الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكمل كتابتها. وراسل الحافظ تقي الدين الفاسي من شيراز يلتمس منه "تغليق التعليق"، فاتَّفق وصول الكتاب وشيخُنا هناك ومعه منه نسخة، فجهَّزها إليه، فعاد الجواب بابتهاجه وفرحه بذلك، وأنه شهر الكتاب بتلك البلاد، ثم أهدى لشيخنا نسخة "بالنشر" من تصنيفه، والتمس نشره في الديار (1) المصرية، وكتب عن شيخنا أيضًا شيئًا من أول ما علَّقه متعقِّبًا على جمع رجال "مسند أحمد"، وبالغ في استحسان ما وقع له مِنْ ذلك، وقد نبَّه صاحبُ الترجمة على ذلك في خطبة الكتاب المسمَّى "تعجيل المنفعة"، حيث قال ما نصُّه: وكنت أفردت الأوهام التي وقعت للحسيني، وتبعه عليها ابن شيخنا في "جزء" مفرد، كتب عني بعضه العلامة شيخ الإقراء شمس الدين بن الجزري لمَّا قدم القاهرة سنة سبع وعشرين، وأعجله السَّفر عن تكملته، وبلغني أنَّه ضمَّه إلى شيءٍ فيما يتعلق "بالمسند الأحمدي". انتهى.
وقرأت بخط صاحب الترجمة أيضًا في إجازته لبعض القرَّاء ممَّن أخذ عن ابن الجزري: حتى إن العلَّامة في الحديث والقراءات شمس الدين بن الجزري -وهو يومئذٍ الحاكم بمدينة شيراز- سئل عن موضع معلَّق في الجنائز مَنْ الذي أخرجه موصولًا، فكتب إلى الحافظ تقي الدين الفاسي بمكة، يسَأله (2) أن يسألني عنه، فاتفق أني حججتُ في تلك السنة، وهي سنة خمس عشرة، فوقفت على كتابه، فجهزت له مع قاصده نسخةً في مجلدين، فلمَّا حجَّ هو في سنة سبع وعشرين، أحضر النسخة، فمررت عليها، وألحقت فيها زيادات تجدَّدت بعده، وكافأني عليها بكتابه "النشر" في مجلدين أيضًا، وقرنهما بقصيدة من نظمه. انتهى.
[وليمة فتح الباري]
ولمَّا تمَّ "شرح البخاري" تصنيفًا ومقابلةً ومباحثةً، عمل شيخنا مؤلفه رحمه الله وليمةً عظيمة بالمكان الذي بناه المؤيد خارج القاهرة بين كوم
(1) في (ب، ط): "البلاد".
(2)
في (ب، ط): "فسأله".
الريش ومنية الشَّيرج، ويُسمَّى بالتج والسبع وجوه- في يوم السبت ثامن شعبان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وقرىء المجلس الأخير منه هناك، وجلس شيخُنا المصنف مع القارىء على الكرسي، وكان يومًا مشهودًا لم يعهد أهلُ العصر مثله بمحضر من العلماء والقضاة والرؤساء والفضلاء وغيرهم ممَّن لا يحصيهم إلَّا اللَّه عز وجل.
فمن أعيان الحاضرين من الشافعية: القاياتي والونائي، والمحلي والسفطي وابن البارزي، والتقي المقريزي، والبرهان الكركي، والمحب القمني.
ومن الحنفية: ابنا الديري ثيخ الإسلام سعد الدين، والبرهان، وابنا الأقصرائي شيخ الإسلام أمين الدين، ومحب الدين، والمحب بن الأشقر.
ومن المالكية: ابن التنسي، وأبو الجود البنبي.
ومن الحنابلة: المحب بن نصر اللَّه.
ومن أرباب المناصب: المقام الناصري محمد ابن السلطان جقمق، والوزير كاتب المناخات، وناظر الخاص.
وكنت هناك وأنا صغير.
وقال الشعراء في ذلك فأكثروا. منهم: الشريف الأسيوطي [والشهاب الحجازي](1) وابن أبي السعوى والنَّواجي، والدَّجوي، والمليجي، والمحب البكري، والشرف الطنوبي، وابن الفالاتي الأديب، والبقعي، وأُنشد ذلك بالمكان المذكورُ بالمنكوتمرية أو بالبيبرسية، واليسير من ذلك مِنْ لفظ ناظمه.
وفرَّق عليهم -بل على مَنْ كان ملازم (2) الكتابة فيه عنه- الذَّهب وغير ذلك، ودفع رحمه الله لأصحاب البرسيم المزدَرَع هناك عِوَضًا عمَّا
(1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(2)
في (ط): "يلازم".
أتلفه دوابُّهم مالًا حتى لا يتضرَّر أحد بذلك.
وكان المصروف في الوليمة المذكورة نحو خمسمائة دينار، ولم يترك مِنْ أنواع المآكل والمشارب والفواكه والحلوى وما أشبه ذلك شيءٌ، فكان شيئًا عجبًا.
ووقع في هذا اليوم مما ضبطه أحد الأعيان، ممَّن حضر هذا المجلس، وهو الشيخ محيي الدين الكافيجي الحنفي [أن المقام الناصري](1)، قال: يا مولانا شيخ الإسلام، هذا يوم طيِّبٌ، فلعلَّ أن تنعشونا ببيت مِنْ مفرداتكم، لعلّ أن نمشي خلفكم فيه، وإن كنتم كما قيل:
وما مثله في الناس إلا مُمَلَّكُ
فقال شيخ الإسلام: أخشى إن ابتدأت أن لا يكونَ موافقًا لما وقع بخاطركم، والأحسن أن تبتدىء أنت، فإن مشينا خلفه، فبها ونِعْمَت، وإلا ازددنا سرورًا، فقال الناصري:
هويتها بيضاء رعروبة
…
قد شغفت قلبي خود الرَّداحْ
فقال صاحب الترجمة:
سألتُها الوصلَ فضنَّت به
…
إنَّ قليلًا في الملاح السَّماحْ
فقال علي الدولشاي، وكان من محاضري المؤيد شيخ، وهو غاية في رقة الطبع، مع كونه تركيًّا.
قد جرحَتْ قلبي لمَّا رنت
…
عُيونُها السُّودُ المِرَاضُ الصِّحاحْ
فهمهم الشرفُ الطُّنوبي، ولم يمكنه أن يقول شيئًا، فقال صاحب الترجمة:
ما للطنوبي غدا حائرًا
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).