الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفاق قال له أكل هذا بلغ بك عشقها؟ قال: وما خفي عليك أكثر. قال: أفتحب أن تسمعه منها؟ قال: قد رأيت ما نالني حين سمعته من غيرها وأنا لا أحبها فكيف يكون حالي إن سمعته منها وأنا لا أقدر على ملكها قال: أفتعرفها إن رأيتها. قال: أو أعرف غيرها.
فأمر بها فأخرجت وقال: خذها فهي لك والله ما نظرت إليها قط إلا عن عرض، فقبل الرجل يديه ورجليه وقال له: أنمت عيني وأحيت نفسي وتركتني أعيش بين قومي ورددت إلي عقلي فقال: ما أرضى أن أعطيكما هكذا يا غلام احمل معها ثمنها لكي لا تهتم به ويهتم بها فأخذها وانصرف شاكرا.
وكان ابن أبي عتيق معجبا بعزة الميلاء فأتى يوما عند عبد الله بن جعفر فقال له: بأبي أنت وأمي هل لك في عزة فقد اشتقت إليها قال: لا أنا اليوم مشغول. فقال: بأبي أنت وأمي إنها لا تنشط إلا بحضورك فأقسمت عليك إلا ساعدتني وتركت شغلك ففعل فأتياها ورسول الأمير على بابها يقول لها دعي الغناء فقد ضج أهل المدينة منك وقالوا: فتنت رجالهم ونساءهم فقال له ابن جعفر: ارجع إلى صاحبك فقل له عني أقسم عليك إلا ناديت في المدينة أيما رجل أو امرأة فتنت بسبب عزة إلا كشف نسفه بذلك لتعرفه ويظهر لنا ولك أمره فنادى الرسول بذلك فما أظهر أحد نفسه، ودخل ابن جعفر إليها وابن أبي عتيق معه فقال لها: لا يهولنك ما سمعت فغنينا، فغنتهما:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل
…
وإن بليت وإن طالت بك الطيل
فاهتز ابن أبي عتيق طربا فقال ابن جعفر: ما أراني أدرك ركابك بعد أن سمعت هذا الصوت من عزة، وبقيت عزة في عز وإقبال ونعمة وافرة حتى ماتت مأسوفا عليها من كل من سمع صوتها ورأى جمالها.
عزة صاحبة كثير
هي عزة بنت جميل بن حفص بن إياس بن عبد العزى يتصل نسبها إلى عبد مناف علقها كثير جارية قد كعبت نهودها.
وكان سبب دخول الهوى بينهما أن كثيرا مر بغنم له ترد الماء على نسوة من ضمرة بوادي الخبت فأرسلن له عزة بدريهمات تشتري بها كبشا لهن منه، فنظرها نظرة تأمل فداخله منها ما كان، فرد الدراهم وأعطاها الكبش وقال: إن رجعت أخذت حقي، فلما عاد سألنه ذلك فقال: لا أقتضي إلا من عزة فقلن له: ليس فيها كفاءة فاختر إحدانا فأبى وأنشد:
نظرت إليها نظرة وهي عاتق
…
على حين أن شبت وبان نهودها
نظرت إليها نظرة ما يسرني
…
بها حمر أنعام البلاد وسودها
فجعلن يبرزنها له كارهة ثم داخلها ما داخله ولما اشتدت حالته أنشد:
يزهدني في حب عزة معشر
…
قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى
…
فبالقلب لا بالعين ينظر ذو اللب
وما تبصر العينان في موضع الهوى
…
ولا تسمع الأذنان إلا من القلب
ودخلت عزة على أم البنين بنت عبد العزيز فقالت لها: ما الحق الذي مطلته كثيرا إذ قال:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه
…
وعزة ممطول معنى غريمها
فقالت: وعدته قبله، فقالت: أنجزيها وعلي إثمها.
ومن غريب الإنفاق أن كثيرا له غلام يتجر على العرب فأعطى النساء إلى أجل، فلما اقتضى ما له منهن ما طلته عزة فقال لها يوما - وقد حضرت في نساء - أما آن أن تفي بما عندك؟ فقالت: كرامة لم يبق إلا الوفاء فقال: صدق مولاي حيث يقول: قضى كل ذي دين البيت. فقلن له: أتدري من هي غريمتك؟ فقال: لا أدري. قلن هي والله عزة فقال: أشهدكن علي أنها في حل مما عندها ومضى فأخبر مولاه بالحكاية فقال: وأنت حر وما عندك لك وكان الذي عنده ألف دينار وأنشد:
سيهلك فيا لدنيا شفيق عليكم
…
إذا غاله من حادث الدهر غائله
يود بأن يمسي سقيما لعلها
…
إذا سمعت عنه بشكوى تراسله
ويهتز للمعروف في طلب العلا
…
لتحمد يوما عند عز شمائله
ودخلت عزة على عبد الملك بن مروان فقال لها أتروين قول كثير:
لقد زعمت أني تغيرت بعدها
…
فمن ذا الذي يا عز لا يتغير
تغير جسمي والخليقة كالتي
…
عهدت ولم يخبر بسرك مخبر
فقالت: لا أدري هذا ولكن أروي قوله:
كأني أنادي صخرة حين أعرضت
…
من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة
…
فمن مل منها ذلك الوصل ملت
فضحك من ذلك واتفق أن عزة خرجت إلى مكة مع زوجها وكان كثير في ذلك العير، فلما كان في أثناء الطريق مرت بجمل له فسلمت على الجمل فبلغ كثيرا ذلك فجاء إلى الجمل فحله وأطلقه من الحمل وأنشد:
حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت
…
فحي ويحك من حياك يا جمل
لو كنت حييتها ما زلت ذائقه
…
عندي ولا مسك الإدلاج والعمل
ليت التحية كانت لي فأشكرها
…
مكان يا جمل حييت يا رجل
ثم اتفق أن زوجها أمرها أن تستعطي سمنا فلقيها كثير فأخبرته بحاجتها فأخرج إداوة سمن وجعل يسكب في إناء عزة وهما يتحدثان فلم يشعر حتى غرقت أرجلهما، فلما رجعت أنكر زوجها كثرة السمن وأقسم عليها فأخبرته فحلف ليضربنها أو لتخرجن فتشتم كثيرا بحيث يسمعها ففعلت فأنشد كثير:
يكلفها الخنزير شتمي وما بها
…
هوائي ولكن للمليك استذلت
هنيئا مرئيا غير داء مخامر
…
لعزة من أعراضنا ما استحلت
ودخلت عليه وهو يبري سهاما، فجعل ينظر إليها ويبري ساعدته فدخلت ومسحت الدم بثوبها.
وتوفيت عزة سنة أربع ومائة ورثاها كثير بأبيات منها، وقد سأل عبد العزيز أن يرشده إلى قبر عزة، فلما وقف عليه أنشد:
وقفت على ربغ لعزة ناقتي
…
وفي البر رشاش من الدمع يسفح
فيا عز أنت البدر قد حال دونه
…
رجيع تراب والصفيح المضرح
وقد كنت أبكي من فراقك خيفة
…
فهذا لعمري اليوم أنأى وأنزح
فهلا فداك الموت من أن ترينه
…
بمن هو أسوأ منك حالا وأقبح