الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى تبع فقالوا: تبعثنا على رجل يقاتلنا بالنهار ويضيفنا بالليل فتركه وانصرف.
فريدة مولاة آل الربيع
هي مولدة نشأت بالحجاز، ثم وقعت إلى آل ربيع فعلمت الغناء في دورهم، ثم صارت إلى البرامكة، فلما قتل جعفر بن يحيى ونكبوا هربت وطلبها الرشيد فلم يجدها ثم صارت لى الأمين.
فلما قتل خرجت فتزوجها الهيثم بن مسلم فولدت له ابنه عبد الله، ثم مات عنها فتزوجها السندي بن الجرشي وماتت عنده ولها صنعة جيدة في شعر الوليد بن يزيد:
ويح سلمى لو تراني
…
لعناها ما عناني
واقفا في الدار أبكي
…
عاشقا حور الغواني
ومن صنعتها أيضا:
ألا أيها الركب النيام ألا هبوا
…
نسائلكم هل يقتل الرجل الحب
ألا رب ركب قد وقفت مطيهم
…
عليك ولولاك أنت لم يقف الركب
فريدة جارةي الواثق
كانت لعمر بن بانة وهو أهداها إلى الواثق وكانت من الموصوفات المحسنات، وكانت حسنة الوجه حسنة الغناء حادة الفطنة والفهم وتزوجها المتوكل بعد الواثق.
وقال صاحب "الأغاني" عن محمد بن الحارث إنه قال: كانت لي نوبة في خدمة الواثق في كل جمعة إذا حضرت ركبت على الدار فإن نشط إلى الطرب أقمت عنده. وإن لم ينشط انصرفت.
وكان رسمنا أن لا يحضر أحدنا إلا بنوته فإني لفي منزلي في غير يوم نوبتي غذ أرسل الخليفة من هجموا علي وقالوا لي: أجب أمير المؤمنين فقلت: هذا اليوم لم يحضرني امير المؤمنين قط لعلمكم غلطتم.
فقالوا: الله المستعان لا تطول وبادر فقد أمرنا أن لا ندعك تستقر على الأرض، فداخلني فزع شديد وخفت أن يكون ساع قد سعى بي أو بلية حدثت في رأي الخليفة علي، فتقدمت بما أردت وركبت حتى وافيت الدار، فذهبت لأدخل على رسمي من حيث كانت أدخل فمنعت وأخذ بيدي الخدم، فأدخلوني وعدلوا بي إلى طرق لا أعرفها فزاد ذلك في جزعي وغمي.
ثم لم يزل الخدم يسلمونني من خدم على خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصحن ملبسة الحيطان بالوشي المنسوج بالذهب، ثم أفضيت غلة رواق أرضه وحيطانه ملبسة بمثل ذلك، وإذا بالواثق في صدره على سرير مرصع بالجواهر وعليه ثياب منسوجة بالذهب وإلى جانبه فريدة جاريته عليها مثل ثيابه وفي جحرها عود، فلما رآني قال: جودت والله يا محمد غلينا إلينا فقبلت الأرض ثم قلت: خيرا يا أمير المؤمنين، قال: خيرا أرى أما تنظر ما نحن فيه أنا طلبت والله ثالثا يؤانسنا فلم أر أحق منك فبحياتي بادر فكل شيئا من الطعام وبادر غلينا فقلت: قد والله يا سيدي أكلت وشربت أيضاً.
قال: فاجلس فجلست. وقال: هاتوا لمحمد رطلا في قدح، فأحضر ذلكن ثم قال لفريدة: غني. فغنت:
أهابك إجلالا وما بك قدرة
…
علي ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النفس يا ليل أنها
…
قلتك ولا إن قل منك نصيبها
فجاءت والله بالسحر وجعل الواثق يجاذبها، وفي خلال ذلك تغني الصوت بعد الصوت، وأغني أنا في خلال
غنائها فنزلنا أحسن ما أمر لأحد فإنا لكذلك إذ رفع رجله فضرب صدر فريدة بها ضربة تدحرجت من أعلى السرير إلى الأرض، وتفتت عودها، ومرت تعدو وتصيح، وبقيت أنا كالمنزوع الروح، ولم أشك أن عينه وقعت إلي وقد نظرت إليها، ونظرت إلى فأطرق ساعة إلى الأرض متحيرا، وأطرقت أتوقع ضرب العنق فإني لكذلك إذ قال: يا محمد، فوثبت.
فقال: ويحك، أرأيت أغرب مما تهيأ علينا فقلت: يا سيدي الساعة والله تخرج روحي فعلى من أصابنا بالعين لعنة الله، فما كان سبب الذنب.
قال: لا والله، ولكن فكرت أن جعفرا يقعد هذا المقعد ويقعد معها كما هي قاعدة معي فلم أطق الصبر وخامرني ما أخرجني إلى ما رأيت، فسري عني وقلت: بل يقتل الله جعفراً ويحيا أمير المؤمنين أبداً وقبلت الأرض وقلت: يا سيدي، الله الله ارحمها ومربدها، فقال لبعض الخدم: الوقوف من يجيء بها؟ فلم يكن بأسرع من أن خرجت وفي يدها عودها وعليها غير الثياب التي كانت عليها قبل، فلما رآها جذبها وعانقها فبكت وجعل هو يبكي واندفعت أنا بالبكاء.
فقال: ما ذنبي يا مولاي وبأي شيء استوجبت هذا؟ فأعاد عليها ما قاله لي وهو يبكي وهي تبكي أيضاً.
فقال: سألتك بالله يا أمير المؤمنين غلا ضربت عنقي الساعة وأرحتني من هذا الفكر وأرحت نفسك من الهم بي وجعلت تبكي وهو يبكي.
ثم مسحا أعينهما ورجعت إلى مكانها وأومأ إلى الخدم الوقوف بشيء لا أعرفه، فمضوا أحضروا أكياساً فيها دراهم دنانير ورزما فيها ثياب كثيرة وجاء خادم بدرج ففتحه وأخرج منه عقدا ما رأيت قط مثل جوهره فألبسها إياه: وأحضرت بدرة فيها عشرة آلاف درهم فجعلت بين يدي وخمسة تخوت فيها ثياب وعدنا إلى أمرنا وإلى أحسن مما كنا، فلم نزل كذلك إلى الليلة.
ثم تفرقنا وضرب الدهر ضربه وتقلد المتوكل فو الله إنني لفي منزلي بعد توبتي إذ هجم علي رسل الخليفة فما أمهلوني حتى ركبت، وصرت إلى الدار فأدخلت والله والحجرة بعينها وإذا المتوكل في الموضع الذي كان فيه الواثق على السرير وإلى جانبه فريدة، فلما رآني قال: ويحك، أمل ترى ما أنا فيه من هذه أنا منذ غدوة أطالها بأن تغنيني فتأبى ذلك؟ فقلت لها: يا سبحان الله أتخالفين سيدك وسيد البشر بحياتي، غني فعرفت والله أنه تم التفاؤل ثم اندفعت تغني:
مقيم بالمجازة من قنونا
…
وأهلك بالأجيفر فالثماد
فلا تبعد فكل فتى سيأتي
…
عليه الموت يطرق أو يغادي
ثم ضربت بالعود الأرض ورمت بنفسها عن السرير، ومرت تعدو وهي تصيح: وا سيداه.
فقال لي: ويحك، ما هذا؟ فقلت: لا أدري والله يا سيدي فقال: فما ترى؟ فقلت: أرى أن أنصرف أنا وتحضر هي ومعها غيرها فإن الأمر يؤل إلى ما يريد أمير المؤمنين. قال: فانصرف في حفظ الله. فانصرفت ولم أدر ما كانت القصة.
وقال محمد بن عبد الملك سمعت فريدة تغني:
أخلاي بي شجو وليس بكم شجو
…
وكل امرئ مما بصاحبه خلو
أذاب الهوى لحمي وجسمي ومفصلي فلم يبق إلا الروح والجسد النضو
وما من محب نال ممن يحبه
…
هوى صادقاً إلا سيدخله زهو
بليت وكان المزح بدء بليتي
…
فأحببت جهلاً والبلايا لها بدو
وعلقت من يزهو على تجبرا
…
وإني في كل الخصال له كفو
قال: فما سمعت قبله ولا بعده غناء أحسن منه. وقال عمرو بن بانة غنيت أمام الواثق يوماً
قلت خلي فاقبلي معذرتي
…
ما كذا يجزي محباً من أحب