بالحاضر، فافتُضِحَ حين قرأ، لكونه صحَّف الواضحات، وآل الأمرُ إلى أن أخذ التدريس جمال الدين محمود بن العجمي المحتسبُ لنفسه، وصار يستحضرُ بعض المحدِّثين إلى منزله، ويقرأ عليه الحديث، بل وجماعة من المنتفعين، كالآمدي والدِّجوي، واستمرَّ بيده حتى مات، فاستقرَّ فيه ولدُه صدر الدين أحمد بعده، إلى أن صار إلى شيخنا صاحب الترجمة](2).
ثم ولي مشيخةَ الحديث بالمدرسة التي استجدَّها الزَّيني الاستادار، بعد الفراغ مِنْ عمارتها بْمدَّة، بالتماس الواقف وغبره مِنْ حاشيته لذلك مِنْ شيخنا، قصدًا لحصول التجمُّل به، وسألوه تعيين جماعةٍ مِنْ طلبته، فعيَّن سبطه والبقاعي وكاتبه (3) وغيرهم، وكنَّا نحضر معه ويقرأ عليه الشيخُ شهابُ الدِّين بن أسد شيخ القراء، وربما جلس الواقفُ قريبًا للسماع. وكان رحمه الله يؤثر بمعلومه فيها (4)، ولم يقرر صاحبها فيه (5) بعد موته أحدًا،
(1) في (أ)"إحدى وثمانين وثمانمائة"، خطأ. والخبر في حواث سنة إحدى وثمانين وسبعمائة من "إنباء الغمر" 1/ 306 - 307.
(2)
من قوله: "وقد قال صاحب الترجمة" إلى هنا لم يرد في (ب).
(3)
أي السخاوي صاحب هذا الكتب.
(4)
في (ب): "يؤثر بمعلومها".
(5)
في (أ): "فيها".
وقال: إنما فعلت ذلك لأتشرَّفَ به، وكان التفويضُ له بذلك في رجب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة قبل موته بيسير.
وولي مشيخةَ إسماع الحديث بالمدرسة المحمودية، ويقال: إنه استقرَّ فيها بعد وفاة البدر أحمد بن عمر (1) بن محمد الطَّنبذي، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة تسع وثمانمائة، وكذا كان مفوضًا لشيخنا قراءة الحديث بها، فكان يستخلف فيها من اختار مِنْ طلبته. ولمَّا مات استقرَّ فيها الشهابُ بن العطَّار الآتي ذكره في أسماء الطلبة.
ثم وُجِد في كتاب الوقف ما يدلُّ على أنَّ الواقف شرط كونهما لرجلين، فاستمرَّ الشهاب في الإسماع، واستقرَّ البدر محمد بن الجمال يوسف الدَّميري في القراءة، وحصل بينهما نزاعٌ، فلمَّا مات الشَّهاب، استقرَّ في الإسماع أمير حاج الملقَّب صلاح الدين ربيب قاضي القضاة علم الدين البلقيني [الذي ولي القضاء بعد أشهر، ثم رغب عنها لعبد القادر بن النقيب](2)، فلله الأمر.
وولي أيضًا مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق بعد شُغورها مِنْ بعد موت الجمال بن الشرائحي مدَّةً طويلة، فلما دخل الشام في سنة ست وثلاثين، أعطاها للحافظ العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر عبد اللَّه بن محمد بن أحمد القيسي، الشهير بابن ناصر الدين، وحضر فيها معه، واستمرت مع ابن ناصر الدين حتى مات، فاستقرَّ فيها العلامة علاء الدين علي (3) بن عثمان بن عمر بن الصَّيرفي، ومات في سنة أربع وأربعين، فاجتمع صاحب الترجمة بالبهاء بن حجي حين قدومه القاهرة، وأعلمه بأنَّ الوظيفة له، وإنَّما كان استناب فيها ابن ناصر الدين، وأنه الآن يُعرِضُ عنها للشيخ قطب الدين الخيضري، لكونه أمثلَ أهل الفنِّ هناك، فأجاب واستقرَّ
(1) في (أ): "محمد"، وكذا في إنباء الغمر 5/ 21، وفي الضوء اللامع 2/ 56، "عمر" كما هنا. وقال المصنف فيه، والصواب أحمد بن محمد بن عمر.
(2)
ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(3)
في (أ): "علاء الدين بن علي"، خطأ، وانظر الضوء اللامع 5/ 259.