الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عهده انصرفي فقد عزلته لك، ووقع لها بمثل توقيع أبيه الحكم فقبلت يده وأمر لها بجائزة، فانصرفت وبعثت إليه بقصيدة منها:
ابن الهشامين خير الناس مأثره
…
وخير منتج يوما لرواد
إن هز يوم الوغى أثناء صعدته
…
روى أنابيبها من صرف فرصاد
قل للإمام أيا خير الورى نسبا
…
مقابلا بين آباء وأجدا
جودت طبعي ولم ترض الظلامة لي
…
فهاك فضل ثناء رائح غادي
فإن أقمت ففي نعماك عاكفة
…
وإن رحلت فقد زودتني زادي
وبقيت على ذلك مدة حياتها وهي مغمورة بخيراتها ومشهورة بالجود والكرم والأدب والحكم.
حفصة ابنة حمدون
كانت فاضلة، روض فضلها أريج، وحدائق معلوماتها وأدبها بهيج، وشاعرة رقت وكثر اختراعها للمعاني وإبداعها، تسترق القلوب بألفاظها الزاهرة، وتسكر العقول بمعانيها الساحرة تنظم فتأتي بكل عجيبة وتشنف الأسماع بكل غريبة، وتنثر فتفتض أبكار الدقائق بنظرها الثاقب، وتجلى غياهب المشكلات بفكرها الصائب هي من وادي الحجارة بالأندلس، وهي من أهل المائة الرابعة. ومن شعرها:
رأى ابن جميل أن يرى الدهر مجملا
…
فكل الورى قد عمهم صيب نعمته
له خلق كالخمر بعد امتزاجها
…
وحسن فما أحلاه من حين خلفته
بوجه كمثل الشمس يدعو ببشره
…
عيونا ويغشيها بإفراط هيبته
ولها أيضا:
لي حبيب لا ينثني بعتاب
…
وإذا ما تركته زاد تيها
قال لي هل رأيت لي من شبيه
…
قلت أيضا وهل ترى لي شبيها
ولها تذم عبيدها:
يا رب إني من عبيدي على
…
جمر الغضا ما فيهم من نجيب
أما جهول أبله متعب
…
أو فطن من كبر لا يجيب
ومن قولها أيضا:
يا وحشتي يا وحشتي
…
يا وحشة متمادية
يا ليلة ودعته
…
يا ليلة هي ماهية
حفصة ابنة الحجاج الركونية
كانت أديبة في زمانها، أبلغ شعراء أوانها شعرا وأدقهم نظرا. شعرها جيد ذات رونق فائق، وديباجة حسنة. وكان لها اليد الطولى في سبك المعاني، واستعمال الألفاظ الشائقة. ولم يكن شعرها مع جودته مقصورا على أسلوب واحد، بل كانت تتفنن فيه وتدخل في أساليب مختلفة، وكانت غزيرة المادة من الأدب مطلعة على شعر العرب الخلص وغيرهم. وكانت تكتب الخط الجيد وهي من أذكياء العرب المشهود لهم بالتفوق والبراعة في مبدأ أمرها كثيرا، وحفظت كثيرا، ولما كبرت وشبت ظهر لها جمال بارع
كانت تبهر العقول به، وكانت حسيبة نسيبة غنية، ذات مال وافر، هويها جملة من أجلاء عصرها وأدباء زمانها، ولم تلتفت لأحد منهم سوى أبي جعفر بن سعيد، وكانت معه على عفة زائدة. وقالت يوما ارتجالا بين يدي أمير المؤمنين عبد المؤمن:
يا سيد الناس يا من
…
يؤمل الناس رفده
أمنن علي بطرس
…
يكون للدهر عده
تخط يمناك فيه
…
الحمد لله وحده
وأشارت بذلك إلى العلامة السلطانية عند الموحدين فإنها كانت بكتب السلطان بيده بخط غليظ في رأس المنشور الحمد لله وحده. ومن قولها أيضا في الغزل:
ثنائي على تلك الثنايا لأنني
…
أقول على علم وأنطق عن خبر
وأنصفها لا أكذب الله إنني
…
رشفت بها ريقا أرق من الخمر
وولع بها السيد أبو سعيد عبد المؤمن ملك غرناطة، وتغير بسببها على أبي جعفر بن سعيد حتى أدى عليه أن قتله، وطلب أبو جعفر منها الاجتماع فمطلته قدر شهرين فكتب إليها:
يا من أجانب ذكر اس
…
مه وحسبي علامه
ما إن أرى الوعد يقضي
…
والعمر أخشى انصرامه
اليوم أرجوك لا أن
…
يكون لي في القيامة
لو قد بصرت بحالي
…
والليل أرخى ظلامه
أنوح شوقا ووجدا
…
إذ تستريح الحمامة
صب أطال هواه
…
على الحبيب غرامه
لمن يتيه عليه
…
ولا يرد سلامة
إذ لم تنيلي أريحي
…
فاليأس يثني زمامه
فأجابته تقول:
يا مدعي في هوى الحس
…
ن والغرام الإمامة
أتى قريضك لكن
…
لم أرض منه نظامه
أمدعي الحب يثني
…
يأس الحبيب زمامه
ضللت كل ضلال
…
ولم تفدك الزعامه
ما زلت تصحب مذ كن
…
ت في السباق السلامه
حتى عثرت وأخجل
…
ت بافتضاح السآمه
بالله في كل وقت
…
يبدي السحاب انسجامه
والزهر في كل حين
…
يشق عنه كمامه
لو كنت تعرف عذري
…
كففت غرب الملامة
ووجهت هذه الأبيات مع موصل أبياته بعدما لعنته وسبته وقالت له: لعن الله المرسل والمرسول فما في جميعكما خير ولا برؤيتكما حاجة، وانصرف بغاية من الخذلان، ولما أطال على أبي جعفر وهو قلق لانتظاره
قال له: ما وراءك يا عصام؟ قال: ما يكون وراء من وجهه خلق إلى فاعلة تاركة. اقرأ الأبيات تعلم، فلما قرأ الأبيات قال للرسول: ما أسخف عقلك وأجهلك: إنها وعدتني للقبة التي في جنت المعروفة بالكمامة، سر بنا. فبادرا إلى الكمامة فما كان إلا قليل وإذا بها قد وصلت وأراد عتبها فأنشدت:
دعي عد الذنوب إذا التقينا
…
تعالي لان عد ولا تعدي
وجلسا على أحسن حالة، وإذا برقعة الكندي الشاعر لأبي جعفر وفيها:
أبا جعفر يا ابن الكرام الأماجد
…
كتوم عليم باختفاء المراصد
يبيت إذا يخلو المحب بحبه
…
ممتع لذات بخمس ولائد
فقرأها على حفصة فقالت: لعنة الله قد سمعنا بالوارش عليهما فقال لها: بالله سميه لنكتب له بذلك. فقالت: أسميه الحائل لأنه يحول بيني وبينك إن وقعت عيني عليه فكتب له في ظهر رقعته:
يا من إذا أتاني
…
جعلته نصب عيني
نراك ترضى جلوسا
…
بين الحبيب وبيني
إن كان ذاك فماذا
…
تبغي سوى قرب حيني
والآن قد حصلت لي
…
بعد المطال بدين
فإن أتيت فدفعا
…
منها بكلتا اليدين
أو ليس تبغي وحاشا
…
ك أن ترى طير بيني
وفي حنينك في الخم
…
ر كل قبح وشين
فليس حقك إلا
…
الخلو بالقمرين
وكتب له تحت ذلك ما كان منهما من الكلام وذيل ذلك بقوله:
سماك من أهواه حائل
…
إن كنت بعد العتب واصل
مع أن لونك مزعج
…
لو كنت تحبس بالسلاسل
فلما رجع إليه الرسول وجده قد وقع بمتمورة النجاسة وصار هتكة، فلما قرأ الأبيات قال للرسول: ارجع وأعلمهما بحالي، فرجع الرسول وأخبرهما بذلك، فكاد أن يغشى عليهما من الضحك وكتبا إليه ارتجالا كل واحد بيتا، وابتدأ أبو جعفر فقال:
قل للذي خلصنا
…
من الوقوع في الخرا
ارجع كما شاء الخرا
…
ابن الخرا إلى الورا
وإن تعد يوما على
…
وصالنا سوف ترى
يا أسقط الناس ويا
…
أنذلهم بلا مرا
هذا مدى الدهر تلا
…
قي لو أتيت في الكرا
يا لحية تشق في ال
…
مخرا وتنشا العنبرا
لا قرب الله اجتما
…
عا بك حتى تقبرا
فلما وصلته الرقعة علم أنه ليس مقبولا لديهما، فانصرف من حيث أتى وبقيا يومهما ينتهبان اللذات ويتعاطيان المسرات بدون ريبة تقع من أحدهما حتى آن أوان الانصراف، فانصرفا ولك منهما له نحو صاحبه انعطاف. ومن شعرها:
سلام يفتح في زهرة ال
…
كمام وينطق ورق الغصون
على نازح ثوى في الحشا
…
وإن كان تحرم منه الجفون
فلا تحسبوا العبد ينساكم
…
فذلك والله ما لا يكون
وقولها من أبيات:
ولو لم يكن نجما كان ناظري
…
وقد غبت عنه مظلما بعد نوره
سلام على تلك المحاسن من شج
…
تناءت بنعماه وطيب سروره
وقولها:
سلوا البارق الخفاق والليل ساكن
…
أظل بأحبابي يذكروني وهنا
لعمري لقد أهدى لقلبي خفقة
…
وأمطرني منهل عارضة الجفنا
ونسب إليها البيتان المشهوران:
أغار عليك من عيني ومني
…
ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني
…
إلى يوم القيامة ما كفاني
وكتبت إلى أبي جعفر:
رأست فما زال العداة بظلمهم
…
زجهلهم النامي يقولون لم رأس
وهل منكر أن ساد أهل زمانه جموح إلى العليا حرون عن الدنس
وقال ابن رحبة: حفصة من أشراف غرناطة رخيمة الشعر، رقيقة النظم والنثر. ومن قولها في السيد أبي سعيد ملك غرناطة تهنئه بيوم عيد وكتبت بذلك إليه:
يا ذا العلا وابن الخلي
…
فة والإمام المرتضى
يهنيك عيد قد جرى
…
فيه بما تهوى القضا
وأتاك من تهواه في
…
قيد الإنابة والرضا
ليعيد من لذاته
…
ما قد تصرم وانقضى
وسألتها امرأة من أعيان غرناطة أن تكتب لها شيئا بخطها فكتبت إليها:
يا ربة الحسن بل يا ربة الكرم
…
غضي جفونك عما خطه قلمي
تصفحيه بلحظ الود منعمة
…
لا تحفلي برديء الخط والكلم
واتفق أنه بات أبو جعفر معها في بستان بحوز مؤمل على ما يبيت به الروض والنسيم من طيب النفحة والنضارة، فلما حان الانفصال قال أبو جعفر وكان يهواها كما سبق:
رعى الله ليلا لم يرح بمذمم
…
عشية وارانا بحوز مؤمل
وقد خفقت من نحو نجد أريجة إذا نفحت هبت بريا القرنفل
وغرد قمري على الدوح وانثنى
…
قضيب من الريحان من فوق جدول