الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تقريظ بديعيه الوجيه العلوي]
ومن ذلك ما كتب به في ربيع الأول سنة ثمانمائة بزبيد على "البديعية" التي نظمها الوجيه عبد الرحمن بن محمد بن يوسف العلوي، المسماة "بالجوهر الرفيع ودوحة المعاني في معرفة أنواع البديع ومدح النبي العدناني" ونصه:
الحمد للَّه الذي أتقن ما صنع أبدع إتقان، وأحسن كلَّ شيءٍ خلَقَه وخلقَ الإنسان، وصلى اللَّه على أشرف مُرسلٍ مفرد، لم يختلف في فضله من ذوي العقول اثنان، الذي نزّه تشريعه عن المراجعة والمناقضة، وجرّد تتميمه عن الاستدراك والمعارضة، فما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى، وما ظهر من معجزاته لامعة إلَّا وأخجلت نجمًا وقمرًا وبوحًا (1)، ففي محل ألفاظه إشاراتٌ خفيَّات، يتلمَّح معانيها أهلُ البيان، وفي أخباره معجزات شتَّى لا يختصُّ بها أهل زمان دون أهل زمان، ومنها قوله الصادق:"إنك إن تُعطَ الإمارة عن غير مسألة، تُعَنْ عليها يا عبدَ الرحمن"، وسلَّم اللَّه على رُوحه أتمَّ سلام، ورضي اللَّه عن آله وصحبه البَرَرةِ الكرام الخيرة الأعلام. آمين.
فأقول وإن لم أكُن مِنْ رجال هذا المجال المصيبين بنيل نبلهم مقاتل الأقوال: وقفت على هذا الجوهر الرفيع، وتفيَّأتُ ظلال هذه الدوحة، واجتنيت مِنْ زهرها المريع، ووقفت عنده وما وقفت عنه، وأطال ظامىءُ نظري الورود، وما ارتوى منه، ونثر (2) فكري لوصفه سهامَ الألفاظ مِنْ كنانته، فما أصاب الغرض، وعرض جنودَ المعني لمدح هذا الجوهر الفرد، فما قابله لما عرض، وقدحت زِنَادَ ذهني الكابي، فما أورى مِنَ القادح واستشعرت معثار إنساني، فتلا عليه العجز:{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ} [الانشقاق: 6]، فلله درُّ منشىءٍ هذه المُلحة، والمتفضل بهذه المِنحة، لقد
(1) البُوح: اسم الشمس. من القاموس المحيط.
(2)
في (ط): ونشر.
أطاب لما أطال، ووجد مكان القول ذا سَعَةٍ فقال، وسبق إلى غاية ما وراءها غاية، وأقام للبلغاء عند اختلاف آرائهم راية.
شعر:
إذا أبصروا في الطِّرْسِ أثر مِدادِه
…
فذلك سَبْق قد أثار غُبارًا
فصليتُ وراء هذا السابق مسلمًا، وصَمَتُّ عجزًا عن وصف مجلس ذا الصدر، ولكن أبى قلبي أن يكون إلَّا متكلمًا، وقلتُ واستعنت بالعزيز القدير، ويدُ فكري جذيمة، ولسانُ التَّقصير قصير:
للَّه دَرُّ فاضلٍ مُبَرِّزٍ
…
جاءَ أخيرًا وتجلَّى سابقا
والبُلغاءُ عن مداه (1) قصَّروا
…
فما رأينا للوجيه لاحقا
فلو رآه الحريري، لعقد عليه الخناصِر، لعلمه بأنه من (2) الطراز الأول، وابن أبي الأصبع، لنصَّ بإشارته إليه بأنَّ عليه في هذا الفن المعوَّل، والحلِّيُّ لحزم عليه النظم (3) وخفي، ولما حام يومًا حول مورء الصَّفِي.
جلوت على الأسماعِ بنتَ قريحةٍ
…
بديعةَ حُسْنٍ لا يقاومها نقدُ
فلو أبصر النَّظَّام جوهرَ لفظِها
…
لما شكَّ فيه أنَّه الجوهرُ الفردُ
وبالجملة، فسِنَانُ قلمي عن واجب وصفِه غيرُ مسنون، وصَدَفُ كَلِمي لا أرضاها لهذا الجوهر المكنون، لا زال ناظمه في سعادة لازمة له لزوم الهمزة للاستعلاء (4) على ما ألَّف، وكان المبتدأ صدر الكلام، واللام للتعريف من قبل (5) الألف، ومنادي عيشه لا يرخَّم، وأحمدُ زمانه لا
(1) في (أ): "والبلغاء مداده"، وفي (ط) عن مناه.
(2)
"من" ساقطة من (أ).
(3)
في (ط): النظر.
(4)
في (أ): "للاستعلال"، تحريف.
(5)
في (ط): "بعد".