الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الشيخ عبد القادر الكيلاني]
ومنها أنه سئل عما قاله الحافظ ابن رجب في "طبقات الحنابلة" أنه قد جمع أبو الحسن المُقرىء الشَّطنوفي المصري في أخبار الشَّيخ -[يعني عبد القادر الكيلاني](1) - ومناقبه ثلاث مجلدات، [وهي المسماة بالبهجة](2)، وقد رأيتُ بعضَ هذا الكتاب، ولا يطيبُ على قلبي أن أعتمِدَ على شيء ممَّا فيه، فأنقلَ منه، إلا ما كان مشهورًا معروفًا مِنْ غيره، وذلك لكثرة ما فيه مِنَ الرواية عن المجهول، وفيه مِنَ الشُّطح والطامات والدعاوى والكلامِ الباطلِ ما لا يُحصى، ولا يجوزُ نسبة مثل ذلك إلى الشيخ عبد القادر.
قال: ثمَّ وجدتُ الكمالَ جعفر الأدفوي ذكر أنَّ الشطنوفي نفسه كان متَّهمًا فيما يحكيه في هذا الكتاب بعينه. انتهى.
وعن معنى قول الشيخ: قدمي هذه على رقبة كل وليٍّ للَّه.
فأجاب بما نصُّه: أما ما يتعلَّق بالبهجة، فقد طالعتُ أكثرها، فما رأيتُ الأمرَ كما ذكره الحافظُ ابن رجب على إطلاقه، بل هي مشتملة على أقسام:
القسم الأول: ما لا منابذةَ لقاعدةِ الشَّريعة فيه بحسب الظَّاهر، بل جائزٌ شرعًا وعقلًا، وهذا معظم الكتاب، فإنَّ ظهورَ الخوارق على البشر واقعة في الوجود، ولا ينكِرها إلا معانِدٌ.
القسم الثاني: منابِذٌ لقوانين الشَّريعة في الطاهر، فإن أمكن حملُه بالتَّأويلِ على أمر شائع فذاك، وإلا فينبغي في اجتنابه وتحسين الظَّنِّ بقائله يحتاجُ إلى أن يدَّعي أنَّ ذلك صَدَر في حال غَيْبَةٍ له مِنْ غير اختيار.
والقسم الثالث: ما تردَّد بين الأمرين، فهذا ينبغي الجَزْمُ بحمله على لمحمَلِ الصَّحيح ولو بالتأويل، بخلاف الذي قبله، فإنَّه يجوزُ أن يكون غير ثابتٍ.
(1) و (2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
ولا شكَّ أنه مَنْ ليست له بصيرةٌ بنقد الرواة (1) ثمَّ قصد الإكثار، فإنَّه يصير حاطِبَ ليل يجمع الغثَّ والسَّمينَ وهو لا يدري، وهذا حال جامع "البهجة".
وقد ذكر أئمتنا لما يظهر مِنَ الخوارق ضابطًا يتميز به المقبولُ مِنَ المردود، فقالوا: إن كان الواقع ذلك له أو منه على المنهاج المستقيم، فهي كرامةٌ، كالشَّيخ عبد القادر، فقد قال شيخ الإسلام عز الدين بنُ عبد السلام: ما وصلت إلينا كرامةُ أحد بطريق التَّواتُر مثلما وصلت إلينا كرامات الشيخ عبد القادر. روينا هذا الكلام عنه بمعناه بسندٍ صحيح عن الحافظ شرف الدين علي بن محمد اليونيني أنَّه سمع ابنَ عبد السلام يقوله. وفي رواية للذهبي عنه، قيل له: مع ما عرفَ مِنَ اعتقاده -يعني مِنْ المسائل التي تخالِفُ فيها الحنابلة، والشيخ منهم- الأشاعرةَ، وابنُ عبد السلام منهم، فقال: نعم، إذ لازمُ المذهب ليس بلازم، وإن كانت الواقعة منه أوَّلَه على الوجه المباين للشَّريعة المطهَّرة، فليست فيها دلالة على الولاية ولا كرامة، فهذا هو الحدُّ الفارقُ بين الكرامة الدالَّة على الولاية والخارق الذي لا يدلُّ عليها، بل ربما دلَّ على ضدِّها كما يظهر في كثيرٍ مِنْ أحوال المبتدعة المتمسكين بما يُباين الأمور الشرعية، فإنها أحوالٌ شيطانيَّة لا يغتر بها إلَّا الجَهَلَةُ، وربَّما ظهرت مِنْ أُناس في حال غَيْبَتِهم وذهولِهم، وهو على قسمين:
مَنْ كان قبلَ ذلك على المَنْهَج القويم، فتلك كرامةٌ، ولكن لا يُقتدى بأقوال مِنْ هذا سبيلُه ولا بأفعاله، بل يعذر على ما يصدر منه لكونه في حال غَيْبَةِ عقله الذي هو مناطُ التَّكليف. والأوْلَى منعُ جَهَلَةِ العامَّة مِنْ ملازمة مثل هذا، لئلا يظنُّوا أنَّ الذي يصدُر منه في حال غيبته هو الحق فيقتدوا به، ومِنْ هُنا ضلَّ كثيرٌ منهم، وباللَّه التوفيق.
وإذا عرف ذلك، فالشيخُ عبد القادر لم يكن مِنْ هؤلاء، بل كان
(1) في (أ): "الرواية".